النكبة الثالثة .. وإزالة آثار العدوان!
حسين الرواشدة
جو 24 : ما حدث في عالمنا العربي على امتداد السنوات الثلاثة الماضية كان ( نكبة ثالثة) بامتياز، صحيح ان الشعوب نهضت لاستعادة حريتها و كرامتها، وصحيح أنها احست في لحظة ان مخاضاتها ربما كانت (حملا كاذبا) أو حلما يتربص به الكثيرون لاجهاضه، لكن الصحيح ايضا ان الذين أسدلوا الستارة في نهاية (الفيلم) قرروا ان يكون العنوان هو ( النكبة) ، ليس - فقط - لأن ( النكبات ) ماركات عربية مسجلة وإنما لأنها الوصف الدقيق و التشخيص المناسب لهذه الدراما التاريخية التي كنا نتصور ان بطلها الوحيد هو الشعب، لنكتشف أنه لم يكن أكثر من (كومبرس) ادى ما عليه من دور ثم استقال وتحول الى مجرد ( ضحية).
من المفارقات ان النكبة الثالثة كانت من حيث النتيجة أسوأ من النكبات التي تعرضنا لها فيما مضى من عقود، فهي ،اولا ، جاءت مفاجئة لأنها تسللت من ( حلم) ثورات كان من المفترض أن تتمخض عن انتصارات، وهي ثانيا صناعة ذاتية، حيث لم نهزم على يد أعداء خارجيين وانما بفعل ( الشركاء) الذين يتقاسمون الوجود و المصير، وهي - ثالثا- صادمة لأن ما نتج عنها هو ( احتلال) العقول واطلاق مارد الجنون، فيما كانت النكبات السابقة متوقعة و بفعل عدو نعرفه وندرك ما يريده ، وما فعله هو احتلال الارض لا احتلال الانسان.
على هامش ما حدث في ( النكبة) الثالثة لدي خمس ملاحظات استأذن بتسجيلها، أولاها أن هذه النكبة كشفت أن الشعوب العربية وقعت بين فكي كماشة ( الاستبداد) فقد نهضت في لحظة ( انفجار) أن تتخلص من (الاستبداد) السياسي الذي سرق منها أعمارها لكنها -للأسف- وقعت في ( فخ) الاستبداد الديني الذي اراد أن يعيدها الى بيت الطاعة من جديد، وهذه الصورة تبدو واضحة تماما فيما حدث في العراق( دعك من بعض الدول الآخرى) حيث يواجه الذين ارادوا أن يتحرروا من ( استبداد السياسة ) وجها آخر يتواطأ معه ، وهو استبداد المرجعيات الدينية التي لا تختلف ابدا عن نظرائها في ( السياسة)، إن لم تكن في ممارساتها اخطر منها، أما الملاحظة الثانية فهي أن هذه النكبة اتسمت بنوع خاص من ( فجور) الذات العربية المجروحة ، لا اتحدث فقط عن الفجور السياسي وغياب اخلاقيات الخصومة السياسية، وانما ايضا ثمة ( فجور) ديني غير مسبوق ، سواء بين اتباع المذاهب و الطوائف او داخل المذهب و الطائفة نفسها، ومع ان ( الذات) المجروحة غالبا ما تتسم بصفات و ردود افعال اخرى تتناسب مع حالة ( الضحايا) الا ان ( فجورها) كان صادما و غير مفهوم ،وربما كان تفسيره الوحيد انه يعبر عن ( مكبوتات) تاريخية متراكمة ظلت مسجونة داخل هذه الذات لقرون طويلة ثم جاءت اللحظة التي انكشف فيها المستور عن هذه ( الشخصية) العربية التي اختارت ( الكراهية) عنوانا لها ، أما الملاحظة الثالثة فهي أن هذه ( النكبة) الثالثة اسقطت نظرية ( العدو) المشترك الذي كان هو ( اسرائيل) واستبدلتها بنظرية ( الاخوة الاعداء) ، أو (الذات العدو) حيث ان كل الصراعات و الحروب التي تدور - وماتزال- على تخوم هذه ( النكبة) هي صراعات و حروب بين ابناء الملّة الوطنية و الدينية الواحدة.
أما الملاحظة الرابعة فهي أن ( النكبة) الثالة اشهرت وفاة ( الضمير العربي) حيث اختفى صوت ( الحكمة) و العقل تماما، وغاب العقلاء و الحكماء عن المشهد، وفي مقابل ذلك امتد ( الجنون)فوق الساحات و علت أصوات الشعوب وكأنها استسلمت لواقعة ( اليتم) الحقيقي بعد ان تركها (الآباء) وحيدة في الساحة .
أما الملاحظة الخامسة فهي ان النكبة الثالثة اختزلت في عنوان ( فتنة الهوية) ومع ان اختيار العنوان وما يشير اليه من وقائع واحداث احيانا يبدو صحيحا و مفهوما، الا أنه عنوان ( كاذب) ومغشوش، ذلك أن اقطارنا العربية لا تعاني من صدام الهويات ولا من صراع الجنسيات ، فلديها ما يكفي من المشتركات لكي تتوحد عليها، لكن الذين أرادوا اجهاض حلمها واعادتها الى سكة ( الاستبداد) صمموا على أن تكون ( الفتنة)على صعيد الهوية لأنها الوصفة الأخطر لتحقيق اهدافهم وتشظية الشعوب التي ترفضهم وتقاوم مخططاتهم وممارساتهم.
تبقى ملاخظة سادسة و ضرورية وهي ان الشعوب غالبا ما تنهض بعد ( النكبات) لازالة ( آثار العدوان) عليها، واعتقد أننا حتى وان لم تحسم ( النكبة) الثالثة جولتها الأخيرة بحاجة الى التفكير جديا في مسألة ( إزالة آثار العدوان) ، والعدوان المقصود ليس كما الفناه فيما سبق ، سواء على صعيد احتلال الارض او تدمير البلاد وانما يتجاوز كل ذلك الى ماحل بالعقل و الوجدان العربي، او ان شئت الدقة - بالانسان العربي- على المستوى الديني و السياسي و الاجتماعي و الحضاري من ( عدوان) ربما كان شريكا فيه، وهو بحاجة اليوم لازالته من اجل بناء واقع جديد ومجتمعات جديدة تنتصر على ذاتها ،ومن اجل ذاتها، لكي تتفرغ لدحر الاستبداد و القمع و الفساد ،وتحرير ما احتل منها من حرية وكرامة وعدالة، ومن ارادة و شرعية ايضا.
الدستور
من المفارقات ان النكبة الثالثة كانت من حيث النتيجة أسوأ من النكبات التي تعرضنا لها فيما مضى من عقود، فهي ،اولا ، جاءت مفاجئة لأنها تسللت من ( حلم) ثورات كان من المفترض أن تتمخض عن انتصارات، وهي ثانيا صناعة ذاتية، حيث لم نهزم على يد أعداء خارجيين وانما بفعل ( الشركاء) الذين يتقاسمون الوجود و المصير، وهي - ثالثا- صادمة لأن ما نتج عنها هو ( احتلال) العقول واطلاق مارد الجنون، فيما كانت النكبات السابقة متوقعة و بفعل عدو نعرفه وندرك ما يريده ، وما فعله هو احتلال الارض لا احتلال الانسان.
على هامش ما حدث في ( النكبة) الثالثة لدي خمس ملاحظات استأذن بتسجيلها، أولاها أن هذه النكبة كشفت أن الشعوب العربية وقعت بين فكي كماشة ( الاستبداد) فقد نهضت في لحظة ( انفجار) أن تتخلص من (الاستبداد) السياسي الذي سرق منها أعمارها لكنها -للأسف- وقعت في ( فخ) الاستبداد الديني الذي اراد أن يعيدها الى بيت الطاعة من جديد، وهذه الصورة تبدو واضحة تماما فيما حدث في العراق( دعك من بعض الدول الآخرى) حيث يواجه الذين ارادوا أن يتحرروا من ( استبداد السياسة ) وجها آخر يتواطأ معه ، وهو استبداد المرجعيات الدينية التي لا تختلف ابدا عن نظرائها في ( السياسة)، إن لم تكن في ممارساتها اخطر منها، أما الملاحظة الثانية فهي أن هذه النكبة اتسمت بنوع خاص من ( فجور) الذات العربية المجروحة ، لا اتحدث فقط عن الفجور السياسي وغياب اخلاقيات الخصومة السياسية، وانما ايضا ثمة ( فجور) ديني غير مسبوق ، سواء بين اتباع المذاهب و الطوائف او داخل المذهب و الطائفة نفسها، ومع ان ( الذات) المجروحة غالبا ما تتسم بصفات و ردود افعال اخرى تتناسب مع حالة ( الضحايا) الا ان ( فجورها) كان صادما و غير مفهوم ،وربما كان تفسيره الوحيد انه يعبر عن ( مكبوتات) تاريخية متراكمة ظلت مسجونة داخل هذه الذات لقرون طويلة ثم جاءت اللحظة التي انكشف فيها المستور عن هذه ( الشخصية) العربية التي اختارت ( الكراهية) عنوانا لها ، أما الملاحظة الثالثة فهي أن هذه ( النكبة) الثالثة اسقطت نظرية ( العدو) المشترك الذي كان هو ( اسرائيل) واستبدلتها بنظرية ( الاخوة الاعداء) ، أو (الذات العدو) حيث ان كل الصراعات و الحروب التي تدور - وماتزال- على تخوم هذه ( النكبة) هي صراعات و حروب بين ابناء الملّة الوطنية و الدينية الواحدة.
أما الملاحظة الرابعة فهي أن ( النكبة) الثالة اشهرت وفاة ( الضمير العربي) حيث اختفى صوت ( الحكمة) و العقل تماما، وغاب العقلاء و الحكماء عن المشهد، وفي مقابل ذلك امتد ( الجنون)فوق الساحات و علت أصوات الشعوب وكأنها استسلمت لواقعة ( اليتم) الحقيقي بعد ان تركها (الآباء) وحيدة في الساحة .
أما الملاحظة الخامسة فهي ان النكبة الثالثة اختزلت في عنوان ( فتنة الهوية) ومع ان اختيار العنوان وما يشير اليه من وقائع واحداث احيانا يبدو صحيحا و مفهوما، الا أنه عنوان ( كاذب) ومغشوش، ذلك أن اقطارنا العربية لا تعاني من صدام الهويات ولا من صراع الجنسيات ، فلديها ما يكفي من المشتركات لكي تتوحد عليها، لكن الذين أرادوا اجهاض حلمها واعادتها الى سكة ( الاستبداد) صمموا على أن تكون ( الفتنة)على صعيد الهوية لأنها الوصفة الأخطر لتحقيق اهدافهم وتشظية الشعوب التي ترفضهم وتقاوم مخططاتهم وممارساتهم.
تبقى ملاخظة سادسة و ضرورية وهي ان الشعوب غالبا ما تنهض بعد ( النكبات) لازالة ( آثار العدوان) عليها، واعتقد أننا حتى وان لم تحسم ( النكبة) الثالثة جولتها الأخيرة بحاجة الى التفكير جديا في مسألة ( إزالة آثار العدوان) ، والعدوان المقصود ليس كما الفناه فيما سبق ، سواء على صعيد احتلال الارض او تدمير البلاد وانما يتجاوز كل ذلك الى ماحل بالعقل و الوجدان العربي، او ان شئت الدقة - بالانسان العربي- على المستوى الديني و السياسي و الاجتماعي و الحضاري من ( عدوان) ربما كان شريكا فيه، وهو بحاجة اليوم لازالته من اجل بناء واقع جديد ومجتمعات جديدة تنتصر على ذاتها ،ومن اجل ذاتها، لكي تتفرغ لدحر الاستبداد و القمع و الفساد ،وتحرير ما احتل منها من حرية وكرامة وعدالة، ومن ارادة و شرعية ايضا.
الدستور