سيأتي ولن يتأخر طويلا ...!!
حسين الرواشدة
جو 24 : لا أدري كم تحتاج بلداننا من ( الدماء) حتى تخرج من حالة (الانضباع)
والتيه، كم تحتاج من القتلى واليتامى والمشردين حتى تصحو، كم تحتاج من التشظية والتجزئة حتى تستدعي وحدتها، كم تحتاج من التدمير حتى تبني ذاتها من جديد.
حين زرت بعض الاقطار الاوروبية أدهشتني صور الانتظام واحترام القانون وحالة الانسجام بين الناس، قلت في نفسي: هذه المجتمعات تصالحت مع نفسها، وتعافت بفضل ( الديمقراطية) من امراضها، وبنت تقدمها وحضارتها بسبب انحيازها للانسان واعلاء قيمة الحرية والكرامة التي يستحقها بلا منة ولا تجمل، لكن احد الاصدقاء ذكرني بأن هؤلاء الابناء تعلموا من تجارب آبائهم، فقد فعل هؤلاء الاباء ببعضهم اكثر بكثير مما فعلناه بأنفسنا، في هذه الشوارع التي تدهشك- أضاف الرجل- سالت دماء غزيرة، وسقط مئات الالاف من الابرياء، وتقسمت دول الى دويلات، واقيمت مشانق للمطالبين بالحرية، لقد دفعوا ثمن ما تراه باهظا، واقتنعوا بعد ذلك ان الطريق للحياة يمر ( بالتوافق) والاحترام المتبادل والالتزام بالقوانين التي تفرزها نتائج الصناديق، حيث لا تزوير ولا استبداد ولا احتكار للسلطة... الكل أدرك ان ( الديمقراطية) هي الحل، وأن حياة الانسان أغلى من كل شيء.
قلت له : لكننا دفعنا مثلهم واكثر، فتاريخنا مزدحم بالفتن والمحن والحروب، اجدادنا شهدوا عصر الدويلات وسقوط الخلافات الواحدة تلو الاخرى، وذاقوا مرارة الغزو والحرب والاستعمار، ولكننا لم نتعلم بعد من تجاربهم، ولم نخرج من عباءة حروبهم، ولم نتحرر من ( عقد) اخطائهم، وما نزال نكرر ما فعلوه باعتزاز الابناء البررة بآبائهم، قل لي : لماذا تجاوز هؤلاء القوم كوارث الماضي، وطمروا قبور الاجداد بما فيها من خلافات، وانتهوا من عصر ( الرق) والعبودية، وبنوا مجتمعاتهم على اسس جديدة من التراضي والتوافق، والعدالة والمساواة، فيما فشلنا نحن عن فعل ذلك اوحتى جزء منه.
قال لي : صدقني انه لا مقارنة ابدا بين مافعلناه بأنفسنا وما فعله هؤلاء، خذ مثلا الحرب العالمية الاولى التي اشتعلت على تخوم هذه الحضارة وراح ضحيتها اكثر من (10) ملايين انسان، والحرب العالمية الثانية وحرب
الـ(70) عاما وقبلها الثورات التي حصدت الاخضر واليابس، والصراع مع الكنيسة ومع ( امراء) الاستبداد.... هذه القارة التي تراها تعافت من محنتها الان دفعت اضعاف ما دفعنا حتى وصلت الى هذه النتيجة.
قلت له : إذن علينا ان ننتظر عقودا وربما قرونا حتى نتعلم من تجاربنا المرّة، وأن نشيّع ملايين القتلى ونودع بلادا كانت لنا اوطانا، ونشهد المزيد من الاحتجاجات والثورات، ونتعود على الاخبار السيئة التي تطالعنا بها الشاشات في كل صباح ومساء... لكن بالله عليك قل لي : هل لديك أمل بأن ينعم احفادنا بما ينعم به الآخرون في بلاد الله الواسعة من أمن ورخاء واستقرار ، أو بأن يروا الشعارات التي رددناها في مدارسنا ( بلاد العرب أوطاني) وقد تحققت فعلا على الارض...أم انهم سيرثون منا دويلات مجزأة وضعيفة، فيصعب عليهم - مثل ما حصل لنا تماما- إصلاح أو تغيير أي شيء.
قال لي : تذكر بأن للتاريخ دورات وجولات ، وبأن أمتنا مثل الامم الاخرى تعرضت لفترات من الازدهار ثم انتكست واصابها التخلف، تذكر ايضا بأن شمس الحضارة اضاءت بلداننا على امتداد قرون ثم رحلت الى بلدان اخرى.. تذكر ايضا بأن الانسان هو الذي صنع وابدع متى توفرت له شروط العمارة والكرامة، ولدينا (خامة) هذا الانسان، لكنه مازال مقيدا وممنوعا من الحركة والتفكير، ولا بد أن يأتي اليوم الذي يستعيد فيه هذا الانسان وجوده وحريته وينطلق مثلما فعل الاخرون لكي يبني ويستعيد الاشعاع الحضاري الذي يمكنه من ( التوافق) على كل شيء، ويعينه على الخروج من محنة الحروب والانتظام مع نواميس الكون ... وسترى ان ما ادهشك في هذه البلدان التي تعافت من المحن والفتن قد أصبح حقيقة في اقطارنا كلها.... صدقني سيأتي هذا اليوم ولن يتأخر طويلا.
الدستور
والتيه، كم تحتاج من القتلى واليتامى والمشردين حتى تصحو، كم تحتاج من التشظية والتجزئة حتى تستدعي وحدتها، كم تحتاج من التدمير حتى تبني ذاتها من جديد.
حين زرت بعض الاقطار الاوروبية أدهشتني صور الانتظام واحترام القانون وحالة الانسجام بين الناس، قلت في نفسي: هذه المجتمعات تصالحت مع نفسها، وتعافت بفضل ( الديمقراطية) من امراضها، وبنت تقدمها وحضارتها بسبب انحيازها للانسان واعلاء قيمة الحرية والكرامة التي يستحقها بلا منة ولا تجمل، لكن احد الاصدقاء ذكرني بأن هؤلاء الابناء تعلموا من تجارب آبائهم، فقد فعل هؤلاء الاباء ببعضهم اكثر بكثير مما فعلناه بأنفسنا، في هذه الشوارع التي تدهشك- أضاف الرجل- سالت دماء غزيرة، وسقط مئات الالاف من الابرياء، وتقسمت دول الى دويلات، واقيمت مشانق للمطالبين بالحرية، لقد دفعوا ثمن ما تراه باهظا، واقتنعوا بعد ذلك ان الطريق للحياة يمر ( بالتوافق) والاحترام المتبادل والالتزام بالقوانين التي تفرزها نتائج الصناديق، حيث لا تزوير ولا استبداد ولا احتكار للسلطة... الكل أدرك ان ( الديمقراطية) هي الحل، وأن حياة الانسان أغلى من كل شيء.
قلت له : لكننا دفعنا مثلهم واكثر، فتاريخنا مزدحم بالفتن والمحن والحروب، اجدادنا شهدوا عصر الدويلات وسقوط الخلافات الواحدة تلو الاخرى، وذاقوا مرارة الغزو والحرب والاستعمار، ولكننا لم نتعلم بعد من تجاربهم، ولم نخرج من عباءة حروبهم، ولم نتحرر من ( عقد) اخطائهم، وما نزال نكرر ما فعلوه باعتزاز الابناء البررة بآبائهم، قل لي : لماذا تجاوز هؤلاء القوم كوارث الماضي، وطمروا قبور الاجداد بما فيها من خلافات، وانتهوا من عصر ( الرق) والعبودية، وبنوا مجتمعاتهم على اسس جديدة من التراضي والتوافق، والعدالة والمساواة، فيما فشلنا نحن عن فعل ذلك اوحتى جزء منه.
قال لي : صدقني انه لا مقارنة ابدا بين مافعلناه بأنفسنا وما فعله هؤلاء، خذ مثلا الحرب العالمية الاولى التي اشتعلت على تخوم هذه الحضارة وراح ضحيتها اكثر من (10) ملايين انسان، والحرب العالمية الثانية وحرب
الـ(70) عاما وقبلها الثورات التي حصدت الاخضر واليابس، والصراع مع الكنيسة ومع ( امراء) الاستبداد.... هذه القارة التي تراها تعافت من محنتها الان دفعت اضعاف ما دفعنا حتى وصلت الى هذه النتيجة.
قلت له : إذن علينا ان ننتظر عقودا وربما قرونا حتى نتعلم من تجاربنا المرّة، وأن نشيّع ملايين القتلى ونودع بلادا كانت لنا اوطانا، ونشهد المزيد من الاحتجاجات والثورات، ونتعود على الاخبار السيئة التي تطالعنا بها الشاشات في كل صباح ومساء... لكن بالله عليك قل لي : هل لديك أمل بأن ينعم احفادنا بما ينعم به الآخرون في بلاد الله الواسعة من أمن ورخاء واستقرار ، أو بأن يروا الشعارات التي رددناها في مدارسنا ( بلاد العرب أوطاني) وقد تحققت فعلا على الارض...أم انهم سيرثون منا دويلات مجزأة وضعيفة، فيصعب عليهم - مثل ما حصل لنا تماما- إصلاح أو تغيير أي شيء.
قال لي : تذكر بأن للتاريخ دورات وجولات ، وبأن أمتنا مثل الامم الاخرى تعرضت لفترات من الازدهار ثم انتكست واصابها التخلف، تذكر ايضا بأن شمس الحضارة اضاءت بلداننا على امتداد قرون ثم رحلت الى بلدان اخرى.. تذكر ايضا بأن الانسان هو الذي صنع وابدع متى توفرت له شروط العمارة والكرامة، ولدينا (خامة) هذا الانسان، لكنه مازال مقيدا وممنوعا من الحركة والتفكير، ولا بد أن يأتي اليوم الذي يستعيد فيه هذا الانسان وجوده وحريته وينطلق مثلما فعل الاخرون لكي يبني ويستعيد الاشعاع الحضاري الذي يمكنه من ( التوافق) على كل شيء، ويعينه على الخروج من محنة الحروب والانتظام مع نواميس الكون ... وسترى ان ما ادهشك في هذه البلدان التي تعافت من المحن والفتن قد أصبح حقيقة في اقطارنا كلها.... صدقني سيأتي هذا اليوم ولن يتأخر طويلا.
الدستور