التحــيــة بأحــســن مــنـهــا ..!!
حسين الرواشدة
جو 24 : معيار نجاح المسؤول - أي مسؤول- هو مقدرته على ان يفرز من الناس أفضل ما فيهم، وأن يستوعب منهم اسوأ ما لديهم، ووفق هذه المعادلة الذهبية فإن ( حالة) المجتمع تستقيم تبعا لاستقامة ما يحيط بها من مناخات، فإذا فسدت هذه المناخات او تعكرت، اضطرب المزاج العام و( تسفلت) اخلاق المجتمع، وانحرفت سلوكياته لدرجة انه يمكن ان يفكر بالانتقام من نفسه.
أحيانا، ينجح الناس في كسر هذه ( القاعدة) فيتفوقون على ظروفهم، ويتجاوزون أحوال الطقس السيئة التي تحيط بهم، ويترفعون عن ( الاخطاء) التي قد تدفعهم الى الخروج عن سمتهم وصمتهم، فيستحقون بذلك درجة ( الاستثناء) لأنهم ( دفعوا بالتي هي أحسن) وانحازوا بفطرتهم السليمة الى رحم الارض التي خرجوا منها، وآثروا سلامتها على سلامة مصالحهم الخاصة.
هذا ما فعله الاردنيون في المرحلة الصعبة التي مرت بها المنطقة، وبالتالي فإن الاجابة على سؤال أو لغز ( الخروج من العاصفة) مرتبط اساسا ( بالاردني) الذي كان بطل الموقف و المرحلة و الضرورة بامتياز، ونحن كلنا مدينون له بالشكر و الاحترام، لا لإنه صمد وصبر وادرك بحسه الوطني الراقي ان دفاعه عن بلده فريضة وانما لانه ايضا افرز أفضل مالديه و تعالى عن الحسابات الصغيرة، والاخطاء الكثيرة، وحاصر العدوى التي انتشرت في كل مكان، وعضّ على جرحه كرمى لعيون الوطن...هذا الذي ضحى من أجله بكل شيء.
كان لابد من التذكير بهذه الحقيقة لاكثر من سبب: احدها ان ثمة محاولات يدفع بها البعض لتخويفنا من (التطرف) القادم على جناح بعض التنظيمات والجماعات التي جرى استحضارها لتفجير المنطقة واثارة الفوضى فيها، ومع ان الحذر واجب، الا ان المبالغة في تصوير الخطر بقصد توريطنا في معمعة الصراع ، تسقط - عمدا- حقيقة هذا الاردني الذي تجاوز أصعب الامتحانات، وطبيعة شخصيته التي تمتاز ( بالاعتدال) و الحكمة وعدم الاندفاع، أما السبب الآخر فهو ان الذين يتصورون بأن هدوء الشارع و تراجع احتجاجاته يسجل لحساباتهم، أو انه يصب في خدمة مصالحهم، باعتبارهم ربحوا الجولة ضد الاصلاح ومطالب الناس، هؤلاء يخطئون في تصورهم و في رهاناتهم ايضا، وهم يجهلون بالتالي طبيعة الاردني، وكيف يفكر ويتعامل مع بلده، ومع انه كان من المفترض ان يردوا عليه التحية بأحسن منها، فإن مجرد اعتباره خاسرا لا يعبر فقط من طرفهم عن اساءة بحقه وانما عن اساءة بحق البلد ايضا، اما السبب الثالث فهو ان الاعتماد على عقلانية الاردني و صبره وقدرته على التحمل لا يكفي لاستمرار حالة (ا لاستثناء) التي حافظ عليها بلدنا، اذ لابدّ ان تنهض اجهزة الاستقبال العامة لالتقاط هذه الرسائل وفهمها و الرد عليها بما يتناسب مع ( ذبذباتها) الفاضلة، واذا لم يحدث ذلك فإن اندفاع القطار الوطني على سكة السلامة سيكون مجالا للاستفهام وحينئذ لا يمكن ان نحمل المواطن وحده المسؤولية وانما نتحملها نحن ايضا.
وسط انشغالنا بما يحدث في محيطنا الملتهب، وما تتعرض له منطقتنا من صراعات فيها و عليها ، وما يترتب عليها من اخطار تهددنا ، كان مفهوما ان نعيد ترتيب اولوياتنا، فتتقدم مواجهة ( الخطر الخارجي) على الآخر الداخلي، ويحتشد الناس للدفاع عن الوجود بعد ان قطعوا شوطا كبيرا بالدفاع عن الحدود، لكن لا يجوز ان تغيب عنا بعض الاسئلة كما لا يجوز ان نغطي على اجاباتها الواجبة ، منها سؤال الاصلاح و المطالب الشعبية التي دخلت الى مرحلة ( الكمون) ولكنها لم تدخل في حالة ( الموات) ، ومنها سؤال تمتين الجبهة الداخلية وتحصينها من امتداد شرارة الصراعات ،ومنها سؤال مواجهة التطرف بدل توظيفه واستدعائه ومحاولة الاستثمار فيه، ومنها سؤال الاقتصاد الذي يشكل (بؤرة) ساخنة ونقطة ضعف في خاصرتنا الوطنية، ومنها سؤال ( السياسة) التي اختلطت فيها الاوراق و الحسابات ولم تعد بوصلتها واضحة ، اما الاجابات على هذه الاسئلة المعلقة فتحتاج الى ( رؤية) تتنوع فيها خياراتنا، وتنسجم مع مصالحنا واعتباراتنا ، بحيث تحافظ على ( صلابة) مجتمعنا وتؤثر في محيطنا.
أعرف ان كل ما قلته يحتاج الى توضيح وتفصيل، لكنني سأترك ذلك للقارئ الفصيح، فأنا أؤمن بأنه يعرف ما هو مطلوب اكثر مني، و اشير فقط الى ان توجيه الشكر و الاحترام للمواطن الاردني ورد التحية عليه بأحسن منها هو مفتاح هذه المرحلة... أما كيف ؟ فلن نعدم الوسيلة في هذا الشهر الكريم، لكن ارجو ان تكون هذه الوسيلة افعالا لا مجرد اقوال او دعوات فقط.
الدستور
أحيانا، ينجح الناس في كسر هذه ( القاعدة) فيتفوقون على ظروفهم، ويتجاوزون أحوال الطقس السيئة التي تحيط بهم، ويترفعون عن ( الاخطاء) التي قد تدفعهم الى الخروج عن سمتهم وصمتهم، فيستحقون بذلك درجة ( الاستثناء) لأنهم ( دفعوا بالتي هي أحسن) وانحازوا بفطرتهم السليمة الى رحم الارض التي خرجوا منها، وآثروا سلامتها على سلامة مصالحهم الخاصة.
هذا ما فعله الاردنيون في المرحلة الصعبة التي مرت بها المنطقة، وبالتالي فإن الاجابة على سؤال أو لغز ( الخروج من العاصفة) مرتبط اساسا ( بالاردني) الذي كان بطل الموقف و المرحلة و الضرورة بامتياز، ونحن كلنا مدينون له بالشكر و الاحترام، لا لإنه صمد وصبر وادرك بحسه الوطني الراقي ان دفاعه عن بلده فريضة وانما لانه ايضا افرز أفضل مالديه و تعالى عن الحسابات الصغيرة، والاخطاء الكثيرة، وحاصر العدوى التي انتشرت في كل مكان، وعضّ على جرحه كرمى لعيون الوطن...هذا الذي ضحى من أجله بكل شيء.
كان لابد من التذكير بهذه الحقيقة لاكثر من سبب: احدها ان ثمة محاولات يدفع بها البعض لتخويفنا من (التطرف) القادم على جناح بعض التنظيمات والجماعات التي جرى استحضارها لتفجير المنطقة واثارة الفوضى فيها، ومع ان الحذر واجب، الا ان المبالغة في تصوير الخطر بقصد توريطنا في معمعة الصراع ، تسقط - عمدا- حقيقة هذا الاردني الذي تجاوز أصعب الامتحانات، وطبيعة شخصيته التي تمتاز ( بالاعتدال) و الحكمة وعدم الاندفاع، أما السبب الآخر فهو ان الذين يتصورون بأن هدوء الشارع و تراجع احتجاجاته يسجل لحساباتهم، أو انه يصب في خدمة مصالحهم، باعتبارهم ربحوا الجولة ضد الاصلاح ومطالب الناس، هؤلاء يخطئون في تصورهم و في رهاناتهم ايضا، وهم يجهلون بالتالي طبيعة الاردني، وكيف يفكر ويتعامل مع بلده، ومع انه كان من المفترض ان يردوا عليه التحية بأحسن منها، فإن مجرد اعتباره خاسرا لا يعبر فقط من طرفهم عن اساءة بحقه وانما عن اساءة بحق البلد ايضا، اما السبب الثالث فهو ان الاعتماد على عقلانية الاردني و صبره وقدرته على التحمل لا يكفي لاستمرار حالة (ا لاستثناء) التي حافظ عليها بلدنا، اذ لابدّ ان تنهض اجهزة الاستقبال العامة لالتقاط هذه الرسائل وفهمها و الرد عليها بما يتناسب مع ( ذبذباتها) الفاضلة، واذا لم يحدث ذلك فإن اندفاع القطار الوطني على سكة السلامة سيكون مجالا للاستفهام وحينئذ لا يمكن ان نحمل المواطن وحده المسؤولية وانما نتحملها نحن ايضا.
وسط انشغالنا بما يحدث في محيطنا الملتهب، وما تتعرض له منطقتنا من صراعات فيها و عليها ، وما يترتب عليها من اخطار تهددنا ، كان مفهوما ان نعيد ترتيب اولوياتنا، فتتقدم مواجهة ( الخطر الخارجي) على الآخر الداخلي، ويحتشد الناس للدفاع عن الوجود بعد ان قطعوا شوطا كبيرا بالدفاع عن الحدود، لكن لا يجوز ان تغيب عنا بعض الاسئلة كما لا يجوز ان نغطي على اجاباتها الواجبة ، منها سؤال الاصلاح و المطالب الشعبية التي دخلت الى مرحلة ( الكمون) ولكنها لم تدخل في حالة ( الموات) ، ومنها سؤال تمتين الجبهة الداخلية وتحصينها من امتداد شرارة الصراعات ،ومنها سؤال مواجهة التطرف بدل توظيفه واستدعائه ومحاولة الاستثمار فيه، ومنها سؤال الاقتصاد الذي يشكل (بؤرة) ساخنة ونقطة ضعف في خاصرتنا الوطنية، ومنها سؤال ( السياسة) التي اختلطت فيها الاوراق و الحسابات ولم تعد بوصلتها واضحة ، اما الاجابات على هذه الاسئلة المعلقة فتحتاج الى ( رؤية) تتنوع فيها خياراتنا، وتنسجم مع مصالحنا واعتباراتنا ، بحيث تحافظ على ( صلابة) مجتمعنا وتؤثر في محيطنا.
أعرف ان كل ما قلته يحتاج الى توضيح وتفصيل، لكنني سأترك ذلك للقارئ الفصيح، فأنا أؤمن بأنه يعرف ما هو مطلوب اكثر مني، و اشير فقط الى ان توجيه الشكر و الاحترام للمواطن الاردني ورد التحية عليه بأحسن منها هو مفتاح هذه المرحلة... أما كيف ؟ فلن نعدم الوسيلة في هذا الشهر الكريم، لكن ارجو ان تكون هذه الوسيلة افعالا لا مجرد اقوال او دعوات فقط.
الدستور