زيارة البابا ... والدبلوماسية الدينية ..!
حسين الرواشدة
جو 24 : أهمية زيارة ( البابا) الى الأردن، بعيدا عن منطق التَّهوين و التَّهويل ، تستند الى ثلاثة اعتبارات ، أولها ما يمثله بابا الفاتيكان من (وزن) ديني وأخلاقي في العالم ، فهو ( رمز) لأكثر من 2,7 مليار من المسيحيين يشكلون ثلث سكان البشرية ، منهم نحو 1,2 مليار مسيحي كاثوليكي، كما أنه يمثل بالنسبة للعالم الغربي أهم صوت للضمير الإنساني، وبالتالي فإن هذه ( القيمة ) المعنوية التي يحظى بها لها حساباتها المؤثرة في القرارات الدولية ، صحيح أنه لا يتدخل بشكل مباشر في ( السياسة )، لكن الصحيح أن مواقفه تشكل (رادعا) أخلاقيا معتبرا في كثير من هذه القرارات ، أمَّا الاعتبار الثاني فيتعلق بإمكانية استثمار هذه الزيارة - وهي الرابعة لباباوات الفاتيكان - في مجال تقديم صورة الأردن السياسية و السياحية معا، بما تمثله من نموذج للتعددية و الاعتدال و السماحة ، وبما تتضمنه من ( جغرافيا ) دينية مقدسة ، وبما يمكن أن نقوم به من دور في حقل ( الدبلوماسية) الدينية التي حققت على مدى العقود الماضية انجازات حقيقية ، سواء على صعيد الداخل حيث قامت العلاقة بين المسلمين و المسيحيين في دائرة الوطن الواحد على قيم الانسجام و الشراكة و السماحة المتبادلة ، وحيث اتسمت العلاقة بين السياسي و الفاعلين في المجال الديني ( الإسلام السياسي و الدعوي) بالتوافق و الاحترام و الاستيعاب، أو على صعيد الخارج حيث كان بلدنا رائدا في مجالات حوارات المذاهب الاسلامية و حوارات الاديان ، وربما كانت مبادرات مثل: ( رسالة عمان) و( كلمة سواء) و (أسبوع الوئام) نماذج لنجاح الدبلوماسية الدينية في انجاز مناخات دافئة من العلاقات يبن اتباع الأديان ، سواء داخل بلدنا أو مع الخارج .
الاعتبار الثالث لأهمية زيارة ( البابا) يتعلق بالتوقيت ، فمع اشتعال المحيط و الإقليم بالحروب الدينية و السياسية ، ومع تنامي مشاعر الخوف من التطرف - السياسي و الديني ايضا- تشكل الزيارة في توقيتها مناسبة للطرفين لإبراز (الصورة) الحقيقية ، سواء للدِّين المعتدل ، او السياسة المعتدلة ، في مواجهة (الصورة) النمطية و المتخيلة عن الاديان واتباعها، كما تمنح ( البابا ) فرصة للمساهمة بتحرير ( الذهنية ) الغربية من هذه النمطية المغشوشة، وأعتقد أن ما حظيت به ( الزيارة) من استعدادات ، خاصة من قبل الإعلام ( هنالك نحو 1000 إعلامي يتابع الحدث) سيتيح لنا تقديم صورتنا للعالم،لا في المجال السياحي فقط، بل في مجال القيم الانسانية والسياسية التي نتمايز بها عن غيرنا من الدول في هذا الإقليم الملتهب.
لا شك أن تقديم نموذجنا في اطار “التعددية” الدينية للآخرين مهم، لكن الأهم منه هو أن ننجح ايضاً بتقديم صورتنا لأنفسنا بحيث تكون منسجمة مع تطلعاتنا ومحققة لرضا الناس وقناعاتهم، وأعتقد أن هذه الزيارة التي تضعنا في دائرة “الضوء” الإعلامي ستدفعنا الى مراجعة اخطائنا وتصحيح مساراتنا، سواءً على صعيد علاقة الدولة مع المجتمع، أو على صعيد مهمتنا في “بناء” الإنسان المواطن القادر والمؤهل لبناء الدولة العادلة، هذه – ربما- تشكل “امتحاننا” الأهم في ابراز النموذج الحقيقي، ليس فقط لعلاقة المسلم مع المسيحي، بل لعلاقة السياسي مع المواطن، والديني مع جمهوره، والدولة مع كافة مكوناتها الاجتماعية والسياسية.
من المفارقات –هنا- أننا أنجزنا في مجال “الدبلوماسية” الدينية علاقة افضل مع اتباع الاديان في العالم،فقد اصدرنا رسالة عمان لمصارحة العالم بحقيقية الإسلام، وأصدرنا كلمة سواء للالتقاء مع إخواننا المسيحيين على قاعدة “الجيرة” والاحترام والقيم والمصالح المشتركة، وبادرنا الى تعميم اسبوع “الوئام” بين اتباع الاديان على مختلف دول العالم، لكننا – حتى الآن- لم نفعل ما يجب أن نفعله على صعيد “مجتمعنا”، صحيح أننا لا نحتاج إلى مثل هذه “الدبلومسية” الدينية نظراً لما نتمتع به من انسجام نسبي على هذه الجبهات، لكن الصحيح ايضاً اننا نحتاج في المجال السياسي الى مبادرات حقيقية تخرجنا من دائرة “المراوحة” والانتظار، وتحسن صورتنا أمام انفسنا، وترسخ قيم الاعتدال والسماحة والشراكة بين ابناء مجتمعنا الواحد.
بمقدار ما نشعر بـ”أهمية” زيارة “البابا” لبلدنا، وأهمية “استثمارتها” في ابراز نموذجنا في الاعتدال والسماحة والعيش المشترك، بمقدار ما نتمنى على ضيفنا أن يسهم بدفع عجلة “الانصاف” لقضايانا وصورتنا الحقيقية امام جمهوره والعالم ، و تحرير “الذاكرة” التاريخية المشتركة مما تراكم فيها من صدامات وجراحات؛ لكي نلتقي مع اخوننا في الانسانيّة على طاولة حوار، كأنداد وشركاء، وليس كاتباع ومتبوعين ، وبمقدار ما نتمنى أيضا أن نقدم نموذجنا لغيرنا، نتمنى أن يصبح هذا النموذج”نموذجاً” حقيقياً يمشي على الأرض، لا يحتاج لمن يدل عليه ، أو يجد من ينتقص منه...
(الدستور)
الاعتبار الثالث لأهمية زيارة ( البابا) يتعلق بالتوقيت ، فمع اشتعال المحيط و الإقليم بالحروب الدينية و السياسية ، ومع تنامي مشاعر الخوف من التطرف - السياسي و الديني ايضا- تشكل الزيارة في توقيتها مناسبة للطرفين لإبراز (الصورة) الحقيقية ، سواء للدِّين المعتدل ، او السياسة المعتدلة ، في مواجهة (الصورة) النمطية و المتخيلة عن الاديان واتباعها، كما تمنح ( البابا ) فرصة للمساهمة بتحرير ( الذهنية ) الغربية من هذه النمطية المغشوشة، وأعتقد أن ما حظيت به ( الزيارة) من استعدادات ، خاصة من قبل الإعلام ( هنالك نحو 1000 إعلامي يتابع الحدث) سيتيح لنا تقديم صورتنا للعالم،لا في المجال السياحي فقط، بل في مجال القيم الانسانية والسياسية التي نتمايز بها عن غيرنا من الدول في هذا الإقليم الملتهب.
لا شك أن تقديم نموذجنا في اطار “التعددية” الدينية للآخرين مهم، لكن الأهم منه هو أن ننجح ايضاً بتقديم صورتنا لأنفسنا بحيث تكون منسجمة مع تطلعاتنا ومحققة لرضا الناس وقناعاتهم، وأعتقد أن هذه الزيارة التي تضعنا في دائرة “الضوء” الإعلامي ستدفعنا الى مراجعة اخطائنا وتصحيح مساراتنا، سواءً على صعيد علاقة الدولة مع المجتمع، أو على صعيد مهمتنا في “بناء” الإنسان المواطن القادر والمؤهل لبناء الدولة العادلة، هذه – ربما- تشكل “امتحاننا” الأهم في ابراز النموذج الحقيقي، ليس فقط لعلاقة المسلم مع المسيحي، بل لعلاقة السياسي مع المواطن، والديني مع جمهوره، والدولة مع كافة مكوناتها الاجتماعية والسياسية.
من المفارقات –هنا- أننا أنجزنا في مجال “الدبلوماسية” الدينية علاقة افضل مع اتباع الاديان في العالم،فقد اصدرنا رسالة عمان لمصارحة العالم بحقيقية الإسلام، وأصدرنا كلمة سواء للالتقاء مع إخواننا المسيحيين على قاعدة “الجيرة” والاحترام والقيم والمصالح المشتركة، وبادرنا الى تعميم اسبوع “الوئام” بين اتباع الاديان على مختلف دول العالم، لكننا – حتى الآن- لم نفعل ما يجب أن نفعله على صعيد “مجتمعنا”، صحيح أننا لا نحتاج إلى مثل هذه “الدبلومسية” الدينية نظراً لما نتمتع به من انسجام نسبي على هذه الجبهات، لكن الصحيح ايضاً اننا نحتاج في المجال السياسي الى مبادرات حقيقية تخرجنا من دائرة “المراوحة” والانتظار، وتحسن صورتنا أمام انفسنا، وترسخ قيم الاعتدال والسماحة والشراكة بين ابناء مجتمعنا الواحد.
بمقدار ما نشعر بـ”أهمية” زيارة “البابا” لبلدنا، وأهمية “استثمارتها” في ابراز نموذجنا في الاعتدال والسماحة والعيش المشترك، بمقدار ما نتمنى على ضيفنا أن يسهم بدفع عجلة “الانصاف” لقضايانا وصورتنا الحقيقية امام جمهوره والعالم ، و تحرير “الذاكرة” التاريخية المشتركة مما تراكم فيها من صدامات وجراحات؛ لكي نلتقي مع اخوننا في الانسانيّة على طاولة حوار، كأنداد وشركاء، وليس كاتباع ومتبوعين ، وبمقدار ما نتمنى أيضا أن نقدم نموذجنا لغيرنا، نتمنى أن يصبح هذا النموذج”نموذجاً” حقيقياً يمشي على الأرض، لا يحتاج لمن يدل عليه ، أو يجد من ينتقص منه...
(الدستور)