مرسي رئيسا: ماذا عن أميركا؟!
في دول مثل مصر، تحرص أميركا وما زالت على اقامة علاقة قوية مع الجيش وتحديدا مع قياداته حتى تضمن موقفا استراتيجيا مؤيدا لرؤية واشنطن في المنطقة، وقد رأينا هذا النموذج في الباكستان من قبل مع أنه إنموذج يعتريه الكثير من الملاحظات السلبية وربما استنفذ مهامه في ظل الصحوة السياسية العالمية التي تحدث عنها بريجنسكي في كتابه "اميركا والعالم" والذي نشر قبل خمس سنوات عندما حذر الادارة الأميركية من ضرورة الاستعداد لضمان مصالح الولايات المتحدة في عالم متغير.
بعض الدول التي تعاني من متلازمة الانكشاف الاستراتيجي والسلطوية المقيتة التي غالبا ما يرافقها فساد وإفساد كبير تجد نفسها في موقف صعب لا يمكن لها المناورة مقابل الولايات المتحدة ولا يمكن لها في الوقت ذاته منع العسكر من تطوير علاقة تبعية (تسميها مجازا شراكة) مع الولايات المتحدة وقد لاحظنا ذلك جليا في علاقة أميركا مع العسكر في مصر وفي الباكستان.
لكن المتغير الجديد الذي فاجأ الجميع هو الصحوة السياسية العالمية ووصولها السريع للمنطقة بعد أن لعبت التطورات التكنولوجية ووسائل الاتصال الاجتماعي والاعلام الجديد دورا بارزا في تأطير الجماعات وفي ايجاد منبر لطرح القضايا التي تكبل الشعوب ولاجتراح سبل الخروج من كنف الاتوقراطية تحو التحرر الكامل، وكأن الشعوب تخوض حرب استقلال ثانية على طبقة الكمبرادور. وهكذا حدثت المفاجأة الاستراتيجية الكبرى في المنطقة عندما تحركت الشعوب بعد أن اشبعنا باحثو الغرب الكتابة عن لماذا تعتبر المنطقة عصية على التغيير الديمقراطي (democratically challenged)، وبالتالي سقطت المقولة الاستشراقية التي تنظر للمجتمعات العربية على اساس انها تفتقد لديناميكية التغيير وحدث الانقلاب الكبير منذ التونسة وحتى يومنا هذا.
موقف الولايات المتحدة من الربيع العربي معروف، غير أنها في الفترة الأخيرة ترددت ولم تتخذ موقفا داعما لأي مرشح في الانتخابات المصرية على اعتبار أنها لعبة سياسية داخلية مع ان السبب هو غياب الرؤية عند ادارة أوباما للطريقة التي يمكن لها من تحقيق مصالحها، وقد لعب الاخوان المسلمون بذكاء عندما بعثوا برسائل تطمين لأميركا تفيد بأنهم لن يعبثوا بالتزامات مصر الدولية وهنا اشارة واضحة لمعاهدة السلام مع اسرائيل.
وعلى نحو لافت، اخفقت الولايات المتحدة في التأثير على مسار الاحداث في مصر، وظهر ذلك جليا بعد أن تخلى الشباب الذين قادوا الثورة عن الحراك لأنهم لا يمتلكون ادوات التعبئة والتأطير والتجييش كما هو الحال مع الاسلاميين، وبالفعل بقيت اللعبة في مصر بين ثنائية الجيش والاسلاميين كما كتب الدكتور مروان المعشر بصحيفة الغد قبل يومين.
وحتى عندما حاولت وزارة الخارجية الاميركية مساعدة الشباب عن طريق تمويل المنظمات غير الحكومية قامت الدنيا في مصر ولم تقعد على اعتبار ان ذلك شكّل انتهاكا صارخا للسيادة المصرية، وهنا تراجعت الولايات المتحدة لأنها لم تكن تستند على استراتيجية واضحة للتعامل مع التطور اليومي لاحداث الثورة في مصر.
خصوم الرئيس اوباما اتهموه بأنه يفتقر لعنصر القيادة في السياسة الخارجية ابتداء بباكستان وليس انتهاء بمصر، وسيشكل فوز الاسلاميين في الانتخابات الرئاسية احدى النقاط التي سيرتكز عليها الجمهوريون للنيل من أوباما مع أن مرشح الحزب الجمهوري ميت رومني لا يمتلك سياسة مختلفة عن أوباما، أو على الاقل لم يعبر عن سياسة مختلفة واكتفى بالقاء اللوم على ادراة لم تمتلك زمام المبادرة وافتقرت لعنصر القيادة.
الآن بعد فوز الدكتور محمد مرسي بالانتخابات لم تعد الولايات المتحدة تمتلك ترف عدم التعامل مع إسلاميّ مصر بشكل جدي، فالعلاقة مع المجلس العسكري على أهميتها بالنسبة للولايات المتحدة إلا أنها لا تغني عن الاشتباك الايجابي مع الاسلاميين لأنهم اثبتوا بأنهم القوى السياسية الطاغية في المجتمع المصري وربما يكون لذلك اثر على الاقليم ( spill over effect) أي تأثير على دول اخرى في المنطقة، وبالتالي فإن معضلة أميركا بهذه الحالة هي ليست فقط التعامل مع مصر وإنما مع مآلات انتصار مرسي على المنطقة بشكل عام.
صحيح أن الرئيس مرسي مقيد بالملحق الدستوري الجديد الذي اصدره العسكر وهذا يعني أن العسكر سيكونوا القوة الأولى في رسم السياسة الخارجية المصرية لكن إلى متى؟! ربما يمنح ذلك الولايات المتحدة وقتا اضافيا لصوغ استراتيجة واضحة للتعامل مع مصر واثر "الثورة الاسلامية" بها على المنطقة بشكل يضمن مصالحها في المنطقة. فالرئيس مرسي سيمر في مرحلة صراع على الصلاحيات مع العسكر لفترة من الزمن وبالتالي فإن جل تركيزه سيكون في الشان المحلي.
القضية الاساسية هي أن ما جرى بمصر يؤشر على التراجع النسبي لتأثير القوة الأميركية