محاولة للخروج من ضجيج الفراغ
حسين الرواشدة
جو 24 : ما لم تستطع أن تفعله السياسة، ينهض به الإعلام وتحمله على اكتافها الصحافة.. وما نعجز عن تنفيذه نكثر من الحديث عنه ، ونقتله بالكلام ، وهذه - بالطبع - سمة كثير من المجتمعات التي تعودت على الهروب من العمل الى الكسل ، ومن الواقع الى المجهول ، ومن محاسبة الذات الى ابتداع الذرائع وتعليقها على الآخرين ، ومن الانجاز الى تمجيد ما يمكن أن ينجز ، ومن مناقشة السياسات الى ملاحقة اخبار الساسة.
هل تغولت الصحافة على السياسة؟ كلا ، ولكن يبدو أن الفراغ الذي تركه غياب الفعل السياسي المؤثر وجد من يملأه ، لا تسأل - بالطبع - كيف؟ فقد تابعنا على امتداد الشهور الماضية فصولا مدهشة من السجالات والنقاشات التي تتحدث عن كل شيء ، ولا نفهم منها أي شيء ، وفصولا أخرى من التحليلات والتنبؤات التي تفوق اصحابها على قراءة الكف والفنجان ، وكاد بعضنا أن يتحَّول - فعلا - الى كتابة الابراج السياسية او مطالعة ما ينشر على صفحات حظك اليوم - ولكن بنكهة سياسية هذه المرّة.
هل سقطنا فعلا في امتحان السياسة؟ هل آثرنا الهروب منها الى ممارسة نوع من الثرثرة على سطوحها المشرَّعة على المجهول؟ هل تحوَّلت الصحافة - بأنواعها - الى حزب كبير بعد ان جفت ينابيع الحياة الحزينة او أوشكت على الجفاف؟ هل استمرأنا فعلا - تحت طلب وإلحاح المستمعين - تقديم ما يناسب من مواويل سياسية لكسر ما يشعرون به من رتابة أو ملل؟
فيما مضى كنا نشكو من استقالة الناس من السياسة وعزوفهم عنها ، لكننا اليوم - للأسف - نشعر أن السياسة استقالت من نفسها ، وأن الفعل السياسي الذي كان يشدنا إليه اصبح على الهامش بانتظار من يتعرف عليه ، أو هو - إن شئت الدقة - مجرد طلاء نزين به جدران نقاشاتنا وحواراتنا التي أصبحت هي الأخرى تخشى من انفلونزا الثورات .. تصوّر كيف انتقلت هذه العدوى من الشارع الى صالوناتنا السياسية.. ومن طلبتنا على مقاعد الدرس الى نخبنا في مواقع التنظير.
ماذا يطلب المستمعون هذه الأيام؟ تحليلات سياسية عن التغيير الذي يقال إنه قادم ، المزيد من زوايا حظك اليوم وما تخبئه الابراج للطامحين في مواقع جديدة ، أخبار عاجلة عن احتقانات في احدى خواصرنا خلّفت وراءها قتلى وجرحى ، وجاهات تعد بالصلح القريب وشرب ما يلزم من فناجين القهوة ، تغييرات محتملة في بعض المؤسسات ، بالمناسبة ربما سيكون من حظ بعض المتعطلين عن العمل ان يجدوا فرصة لمقعد شاغر ، ليس بالضرورة ان يكونوا ابناء او احفادا لرؤساء ووزراء ومسؤولين...، قليل من المعرفة يكفي !
هل نحن سعيدون حقا بافتتاح بازار الكلام؟ لمَ لا ، حين ينهض احدنا من النوم يشعر أنه بحاجة لمزيد من الاسترخاء ، نطابق من الثرثرة وفنجان قهوة سادة ، بمشاجرة في الشارع يتفرج عليها ويقضي يومه وهو يفكر فيها او يتحدث عنها لزملائه في العمل ، لحالة من السكون التي تعينه على الهروب من ضجيج المدن ، والاولاد وهموم الدنيا ومفاجآتها.
هل كثير على السياسة أن تكون مثلنا؟ ان تستريح قليلا وتمارس هواية حلِّ الكلمات المتقاطعة ، أن نلعب - كما كنا نفعل ونحن صغار - لعبة “الطماية” ، أن تهرب الى الحقول البعيدة لتخلو مع نفسها في زمن تراجعت فيه فرص الخلوات، ان تأخذ اجازة للاستجمام أو - إنْ تعذر ذلك - حماما دافئا لتستعيد بعده بعض النشاط؟
ليس كثيرا أبدا... ولكننا تعبنا من ضجيج الفراغ.
الدستور
هل تغولت الصحافة على السياسة؟ كلا ، ولكن يبدو أن الفراغ الذي تركه غياب الفعل السياسي المؤثر وجد من يملأه ، لا تسأل - بالطبع - كيف؟ فقد تابعنا على امتداد الشهور الماضية فصولا مدهشة من السجالات والنقاشات التي تتحدث عن كل شيء ، ولا نفهم منها أي شيء ، وفصولا أخرى من التحليلات والتنبؤات التي تفوق اصحابها على قراءة الكف والفنجان ، وكاد بعضنا أن يتحَّول - فعلا - الى كتابة الابراج السياسية او مطالعة ما ينشر على صفحات حظك اليوم - ولكن بنكهة سياسية هذه المرّة.
هل سقطنا فعلا في امتحان السياسة؟ هل آثرنا الهروب منها الى ممارسة نوع من الثرثرة على سطوحها المشرَّعة على المجهول؟ هل تحوَّلت الصحافة - بأنواعها - الى حزب كبير بعد ان جفت ينابيع الحياة الحزينة او أوشكت على الجفاف؟ هل استمرأنا فعلا - تحت طلب وإلحاح المستمعين - تقديم ما يناسب من مواويل سياسية لكسر ما يشعرون به من رتابة أو ملل؟
فيما مضى كنا نشكو من استقالة الناس من السياسة وعزوفهم عنها ، لكننا اليوم - للأسف - نشعر أن السياسة استقالت من نفسها ، وأن الفعل السياسي الذي كان يشدنا إليه اصبح على الهامش بانتظار من يتعرف عليه ، أو هو - إن شئت الدقة - مجرد طلاء نزين به جدران نقاشاتنا وحواراتنا التي أصبحت هي الأخرى تخشى من انفلونزا الثورات .. تصوّر كيف انتقلت هذه العدوى من الشارع الى صالوناتنا السياسية.. ومن طلبتنا على مقاعد الدرس الى نخبنا في مواقع التنظير.
ماذا يطلب المستمعون هذه الأيام؟ تحليلات سياسية عن التغيير الذي يقال إنه قادم ، المزيد من زوايا حظك اليوم وما تخبئه الابراج للطامحين في مواقع جديدة ، أخبار عاجلة عن احتقانات في احدى خواصرنا خلّفت وراءها قتلى وجرحى ، وجاهات تعد بالصلح القريب وشرب ما يلزم من فناجين القهوة ، تغييرات محتملة في بعض المؤسسات ، بالمناسبة ربما سيكون من حظ بعض المتعطلين عن العمل ان يجدوا فرصة لمقعد شاغر ، ليس بالضرورة ان يكونوا ابناء او احفادا لرؤساء ووزراء ومسؤولين...، قليل من المعرفة يكفي !
هل نحن سعيدون حقا بافتتاح بازار الكلام؟ لمَ لا ، حين ينهض احدنا من النوم يشعر أنه بحاجة لمزيد من الاسترخاء ، نطابق من الثرثرة وفنجان قهوة سادة ، بمشاجرة في الشارع يتفرج عليها ويقضي يومه وهو يفكر فيها او يتحدث عنها لزملائه في العمل ، لحالة من السكون التي تعينه على الهروب من ضجيج المدن ، والاولاد وهموم الدنيا ومفاجآتها.
هل كثير على السياسة أن تكون مثلنا؟ ان تستريح قليلا وتمارس هواية حلِّ الكلمات المتقاطعة ، أن نلعب - كما كنا نفعل ونحن صغار - لعبة “الطماية” ، أن تهرب الى الحقول البعيدة لتخلو مع نفسها في زمن تراجعت فيه فرص الخلوات، ان تأخذ اجازة للاستجمام أو - إنْ تعذر ذلك - حماما دافئا لتستعيد بعده بعض النشاط؟
ليس كثيرا أبدا... ولكننا تعبنا من ضجيج الفراغ.
الدستور