غضبة النواب مشـروعة لكن أولوياتها معكوسة..!
حسين الرواشدة
جو 24 : مع الاحترام البالغ لأخواننا النواب الذين (غضبوا)من أجل الدفاع عن (رئيسهم)وهيبة مجلسهم التي اعتقدوا أنها (جرحت)بسبب اخطاء بروتوكولية في افتتاح مهرجان جرش، فإن ما سمعناه من بعضهم من عبارات غير لائقة (ينكأ)جرح الاساءة للمجلس من داخله هذه المرة، ويعزز فرضية (العجز)التي لاحقت -للأسف- اداء النواب، كما أنه يحول الضحية التي هبت للدفاع عن نفسها الى (متهم)في نظر الجمهور، وفي هذه الحالة فإن فضيلة (الصمت)كانت أجدى من (الكلام)، وابتلاع (الاهانة)أفضل بكثير من الجهر بالفاحشة ومن الفجور بالخصومة والرد على الاساءة بأسوأ منها.
أرجوان لا يفهم أحد مما قلته إن ما حدث في افتتاحية (جرش)لرئيس مجلس النواب كان مقبولا، أوأن حق النواب في الرد على (الواقعة)ليس مشروعا وواجبا ، على العكس من ذلك تماما، فقد اخطأ منظموالمهرجان حين تعاملوا مع (رأس)السلطة التشريعية واعضائها بهذه الصورة غير اللائقة، كما اصاب النواب حين انحازوا لرئيس مجلسهم وانبروا للدفاع عن هيبة المجلس، لكن المشكلة ان النواب حين قرروا الرد اخطأوا مرتين: مرة في اختيار (العنوان)والمبالغة فيه ومرة أخرى في استخدام اللغة والاسلوب والاخراج،حين ندقق في الشق الأول نكتشف بأن (الاساءة)للمجلس لا تتعلق فقط بخطأ بروتوكولي وقع في مهرجان ، وانما سبق لهذا المجلس ان تعرض لاساءات من (اوزان)ثقيلة مرت للأسف دون ان تجد لها صدى لدى النواب ، مما اغرى البعض على تكرارها، كما ان مفهوم (الاساءة)للمجلس لا تختصر بالاساءة الى رئيسه فقط وانما الاخطر منها هوالاساءة الى الناس الذين يمثلهم هذا المجلس، وهذه - للأسف- قلما تحرك (نوبات)الغضب لدى الكثير من النواب، واذا ما حدث فإن هذا الغضب لا يتجاوز الحنجرة، وبالتلي فأن اولويات الغضب النيابي تبدومعكوسة ، أما اذا دققنا في الشق الثاني فإن منطق النواب في الرد غالبا ما يأخذ شكل المشجارات والشتائهم ، الأمر الذي يخرجه عن (التأثير)والقبول ، كما ان نوعية هذا الرد لا تتجاوز (الادانة)والرفض والمطالبات غير المفهومة، رغم ان لديهم ما يلزم من (صلاحيات)تمنحهم ردودا اقوى واجدى، وتجعل صورتهم في نظر جمهورهم ، ناهيك عن الحكومة ، أفضل، لا لأن افعالهم - فقط -هي التي تحدد ( منزلتهم )، وانما ايضا لأن احترامهم لدورهم وواجبهم يجعل الاخرين مضطرين لرد التحية اليهم بأحسن بمثلها اوبأحسن منها .
من المفارقات التي تمر دون انتباه احيانا ان الردود الغاضبة غير المحسوبة التي تتحول احيانا الى اشتباكات ومشاجرات تقتصر في الغالب على النواب ولا يتورط فيها الوزراء والحكومة عموما ، واذا افترضنا سلفا بأن سلطة النواب ، مقدمة على سلطة الحكومة، باعتبارهم ممثلين (للأمة)، ولديهم من(الصلاحيات)ما يكفي لفرض هيبة مجلسهم والحفاظ على دورهم وصورتهم، فإن سؤال (المفارقة)هذا له اجابة واحدة عنوانها (العجز)، ومهما تكن اسباب هذا (العجز)ومبرراته فإن مكانة المجلس وسمعته ستظل مرتبطة بالخروج من هذه (الدائرة)الضيقة التي حشر فيها النواب انفسهم، بحيث أصبحوا (متكلمين)اكثر من أن يكونوا (فاعلين)ومستقبلين اكثر من (مرسلين)ومتحفزين لردود الافعال بدل ان يكونوا ممسكين بزمام المبادرة.
واقعة (مهرجان)جرش ،مهما تكن تفاصيلها،ومهما اختلفت الروايتان الرسمية والنيابية حولها، لم تكن مهمة في ذاتها، وانما في مدلولاتها،وربما في توقيتها ايضا، فهي من جانب كشفت عن احساس نيابي بالتجاهل ولدته (تراكمات)من عدم التقدير الرسمي والاهلي لدورهم ، وهي من جانب آخر كشفت عن (هشاشة)العلاقة بين المجلس والحكومة، وعن (رغبة)لدى النواب في تصحيح مسارات هذه العلاقة على أسس واعتبارات جدية، لكن يبدوان الطريقة التي عالج فيها المجلس المسألة لم تصب (الهدف)وإنما اربكت المشهد اكثر، ومن المؤمل ان تفضي (التعديلات)المقترحة على النظام الداخي للمجلس الى اعطاء النواب آليات ومساحات جديدة لتحسين ادائهم وتصويب (ديناميكية)تعاملهم مع الحكومة ومع المجتمع ايضا.
يبقى ان اشير الى مسألتين: احداهما ان اعادة (ثقة)الجمهور بالمجلس وتحسين صورته تحتاج الى افعال حقيقية تتجاوز (الغضب)من أجل الخاص الى الانتصار لقضايا الناس والانحياز للمجال العام بكل مايزدحم به من استفهامات ومشكلات ،اما المسألة الاخرى فتتعلق بضرورة ترسيم العلاقة بين المجلس والحكومة على اساس قواعد جديدة ، تستند الى تحديد الادوار والصلاحيات واستخدامها فعليا بدل الحديث المتكرر عنها، وهذه تستدعي من السادة النواب ان يخرجوا من دائرة الانفرادية والارضائية والعلاقات العامة الى دائرة اوسع واجدى تستند الى مهماتهم الرقابية والتشريعية التي يفترض ان يتذكروها دائما للحفاظ على هيبة المجلس وعلى منزلة المؤسسة ومكانتها وكرامة الفاعلين فيها .
الدستور
أرجوان لا يفهم أحد مما قلته إن ما حدث في افتتاحية (جرش)لرئيس مجلس النواب كان مقبولا، أوأن حق النواب في الرد على (الواقعة)ليس مشروعا وواجبا ، على العكس من ذلك تماما، فقد اخطأ منظموالمهرجان حين تعاملوا مع (رأس)السلطة التشريعية واعضائها بهذه الصورة غير اللائقة، كما اصاب النواب حين انحازوا لرئيس مجلسهم وانبروا للدفاع عن هيبة المجلس، لكن المشكلة ان النواب حين قرروا الرد اخطأوا مرتين: مرة في اختيار (العنوان)والمبالغة فيه ومرة أخرى في استخدام اللغة والاسلوب والاخراج،حين ندقق في الشق الأول نكتشف بأن (الاساءة)للمجلس لا تتعلق فقط بخطأ بروتوكولي وقع في مهرجان ، وانما سبق لهذا المجلس ان تعرض لاساءات من (اوزان)ثقيلة مرت للأسف دون ان تجد لها صدى لدى النواب ، مما اغرى البعض على تكرارها، كما ان مفهوم (الاساءة)للمجلس لا تختصر بالاساءة الى رئيسه فقط وانما الاخطر منها هوالاساءة الى الناس الذين يمثلهم هذا المجلس، وهذه - للأسف- قلما تحرك (نوبات)الغضب لدى الكثير من النواب، واذا ما حدث فإن هذا الغضب لا يتجاوز الحنجرة، وبالتلي فأن اولويات الغضب النيابي تبدومعكوسة ، أما اذا دققنا في الشق الثاني فإن منطق النواب في الرد غالبا ما يأخذ شكل المشجارات والشتائهم ، الأمر الذي يخرجه عن (التأثير)والقبول ، كما ان نوعية هذا الرد لا تتجاوز (الادانة)والرفض والمطالبات غير المفهومة، رغم ان لديهم ما يلزم من (صلاحيات)تمنحهم ردودا اقوى واجدى، وتجعل صورتهم في نظر جمهورهم ، ناهيك عن الحكومة ، أفضل، لا لأن افعالهم - فقط -هي التي تحدد ( منزلتهم )، وانما ايضا لأن احترامهم لدورهم وواجبهم يجعل الاخرين مضطرين لرد التحية اليهم بأحسن بمثلها اوبأحسن منها .
من المفارقات التي تمر دون انتباه احيانا ان الردود الغاضبة غير المحسوبة التي تتحول احيانا الى اشتباكات ومشاجرات تقتصر في الغالب على النواب ولا يتورط فيها الوزراء والحكومة عموما ، واذا افترضنا سلفا بأن سلطة النواب ، مقدمة على سلطة الحكومة، باعتبارهم ممثلين (للأمة)، ولديهم من(الصلاحيات)ما يكفي لفرض هيبة مجلسهم والحفاظ على دورهم وصورتهم، فإن سؤال (المفارقة)هذا له اجابة واحدة عنوانها (العجز)، ومهما تكن اسباب هذا (العجز)ومبرراته فإن مكانة المجلس وسمعته ستظل مرتبطة بالخروج من هذه (الدائرة)الضيقة التي حشر فيها النواب انفسهم، بحيث أصبحوا (متكلمين)اكثر من أن يكونوا (فاعلين)ومستقبلين اكثر من (مرسلين)ومتحفزين لردود الافعال بدل ان يكونوا ممسكين بزمام المبادرة.
واقعة (مهرجان)جرش ،مهما تكن تفاصيلها،ومهما اختلفت الروايتان الرسمية والنيابية حولها، لم تكن مهمة في ذاتها، وانما في مدلولاتها،وربما في توقيتها ايضا، فهي من جانب كشفت عن احساس نيابي بالتجاهل ولدته (تراكمات)من عدم التقدير الرسمي والاهلي لدورهم ، وهي من جانب آخر كشفت عن (هشاشة)العلاقة بين المجلس والحكومة، وعن (رغبة)لدى النواب في تصحيح مسارات هذه العلاقة على أسس واعتبارات جدية، لكن يبدوان الطريقة التي عالج فيها المجلس المسألة لم تصب (الهدف)وإنما اربكت المشهد اكثر، ومن المؤمل ان تفضي (التعديلات)المقترحة على النظام الداخي للمجلس الى اعطاء النواب آليات ومساحات جديدة لتحسين ادائهم وتصويب (ديناميكية)تعاملهم مع الحكومة ومع المجتمع ايضا.
يبقى ان اشير الى مسألتين: احداهما ان اعادة (ثقة)الجمهور بالمجلس وتحسين صورته تحتاج الى افعال حقيقية تتجاوز (الغضب)من أجل الخاص الى الانتصار لقضايا الناس والانحياز للمجال العام بكل مايزدحم به من استفهامات ومشكلات ،اما المسألة الاخرى فتتعلق بضرورة ترسيم العلاقة بين المجلس والحكومة على اساس قواعد جديدة ، تستند الى تحديد الادوار والصلاحيات واستخدامها فعليا بدل الحديث المتكرر عنها، وهذه تستدعي من السادة النواب ان يخرجوا من دائرة الانفرادية والارضائية والعلاقات العامة الى دائرة اوسع واجدى تستند الى مهماتهم الرقابية والتشريعية التي يفترض ان يتذكروها دائما للحفاظ على هيبة المجلس وعلى منزلة المؤسسة ومكانتها وكرامة الفاعلين فيها .
الدستور