ردود صادمة ..والاهم حماية مجالنا الديني..!
حسين الرواشدة
جو 24 : قبل ان اواصل سلسلة المقالات التي نشرت في هذه الزاوية حول “رجل تركيا الغامض” وجماعة “الخدمة” استأذن بفاصل قصير اسجل فيه نقطة نظام تتعلق بالردود التي تلقيتها في اليومين المنصرفين،وقد كانت حقا صادمة ،لا من حيث عددها وحديتها او ما عبرت عنه من اختلافات في وجهات النظر،وانما –ايضاً- من زاويتين لم اتوقعهما،احداهما ما عكسته هذه الردود من حجم واتساع الانتشار الذي تمكنت منه الجماعة في اوساطنا الدينية تحديداً،لا أريد ان اسميه “اختراقاً” لمجالنا الديني، ولا مجرد “استلهام” للتجربة التركية واعجاب بها،وانما عمل مدروس نجح اصحابه –بالتأكيد- في ايصال رسالتهم ووجدوا من يتلقاها ويروج لها (لا تسأل عن الاسباب) ويدافع عنها ايضاً،أما الزاوية الاخرى فهي أن بعض هذه الردود تجاوز التعبير عن القبول أو الرفض الى “التحذير” من خطر الاقتراب من هذا الموضوع،لا أدري –بالطبع- لماذا، وسواءً أكانت النوايا حسنة او غير بريئة،فقد صدمني هذا التحذير وفهمت رسالته على الفور.
بقيت ملاحظة على الهامش وهي ان بعض من اتصل من القراء والاصدقاء،من تركيا ومن هنا،قدموا لي معلومات غابت عني،واهمها ما يتعلق بنفوذ الجماعة وسطوتها داخل تركيا وخارجها،ثم في قدرتها الهائلة على الوصول الى “اهدافها” خاصة في كليات الشريعة بجامعاتنا التي تحولت بعضها فعلا الى حواضن لهذا الفكر لدرجة انه اصبح جزءاً من المساقات التي تدرس فيها، احدهم ذكر لي ان عشرات من اساتذة الشريعة توطدت علاقاتهم بالجماعة من خلال لقاءاتهم بأقطابها هنا وفي تركيا،فيما ذكر لي آخر ان احد الاسئلة التي وضعت في امتحان للطلبة هذا الفصل كانت تتعلق بالشيخ “كولن”،اما احد الاصدقاء الاتراك فقد اعتذر لي عن عدم قدرته على الحديث حول “الجماعة” لانه يخشى من تسجيل مكالمته او التنصت عليها،آخر قال لي بأن مجلة “حراء” التي تصدرها الجماعات هنا توزع الاف النسخ مجاناً على كل الجامعات والمنتديات، فيما تقام مئات النشاطات والمحاضرات واللقاءات وجلسات “الذكر” للترويج لجماعة “الخدمة” او جماعة “النور”.
على كل حال ،سيرة “كولن” الواعظ والخطيب الذي تنقل بين المساجد والمدن لالقاء المواعظ عن “الاخلاق” ودعوة المريدين الى “السماحة” والالتزام تبدو معروفة،فقد ولد الرجل في نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي، وأعجب بالشيخ النورسي رغم أنه لم يقابله، وفي عام 1971 انشأ مع نحو (100) شخص جماعة اطلق عليها اسم “الخدمة” لكن نجمه بزغ بعد انقلاب عام 1980،حين أعلن على الملأ انه يؤيد وصول العسكر الى السلطة ودعا اتباعه الى “طاعة أولي الأمر” لكنه بعد (17) عاماً انقلب على أول رئيس اسلامي (اربكان) بحجة ان “روحه” لم تأتلف مع روحه (!)،وتحالف مع الرئيس اجاويد الذي يعتبر من غلاة العلمانيين الاتراك وحين جرى الانقلاب عليه قال كولن عباراته المشهوره “لو كنت املك الشفاعة لتشفعت في اجاويد”.
مواقف كولن كانت “صادمة” لجزء كبير من المجتمع التركي،فهو يعلن ان جماعته لا تمارس “السياسية” ولا تسعى للوصول الى السلطة، لكن الوقائع جاءت عكس ذلك،فالصراع الذي دخل فيه مع اربكان ثم مع ادروغان هو صراع سياسي استخدمت فيه الجماعة كافة الادوات المشروعة وغير المشروعة للتغلغل في “مواقع صنع القرار” وحكم البلاد..كما ان العنوان الذي اختارته الجماعة للتعريف بنفسها هو “الاخلاق” لكن الممارسات التي تقوم بها، ابتداء من تحالفاتها مع كل الحكومات والانقلابات السابقة وانتهاء بما قامت به من عمليات “تجسس” واسعة على الشخصيات السياسية والاعلامية “لابتزازهم” وتخويفهم، وبما فعله بعض المنتسبين اليها من المتنفذين في الامن والاعلام والقضاء..كلها تكشف عن مسألتين: اولاهما ان الجماعة تؤمن بالبرجماتية المنزوعة تماماً من الاخلاق، وثانيهما ان الجماعة لا علاقة لها لا “بالمشروع الاسلامي” الذي يتصدر خطاباتها،ولا بالسماحة التي وظفتها من اجل الترويج لصورتها وسط المجتمع التركي.
وباختصار،إذا كان موقف زعيم جماعة “الخدمة” من اربكان في عام 1997 قد بدد بعض “الغموض” عن المشروع الذي تحوّل الى امبراطورية ممتدة ومتغلغلة في تركيا وخارجها،فإن الحرب التي اعلنها على حليفه ادروغان ازاحت القناع بشكل سافر عن وجه “رجل” بنسلفانيا الذي خرج الى هناك ولم يعد رغم الدعوات التي وجهت اليه اكثر من مرّة.
اذا دققنا في مضامين “حرب” كولن الثانية على اردوغان وحزبه سنلاحظ ان توقيتها جاء في لحظة فارقه على صعيد الداخل التركي والمحيط العربي والاسلامي والدولي حيث اصبح “المشروع الاسلامي”محاصراً ومطلوباً، وحيث النموذج التركي السياسي اثبت حضوره وربما تمادى - من وجهة نظر خصومه- في تحقيق ما لايسمحون به من نجاحات، كما ان اسباب هذه الحرب كانت واضحة بالنسبة للاتراك، فهي جاءت للرد على موقف اردوغان مما جرى لسفينة “مرمرة” ولاحقاً لما جرى على صعيد العلاقة مع اسرائيل ثم الغرب عموماً،وخاصة فيما يتعلق بالموقف من الربيع العربي...وقبل ذلك لاسباب سياسية تتعلق بهدف الجماعة غير المعلن وهو “السيطرة” على الحكم في تركيا بالنفوذ والمال لا “بالحكم” المباشر.
اعتمد كولن على عنصرين أساسيين لتحقيق ما يريدة،احدهما الدين والآخر المال،(لاحظ ان التسريبات التي احرجت اردوغان كانت متصلة بالفساد المالي)،كما اعتمد على التكنولوجيا (العلم) في التغلغل داخل الدولة بعيداً عن الرقابه، وهو ما دفع حكومة اردوغان (قبل ان تطالب امريكا بتسليم كولن لمحاكمته ) الى استصدار ثلاثة قوانين هامّة لمواجهة جماعة كولن ( الرقابة على الانترنت،وقانون الاستخبارات وقانون اعادة هيكلة القضاء)،ومع ان “القوانين” أثارت مخاوف الاتراك على الحريات العامة الا ان المقصود منها هم جماعة “الخدمة” التي اكتشف اردوغان أنها تغلغلت فعلاً في مؤسسات الدولة وانها تتحرك بأوامر “كولن” المقيم في الخارج، دون ان تملك الدولة أية معلومات دقيقة عنه او دليل لاتهامها، نظراً لعدم وجود شروط لعضوية الجماعة او هيكل تنظيمي لها، او كشوفات باتصلاتها وطبيعة علاقاتها.
الدستور
بقيت ملاحظة على الهامش وهي ان بعض من اتصل من القراء والاصدقاء،من تركيا ومن هنا،قدموا لي معلومات غابت عني،واهمها ما يتعلق بنفوذ الجماعة وسطوتها داخل تركيا وخارجها،ثم في قدرتها الهائلة على الوصول الى “اهدافها” خاصة في كليات الشريعة بجامعاتنا التي تحولت بعضها فعلا الى حواضن لهذا الفكر لدرجة انه اصبح جزءاً من المساقات التي تدرس فيها، احدهم ذكر لي ان عشرات من اساتذة الشريعة توطدت علاقاتهم بالجماعة من خلال لقاءاتهم بأقطابها هنا وفي تركيا،فيما ذكر لي آخر ان احد الاسئلة التي وضعت في امتحان للطلبة هذا الفصل كانت تتعلق بالشيخ “كولن”،اما احد الاصدقاء الاتراك فقد اعتذر لي عن عدم قدرته على الحديث حول “الجماعة” لانه يخشى من تسجيل مكالمته او التنصت عليها،آخر قال لي بأن مجلة “حراء” التي تصدرها الجماعات هنا توزع الاف النسخ مجاناً على كل الجامعات والمنتديات، فيما تقام مئات النشاطات والمحاضرات واللقاءات وجلسات “الذكر” للترويج لجماعة “الخدمة” او جماعة “النور”.
على كل حال ،سيرة “كولن” الواعظ والخطيب الذي تنقل بين المساجد والمدن لالقاء المواعظ عن “الاخلاق” ودعوة المريدين الى “السماحة” والالتزام تبدو معروفة،فقد ولد الرجل في نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي، وأعجب بالشيخ النورسي رغم أنه لم يقابله، وفي عام 1971 انشأ مع نحو (100) شخص جماعة اطلق عليها اسم “الخدمة” لكن نجمه بزغ بعد انقلاب عام 1980،حين أعلن على الملأ انه يؤيد وصول العسكر الى السلطة ودعا اتباعه الى “طاعة أولي الأمر” لكنه بعد (17) عاماً انقلب على أول رئيس اسلامي (اربكان) بحجة ان “روحه” لم تأتلف مع روحه (!)،وتحالف مع الرئيس اجاويد الذي يعتبر من غلاة العلمانيين الاتراك وحين جرى الانقلاب عليه قال كولن عباراته المشهوره “لو كنت املك الشفاعة لتشفعت في اجاويد”.
مواقف كولن كانت “صادمة” لجزء كبير من المجتمع التركي،فهو يعلن ان جماعته لا تمارس “السياسية” ولا تسعى للوصول الى السلطة، لكن الوقائع جاءت عكس ذلك،فالصراع الذي دخل فيه مع اربكان ثم مع ادروغان هو صراع سياسي استخدمت فيه الجماعة كافة الادوات المشروعة وغير المشروعة للتغلغل في “مواقع صنع القرار” وحكم البلاد..كما ان العنوان الذي اختارته الجماعة للتعريف بنفسها هو “الاخلاق” لكن الممارسات التي تقوم بها، ابتداء من تحالفاتها مع كل الحكومات والانقلابات السابقة وانتهاء بما قامت به من عمليات “تجسس” واسعة على الشخصيات السياسية والاعلامية “لابتزازهم” وتخويفهم، وبما فعله بعض المنتسبين اليها من المتنفذين في الامن والاعلام والقضاء..كلها تكشف عن مسألتين: اولاهما ان الجماعة تؤمن بالبرجماتية المنزوعة تماماً من الاخلاق، وثانيهما ان الجماعة لا علاقة لها لا “بالمشروع الاسلامي” الذي يتصدر خطاباتها،ولا بالسماحة التي وظفتها من اجل الترويج لصورتها وسط المجتمع التركي.
وباختصار،إذا كان موقف زعيم جماعة “الخدمة” من اربكان في عام 1997 قد بدد بعض “الغموض” عن المشروع الذي تحوّل الى امبراطورية ممتدة ومتغلغلة في تركيا وخارجها،فإن الحرب التي اعلنها على حليفه ادروغان ازاحت القناع بشكل سافر عن وجه “رجل” بنسلفانيا الذي خرج الى هناك ولم يعد رغم الدعوات التي وجهت اليه اكثر من مرّة.
اذا دققنا في مضامين “حرب” كولن الثانية على اردوغان وحزبه سنلاحظ ان توقيتها جاء في لحظة فارقه على صعيد الداخل التركي والمحيط العربي والاسلامي والدولي حيث اصبح “المشروع الاسلامي”محاصراً ومطلوباً، وحيث النموذج التركي السياسي اثبت حضوره وربما تمادى - من وجهة نظر خصومه- في تحقيق ما لايسمحون به من نجاحات، كما ان اسباب هذه الحرب كانت واضحة بالنسبة للاتراك، فهي جاءت للرد على موقف اردوغان مما جرى لسفينة “مرمرة” ولاحقاً لما جرى على صعيد العلاقة مع اسرائيل ثم الغرب عموماً،وخاصة فيما يتعلق بالموقف من الربيع العربي...وقبل ذلك لاسباب سياسية تتعلق بهدف الجماعة غير المعلن وهو “السيطرة” على الحكم في تركيا بالنفوذ والمال لا “بالحكم” المباشر.
اعتمد كولن على عنصرين أساسيين لتحقيق ما يريدة،احدهما الدين والآخر المال،(لاحظ ان التسريبات التي احرجت اردوغان كانت متصلة بالفساد المالي)،كما اعتمد على التكنولوجيا (العلم) في التغلغل داخل الدولة بعيداً عن الرقابه، وهو ما دفع حكومة اردوغان (قبل ان تطالب امريكا بتسليم كولن لمحاكمته ) الى استصدار ثلاثة قوانين هامّة لمواجهة جماعة كولن ( الرقابة على الانترنت،وقانون الاستخبارات وقانون اعادة هيكلة القضاء)،ومع ان “القوانين” أثارت مخاوف الاتراك على الحريات العامة الا ان المقصود منها هم جماعة “الخدمة” التي اكتشف اردوغان أنها تغلغلت فعلاً في مؤسسات الدولة وانها تتحرك بأوامر “كولن” المقيم في الخارج، دون ان تملك الدولة أية معلومات دقيقة عنه او دليل لاتهامها، نظراً لعدم وجود شروط لعضوية الجماعة او هيكل تنظيمي لها، او كشوفات باتصلاتها وطبيعة علاقاتها.
الدستور