مراحل تحرقنا ولا نحرقها
خيري منصور
جو 24 : لو صرخنا الى أن يتدفق الدم من عروق أعناقنا بأن الواقع لا يعبأ بهذا الصراخ؛ لأن له قوانين تسيره بمعزل عن الرغائب، وكل ما يقال عن الاعراف والتقاليد يبقى مجرد كلام اذا لم نحتكم في اللحظة الحاسمة الى ما هو فاعل ونافذ وليس رمزياً في واقعنا.
فالمجتمع الذي يحتقر اغنياؤه فقراءه، ثم يدفعهم الى احتقار أنفسهم، والخجل من فقرهم واخفائه كعورة هو مجتمع يأكل نفسه، وهو أشبه بالقط الذي يستمرئ مذاق دمه اذا لحس البرد ثم يصحو بعد فوات الأوان ليجد أن الاستدراك لم يعد ممكناً.
ويبدو أن هناك بالفعل كلامَ سرايا وكلامَ قرايا كما يقول أهلنا، أي كلام له دلالاته وقابليته للتفعيل مقابل كلام نتسلى به أو نتعزى به في بعض الاحيان كتعويض من العجز.
وحين يخدع الاغنياء ومصاصو الدماء الفقراء قائلين لهم، إن الغنى غنى النفس يعرفون جيداً بأنهم يكذبون، وان هذه الحقن من التخدير محدودة الصلاحية، ويكفي لحادثة واحدة في عرض النهار أن تفضح المسألة كلها.
ومن يتصورون أنهم قادرون على حرق المراحل في بناء بيوت او استبدال سيارات وهواتف وثلاجات، لا يعرفون ان حرق المراحل فيما يتعلق بالمفاهيم وتطويرها وتمدين المجتمعات ليس متاحاً لهم؛ لأن هناك عاداتٍ ذهنية واساليب تفكير تحتكم بها مصالح وأنماط انتاج وشبكة علاقات معقدة.
لهذا لو كان للواعظ مفعولٌ لوجدنا أنفسنا في المدينة الفاضلة؛ لأن نصف كلامنا من هذه المواعظ.
واذا كان هناك سبب حقيقي لليأس فهو الجهل بالأسباب التي أدت الى ظروف فرضته.
وما يسمى علميا ترشيد الصدمات هو فلسفة الكشف عن الأسباب لإبطال العجب أولاً، ولإمكانية تدارك ما تبقى ثانياً.
ان مجتمعنا يشكو على مدار اللحظة وليس الساعة فقط هو إما جاهل بالأسباب التي أدت الى النتائج الكارثية التي يعيشها، أو لم يجد من التربية والتأهيل ما يدفعه الى الاحتمال، اذا كان لهذا الاحتمال نهاية، أو اذا كان ثمناً لأهداف مرجوة طال انتظارها.
وتبادل الشكوى هو بحد ذاته علاج تحذيري مؤقت، وخطورته انه يتحول أحياناً الى إدمان وثقافة سائدة، وحين تعقد مقارنات شكلية بل سياحية بين علاقتنا بالعمل في هذه المنطقة المنكوبة وبين علاقة الآخرين في مجتمعات أخرى به تبقى الجملة ناقصة؛ لانها مبتدأ بلا خبر.
فمن يقبل على عمله باتقان ونزاهة وحب يدرك أن له حصة من الثمار، وأنه ليس كذلك الفلاح الذي قال ذات يوم، إنه يحرث ويدرس لبطرس!
وقد يكون هذا البطرس اقطاعياً أو ما يشبه ذلك.
فلا الشكوى المتبادلة ولا الصراخ الذي يمزق عروق العنق يفعلان شيئاً في واقع يجري باتجاه، آخر وبقوانين فولاذية لا تعرف الرحمة!
(الدستور)
فالمجتمع الذي يحتقر اغنياؤه فقراءه، ثم يدفعهم الى احتقار أنفسهم، والخجل من فقرهم واخفائه كعورة هو مجتمع يأكل نفسه، وهو أشبه بالقط الذي يستمرئ مذاق دمه اذا لحس البرد ثم يصحو بعد فوات الأوان ليجد أن الاستدراك لم يعد ممكناً.
ويبدو أن هناك بالفعل كلامَ سرايا وكلامَ قرايا كما يقول أهلنا، أي كلام له دلالاته وقابليته للتفعيل مقابل كلام نتسلى به أو نتعزى به في بعض الاحيان كتعويض من العجز.
وحين يخدع الاغنياء ومصاصو الدماء الفقراء قائلين لهم، إن الغنى غنى النفس يعرفون جيداً بأنهم يكذبون، وان هذه الحقن من التخدير محدودة الصلاحية، ويكفي لحادثة واحدة في عرض النهار أن تفضح المسألة كلها.
ومن يتصورون أنهم قادرون على حرق المراحل في بناء بيوت او استبدال سيارات وهواتف وثلاجات، لا يعرفون ان حرق المراحل فيما يتعلق بالمفاهيم وتطويرها وتمدين المجتمعات ليس متاحاً لهم؛ لأن هناك عاداتٍ ذهنية واساليب تفكير تحتكم بها مصالح وأنماط انتاج وشبكة علاقات معقدة.
لهذا لو كان للواعظ مفعولٌ لوجدنا أنفسنا في المدينة الفاضلة؛ لأن نصف كلامنا من هذه المواعظ.
واذا كان هناك سبب حقيقي لليأس فهو الجهل بالأسباب التي أدت الى ظروف فرضته.
وما يسمى علميا ترشيد الصدمات هو فلسفة الكشف عن الأسباب لإبطال العجب أولاً، ولإمكانية تدارك ما تبقى ثانياً.
ان مجتمعنا يشكو على مدار اللحظة وليس الساعة فقط هو إما جاهل بالأسباب التي أدت الى النتائج الكارثية التي يعيشها، أو لم يجد من التربية والتأهيل ما يدفعه الى الاحتمال، اذا كان لهذا الاحتمال نهاية، أو اذا كان ثمناً لأهداف مرجوة طال انتظارها.
وتبادل الشكوى هو بحد ذاته علاج تحذيري مؤقت، وخطورته انه يتحول أحياناً الى إدمان وثقافة سائدة، وحين تعقد مقارنات شكلية بل سياحية بين علاقتنا بالعمل في هذه المنطقة المنكوبة وبين علاقة الآخرين في مجتمعات أخرى به تبقى الجملة ناقصة؛ لانها مبتدأ بلا خبر.
فمن يقبل على عمله باتقان ونزاهة وحب يدرك أن له حصة من الثمار، وأنه ليس كذلك الفلاح الذي قال ذات يوم، إنه يحرث ويدرس لبطرس!
وقد يكون هذا البطرس اقطاعياً أو ما يشبه ذلك.
فلا الشكوى المتبادلة ولا الصراخ الذي يمزق عروق العنق يفعلان شيئاً في واقع يجري باتجاه، آخر وبقوانين فولاذية لا تعرف الرحمة!
(الدستور)