سوار الدنيا
أحمد حسن الزعبي
شخصياً أبني طقوسي في هذا الشهر العظيم كما يبنى العصفور عشّه ،ابرّد عين الشمس بدعاء الصبر والمقدرة ،ثم ألبس دشداشتي البيتية وأمضي، وقت الظهيرة تنتشر رائحة الأسواق؛ الخبز القهوة النعناع الكزبرة والدراق، أستمتع بالتفاصيل التي لا تمرّ الا في موسم الصيام، أراقب حركة الناس الدؤوبة ، كل منهم يمضي الى هدف ، طفل يجرّ عربة الخضار ويفهم تعرجّات الطريق بالفطرة ، يغير طريقة الجر او السحّب حسب الصعود أو النزول ، سيّدة تعتني جداً باختيار «ورق الدوالي» ، تطبق الورقتين وجها لوجه ثم تضعهما بالكيس الخفيف .
رجله اليمنى ترتفع على «صدّامية» البكم الخلفية ، ويده تتحلق حول الماسورة الطولية الصدئة ..يتعرّق البيتنجان المكوم من غير حساب فيزهر لمعة خجولة في عيون المارة ،الفلفل الحلو ينتبذ زاوية منفصلة من البكم كنوع من التمييز العنصري «ربطة أكياسة» مرمية على صدر بطيختين «للدار»...والصوت لا يبحّ أو يتعب اطلاقاً من النداء على الأسود والحلو...
بلاط بارد وجو رطب ينبعث من ملحمّة «مكيّفة»،صوت المروحة السقفية ، يعطي موسيقى تصويرية مختلفة مع ضربات اللحام على مفصل الفخذ، ثمة خروف معلّق من رجليه ، يواري سوءته عن المشترين ويدير ظهره المسلوخ لهم..يشبهنا تماماً،معلّق عكس الجاذبية ..بانتظار مشترٍ دسم..حتماً سيحضر، لكن التوقيت غير محدد حتى اللحظة...
على الطرف الآخر أقرأ طموحا رقراقا من عيني «صاحب بكم ملوخية» الذي لا يستفزّه شيء في الدنيا الا مرور «بكم ملوخية» آخر قربه، هو لا يطمح للكثير سوى أن يصل الى عبارة: «الله جبر» حين يقولها للسائلين عن «الملوخية بعروق» ويقفل الباب الخلفي ويغادر الى قريته باكراً ، انه يجمع المونة منذ ضحى اليوم ، قطايف «رمثاوية» تمر هندي ،مخلل، حفّاية 32 لآخر العنقود «عدي» ...
في رمضان ..سعة.. رضا..لطف ..استطاعة..ابتسامة ..غنى ..نشاط..طاعة ان نحن قررنا او أردنا ...
اقسم بالله ما أحسست يوماًَ ان سوار الدنيا بات يضيق على معصم سعادتي ...إلا دخلت بيت الله..وصلّيت...
فالخالق المُجير العظيم... لا يقبل أن تخرج من بيته ..الا وقد .. حماك..وأرضاك..
الرأي