داعش والعراق.. على حافة الهاوية
د. حسن البراري
جو 24 : اثارت الهزيمة المذلة لجيش نوري المالكي على يد قوات من داعش والعشائر السنية الكثير من الاسئلة تركزت حول أمرين: أولا، لماذا هزم الجيش بهذه السرعة؟ وثانيا، هل أصبح العراق على حافة التقسيم أو لنقل التفكك؟
وبعيدا عن التفسير المؤامراتي الذي يفيد بأن ما حصل ما هو إلا جزء من خطة المالكي ليدب الرعب في قلوب الشيعة والغرب حتى يتم التجديد له مرة اخرى على اعتبار أن القضية الأهم هي مقارعة الارهاب والحاق هزيمة ماحقة به، فإن ما حصل لم يأت هكذا من دون مقدمات. فداعش لم تكن خيارا لسنة العراق ولكن سنة العراق يعانون الامرين من سياسات المالكي الطائفية والاقصائية. وفي ظل غياب حكومة مركزية لجميع العراقيين وفي ظل غياب دولة سنية أخرى تدافع عن سنة العراق (كما تفعل تركيا مع التركمان بالموصل) فانه لم يبقى خيارا لهذه الشريحة إلا التسليم بتعرف داعش للصراع على اعتبار أنه صراع هوياتي بالدرجة الاولى.
والسؤال لماذا تنمو التنظيمات المتطرفة في العراق هو سؤال قديم جديد، وأذكر أن نقاشا عاما دار في الولايات المتحدة بعد عام 2004 تركز حول نفس النقطة، وكان ديفيد بتريوس يتنقل بين العواصم العربية المحيطة بالعراق يلتقي بالاستراتيجيين العرب لمعرفة كيف يمكن التغلب على ظاهرة انتشار القاعدة في العراق، وقد توصل الأميركان إلى نتيجة في ذلك الحين مفادها أن فشل أو لنقل عدم رغبة الحكومة العراقية في تقديم التنازلات الضرورية للبدء في عملية مصالحة وطنية هي السبب في اندلاع حرب اهلية طائفية. وهناك ضغطت ادارة بوش على الحكومة العراقية للبدء بعملية مصالحة وطنية وجاءت فكرة الصحوات العشائرية مما ادى الى الحاق هزيمة بالقاعدة.
وإذا سلمنا بهذا المنطق، فإننا حينها يمكن ان نرصد السبب الرئيس أو الفايروس الذي يجعل من العراق دولة أيلة للتفكك والتقسيم. فحكومة المالكي ومن يقف خلفها من قوى اقليمية (ايران على وجه الخصوص) رأت في زوال نظام صدام حسين فرصة تاريخية لفرض نظام شيعي طائفي وقهر السنة مرة وللأبد، وما دام هذا هو منطق القوى السياسية التي تتحكم بخيوط اللعبة السياسية في بغداد فإن العراق لن يعرف الاستقرار.
في خطابة في كلية ويست بوينت الاميركية، قال الرئيس أوباما أن ليس كل مشكلة لها حل عسكري، ومع أن هذه المقولة هي تبريرية إلا أنها صحيحة، فالمشكلة مثلا في العراق وإن اخذت طابعا أمنيا إلا أنها أزمة قابلة دائما للانفجار سببتها سياسات ولا يمكن حلها عن طريق استدعاء قوات من حلف الناتو. فليس بوسع قوات الناتو او غيرها سوى مناصرة المالكي الذي ينتهج سياسات أججت الشعور بأن السنة مستهدفون. ربما ينجح المالكي باستعادة زمام الامور بمساعدة من الخارج لكنه لن ينجح أبدا في معالجة جذور المشكلة.
صحيح أن نوري المالكي سعى في السابق الى استثمار تدهور الامن والاستقرار ليترجمه إلى مكاسب سياسية، وصحيح أيضا أن المالكي يبتز الغرب بالورقة الأمنية، لكن ما جرى يكشف عن حجم الاحتقان المجتمعي في مجتمع "الكراهية". فالقضية أبعد من الاستثمار بالارهاب من جانب التسلطيين العرب سواء في سوريا أو العراق او غيرهما إذ أن هناك كلفة باهظة على المنطقة بأسرها. فلم يعد الارهاب مرتبطا بمنظمة معينة بل له حواضن اجتماعية ومجتمعية ربما تخلط اوراق اقليمية كثيرة وتستمر في تفريخ افواج واجيال جديدة من ضحايا الاقصاء والتهميش والاستهداف.
صحيح أن تنظيم داعش خطر جدا واذا ما نجح في تثبيت موطىء قدم له في سوريا والعراق فإنه سيشكل خطرا كبيرا على أكثر من دولة، لكن اذا كانت هذه القراءة ستفضي إلى مساندة قوى الوضع القائم (المالكي وبشار الاسد) فإننا نفقد فرصة كبيرة لخلق شروط الاستقرار، فالمالكي يريد استثمار ما جرى حتى يكون الآمر الناهي في العراق وبشار يرقص طربا لأن ما يجري في العراق ينسجم مع محاولات النظام السوري في خلق انطباع بأن نظام الاسد يقاتل الارهاب لوحدة منذ سنوات. لن يتعلم أي من النظامين أن ما جرى في السنوات الاخيرة يجب أن يفضي الى نتيجة واحدة وهي أن لا مكان للاقصاء والتهميش والحكم المطلق وأن المطلوب أن ننتقل جميعا إلى ديمقراطيات حقيقية تصلح كاطار سياسي لخل الخلافات سلميا.
وبعيدا عن التفسير المؤامراتي الذي يفيد بأن ما حصل ما هو إلا جزء من خطة المالكي ليدب الرعب في قلوب الشيعة والغرب حتى يتم التجديد له مرة اخرى على اعتبار أن القضية الأهم هي مقارعة الارهاب والحاق هزيمة ماحقة به، فإن ما حصل لم يأت هكذا من دون مقدمات. فداعش لم تكن خيارا لسنة العراق ولكن سنة العراق يعانون الامرين من سياسات المالكي الطائفية والاقصائية. وفي ظل غياب حكومة مركزية لجميع العراقيين وفي ظل غياب دولة سنية أخرى تدافع عن سنة العراق (كما تفعل تركيا مع التركمان بالموصل) فانه لم يبقى خيارا لهذه الشريحة إلا التسليم بتعرف داعش للصراع على اعتبار أنه صراع هوياتي بالدرجة الاولى.
والسؤال لماذا تنمو التنظيمات المتطرفة في العراق هو سؤال قديم جديد، وأذكر أن نقاشا عاما دار في الولايات المتحدة بعد عام 2004 تركز حول نفس النقطة، وكان ديفيد بتريوس يتنقل بين العواصم العربية المحيطة بالعراق يلتقي بالاستراتيجيين العرب لمعرفة كيف يمكن التغلب على ظاهرة انتشار القاعدة في العراق، وقد توصل الأميركان إلى نتيجة في ذلك الحين مفادها أن فشل أو لنقل عدم رغبة الحكومة العراقية في تقديم التنازلات الضرورية للبدء في عملية مصالحة وطنية هي السبب في اندلاع حرب اهلية طائفية. وهناك ضغطت ادارة بوش على الحكومة العراقية للبدء بعملية مصالحة وطنية وجاءت فكرة الصحوات العشائرية مما ادى الى الحاق هزيمة بالقاعدة.
وإذا سلمنا بهذا المنطق، فإننا حينها يمكن ان نرصد السبب الرئيس أو الفايروس الذي يجعل من العراق دولة أيلة للتفكك والتقسيم. فحكومة المالكي ومن يقف خلفها من قوى اقليمية (ايران على وجه الخصوص) رأت في زوال نظام صدام حسين فرصة تاريخية لفرض نظام شيعي طائفي وقهر السنة مرة وللأبد، وما دام هذا هو منطق القوى السياسية التي تتحكم بخيوط اللعبة السياسية في بغداد فإن العراق لن يعرف الاستقرار.
في خطابة في كلية ويست بوينت الاميركية، قال الرئيس أوباما أن ليس كل مشكلة لها حل عسكري، ومع أن هذه المقولة هي تبريرية إلا أنها صحيحة، فالمشكلة مثلا في العراق وإن اخذت طابعا أمنيا إلا أنها أزمة قابلة دائما للانفجار سببتها سياسات ولا يمكن حلها عن طريق استدعاء قوات من حلف الناتو. فليس بوسع قوات الناتو او غيرها سوى مناصرة المالكي الذي ينتهج سياسات أججت الشعور بأن السنة مستهدفون. ربما ينجح المالكي باستعادة زمام الامور بمساعدة من الخارج لكنه لن ينجح أبدا في معالجة جذور المشكلة.
صحيح أن نوري المالكي سعى في السابق الى استثمار تدهور الامن والاستقرار ليترجمه إلى مكاسب سياسية، وصحيح أيضا أن المالكي يبتز الغرب بالورقة الأمنية، لكن ما جرى يكشف عن حجم الاحتقان المجتمعي في مجتمع "الكراهية". فالقضية أبعد من الاستثمار بالارهاب من جانب التسلطيين العرب سواء في سوريا أو العراق او غيرهما إذ أن هناك كلفة باهظة على المنطقة بأسرها. فلم يعد الارهاب مرتبطا بمنظمة معينة بل له حواضن اجتماعية ومجتمعية ربما تخلط اوراق اقليمية كثيرة وتستمر في تفريخ افواج واجيال جديدة من ضحايا الاقصاء والتهميش والاستهداف.
صحيح أن تنظيم داعش خطر جدا واذا ما نجح في تثبيت موطىء قدم له في سوريا والعراق فإنه سيشكل خطرا كبيرا على أكثر من دولة، لكن اذا كانت هذه القراءة ستفضي إلى مساندة قوى الوضع القائم (المالكي وبشار الاسد) فإننا نفقد فرصة كبيرة لخلق شروط الاستقرار، فالمالكي يريد استثمار ما جرى حتى يكون الآمر الناهي في العراق وبشار يرقص طربا لأن ما يجري في العراق ينسجم مع محاولات النظام السوري في خلق انطباع بأن نظام الاسد يقاتل الارهاب لوحدة منذ سنوات. لن يتعلم أي من النظامين أن ما جرى في السنوات الاخيرة يجب أن يفضي الى نتيجة واحدة وهي أن لا مكان للاقصاء والتهميش والحكم المطلق وأن المطلوب أن ننتقل جميعا إلى ديمقراطيات حقيقية تصلح كاطار سياسي لخل الخلافات سلميا.