وصـفـتان لتعـديـل المــزاج العـــام..!
حسين الرواشدة
جو 24 : أرجو ألاّ نعتقد بأننا في منأى عن ارتدادات ما يحدث حولنا من (زلازل)، واذا كان ليس بمقدورنا أن نتدخل بشكل مباشر (لاخمادها) أو أن يكون لنا دور في تطويقها، مع أن ذلك من صميم واجبنا، فليس أقل من أن نتحوط منها ونتدارك امكانية امتدادها الينا، أو تأثيرها علينا.
استأذن - هنا- في الاشارة الى زلزالين وصلتنا ارتداداتهما، وهما: زلزال العدوان على غزة وزلزال الدولة الاسلامية في العراق، ومع أن مصدرها يبدو متناقضا، الا ان نتيجتهما واحدة، لكن ما يهمنا هنا هو ان مزاجنا العام أصبح مضطربا بسببهما، الأمر الذي يستدعي التفكير جديا في توجيه نقاشاتنا العامة الى سؤال جوهري وهو : كيف يمكن ان نتعامل مع هذه الارتدادات، سواء على الصعيد السياسي أو على الصعيد الديني.
لا شك بأن العدوان على غزة أثار مشاعرنا وأعاد الى شوارعنا زخمها الذي افتقدته منذ أكثر من عام، ولاشك ايضا بأن المجالين السياسي و الديني شهدا حالة ( استنفار) بطلب من الجمهور الذي صدمته صور القتل و الدمار ، وربما الصمود و الاستبسال، فاندفعنا في المجالين الى تقديم مايلزم من عروض لارضائه، لكن بشكل ارتجالي أحيانا وغير مقنع أحيانا أخرى، صحيح أن قنوات ( التصريف) السياسي لم تكن جاهزة أو ربما غير قادرة لتلبية مطالب الجمهور، لكن الصحيح هو أن ما عجزنا عن فعله سياسيا استوعبناه في قنوات ( التصريف) الديني، لدرجة أن ما حدث في غزة أصبح شأنا دينيا سمعنا صداه في ( مهرجاناتنا) و على منابرنا في وسائل اعلامنا ايضا، من دون ان ننتبه الى أن هذا ( التصريف) سيعمق المشكلة بدل ان يحلها ، فهو يعبئ مشاعر الناس ويذكي حماسهم ويحثهم على الانتقام ويحيي فيهم قيم النصرة ولكنه يعجز عن فتح أي قناة لهم للفعل، ويتركهم اسرى للقهر و الخيبة و الاحساس بالتقصير.
ما فعلته ( داعش) في شمال العراق، ايضا، أثار مشاعرنا،سواء كنا مسلمين أو مسيحيين، واعادنا مرة أخرى الى السؤال عن ( العنف) وعن الاسلام الحقيقي، وعن امكانية امتداد هذا الخط الى بلادنا، لكن اجابتنا عن هذه الاسئلة، سواء في المجال السياسي أو الديني، ظلت كما هي، كما ان حالة ( الاستنفار) لدينا لم تتجاوزما ألفناه في خطابنا العام، دون ان ننتبه بأن هذا ( الزلزال) يحتاج الى قنوات جديدة (للتصريف) السياسي و الديني، على حد سواء.
مسألة التصريف (السياسي) لامتصاص ارتدادات الزلزالين ( وربما غيرهما ايضا) مهمة، ويمكن ان تأخذ مسارين :احدهما يتعلق بإعادة الاعتبار لمشروع اصلاح حقيقي على قاعدة ( التوافق) الوطني وذلك من أجل تحصين الجبهة الداخلية وتجاوز حالة (الضعف) السياسي وتعديل المزاج العام للشارع، والمسار الآخر يتعلق بإعادة النظر في خياراتنا وادوارنا السياسية على قاعدة (التعدد) والتنوع وعدم التدخل، وهي قاعدة تسمح لنا بمرونة الحركة والتأثير دون أن تحملنا تكاليف الانحياز أو الانخراط في دوامة المحاور.
أما مسألة التصريف (الديني) فتحتاج الى وقفة طويلة، ويمكن ان ننقاشها في ثلاثة مسارات: الاول يتعلق بضرورة اصلاح المجال الديني وضبط حركة خطابه العام، وهذا يحتاج الى تطوير اداء المؤسسات الدينية واعادة تأهيلها للقيام بدورها الحقيقي، وقد سبق واشرت الى ذلك في أكثر من مناسبة، لكنني أشير فقط الى ان غياب أو تراجع هذه المؤسسات عن دورها تسبب في وجود ( فراغ) ملأه غيرها، و ياليت أن هؤلاء الذين ملأوا الفراغ كان لهم خطاب موحد أو مقنع، لأنهم لو فعلوا ذلك لما تعرضت خرائطنا الدينية لهذا التشويه و التشويش الذي اوصلنا الى تصاعد خطاب التطرف لدرجة ان بيننا من أصبح يجاهر بالهتاف ( لداعش) و غيرها ، أما المسار الثاني فهو ضرورة بناء ( مبادرات) دينية من خارج السياق السياسي، تكون مهمتها الوصول الى المجتمع بخطاب اسلامي ( معتدل) وفتح حوارات جديدة مع الشباب المتدين، وابراز قيم الدين التي تحث على الوحدة و السماحة و العفو و الاستقامة و النظافة و العدل و الحوار مع الآخر، على أن يتصدر واجهة هذه المبادرات ( علماء) مستقلون وموثوق بهم، ولابأس ان يكونوا ضمن إطار (مؤسسي) تحت أي مسمّى، على أن لايكونوا محسوبين لا على الطرف الرسمي و لا الحزبي و لا الحركي ايضا.
يبقى السمار الثالث وهو يتعلق بضرورة (فتح) المجال الديني أمام كافة المؤهلين الفاعلين فيه، وفق قواعد تخضع (لميثاق شرف ديني)، بحيث يلتزم الجميع به، وهذا الميثاق غير موجود، لكن لابدّ من أن نبادر الى صياغته بصورة جديدة تتجاوز حدود ما هو متوفر في قانون الاوقاف الراهن، أو في قانون و انظمة الافتاء، و المقصود هنا أن يشارك الفاعلون الدينيون المؤهلون في النشاط الديني بشرط ان يحترموا القواعد العامة التي تضبط حركة الدين في المجال العام، وان ينأوا بأنفسهم عن ممارسة العمل السياسي المباشر(لا اتحدث هنا عن العمل العام )، بحيث يمكن - عندئذ- ان نؤسس لعملية الاصلاح الديني في موازاة عملية الاصلاح السياسي، وأن نعيد رسم العلاقة بين الطرفين على أساس الشراكة و الاحترام ، لا التماهي و الاندماج، أو على أساس معادلة العنصر في المجموع لا التابع ولا المتبوع.
الدستور
استأذن - هنا- في الاشارة الى زلزالين وصلتنا ارتداداتهما، وهما: زلزال العدوان على غزة وزلزال الدولة الاسلامية في العراق، ومع أن مصدرها يبدو متناقضا، الا ان نتيجتهما واحدة، لكن ما يهمنا هنا هو ان مزاجنا العام أصبح مضطربا بسببهما، الأمر الذي يستدعي التفكير جديا في توجيه نقاشاتنا العامة الى سؤال جوهري وهو : كيف يمكن ان نتعامل مع هذه الارتدادات، سواء على الصعيد السياسي أو على الصعيد الديني.
لا شك بأن العدوان على غزة أثار مشاعرنا وأعاد الى شوارعنا زخمها الذي افتقدته منذ أكثر من عام، ولاشك ايضا بأن المجالين السياسي و الديني شهدا حالة ( استنفار) بطلب من الجمهور الذي صدمته صور القتل و الدمار ، وربما الصمود و الاستبسال، فاندفعنا في المجالين الى تقديم مايلزم من عروض لارضائه، لكن بشكل ارتجالي أحيانا وغير مقنع أحيانا أخرى، صحيح أن قنوات ( التصريف) السياسي لم تكن جاهزة أو ربما غير قادرة لتلبية مطالب الجمهور، لكن الصحيح هو أن ما عجزنا عن فعله سياسيا استوعبناه في قنوات ( التصريف) الديني، لدرجة أن ما حدث في غزة أصبح شأنا دينيا سمعنا صداه في ( مهرجاناتنا) و على منابرنا في وسائل اعلامنا ايضا، من دون ان ننتبه الى أن هذا ( التصريف) سيعمق المشكلة بدل ان يحلها ، فهو يعبئ مشاعر الناس ويذكي حماسهم ويحثهم على الانتقام ويحيي فيهم قيم النصرة ولكنه يعجز عن فتح أي قناة لهم للفعل، ويتركهم اسرى للقهر و الخيبة و الاحساس بالتقصير.
ما فعلته ( داعش) في شمال العراق، ايضا، أثار مشاعرنا،سواء كنا مسلمين أو مسيحيين، واعادنا مرة أخرى الى السؤال عن ( العنف) وعن الاسلام الحقيقي، وعن امكانية امتداد هذا الخط الى بلادنا، لكن اجابتنا عن هذه الاسئلة، سواء في المجال السياسي أو الديني، ظلت كما هي، كما ان حالة ( الاستنفار) لدينا لم تتجاوزما ألفناه في خطابنا العام، دون ان ننتبه بأن هذا ( الزلزال) يحتاج الى قنوات جديدة (للتصريف) السياسي و الديني، على حد سواء.
مسألة التصريف (السياسي) لامتصاص ارتدادات الزلزالين ( وربما غيرهما ايضا) مهمة، ويمكن ان تأخذ مسارين :احدهما يتعلق بإعادة الاعتبار لمشروع اصلاح حقيقي على قاعدة ( التوافق) الوطني وذلك من أجل تحصين الجبهة الداخلية وتجاوز حالة (الضعف) السياسي وتعديل المزاج العام للشارع، والمسار الآخر يتعلق بإعادة النظر في خياراتنا وادوارنا السياسية على قاعدة (التعدد) والتنوع وعدم التدخل، وهي قاعدة تسمح لنا بمرونة الحركة والتأثير دون أن تحملنا تكاليف الانحياز أو الانخراط في دوامة المحاور.
أما مسألة التصريف (الديني) فتحتاج الى وقفة طويلة، ويمكن ان ننقاشها في ثلاثة مسارات: الاول يتعلق بضرورة اصلاح المجال الديني وضبط حركة خطابه العام، وهذا يحتاج الى تطوير اداء المؤسسات الدينية واعادة تأهيلها للقيام بدورها الحقيقي، وقد سبق واشرت الى ذلك في أكثر من مناسبة، لكنني أشير فقط الى ان غياب أو تراجع هذه المؤسسات عن دورها تسبب في وجود ( فراغ) ملأه غيرها، و ياليت أن هؤلاء الذين ملأوا الفراغ كان لهم خطاب موحد أو مقنع، لأنهم لو فعلوا ذلك لما تعرضت خرائطنا الدينية لهذا التشويه و التشويش الذي اوصلنا الى تصاعد خطاب التطرف لدرجة ان بيننا من أصبح يجاهر بالهتاف ( لداعش) و غيرها ، أما المسار الثاني فهو ضرورة بناء ( مبادرات) دينية من خارج السياق السياسي، تكون مهمتها الوصول الى المجتمع بخطاب اسلامي ( معتدل) وفتح حوارات جديدة مع الشباب المتدين، وابراز قيم الدين التي تحث على الوحدة و السماحة و العفو و الاستقامة و النظافة و العدل و الحوار مع الآخر، على أن يتصدر واجهة هذه المبادرات ( علماء) مستقلون وموثوق بهم، ولابأس ان يكونوا ضمن إطار (مؤسسي) تحت أي مسمّى، على أن لايكونوا محسوبين لا على الطرف الرسمي و لا الحزبي و لا الحركي ايضا.
يبقى السمار الثالث وهو يتعلق بضرورة (فتح) المجال الديني أمام كافة المؤهلين الفاعلين فيه، وفق قواعد تخضع (لميثاق شرف ديني)، بحيث يلتزم الجميع به، وهذا الميثاق غير موجود، لكن لابدّ من أن نبادر الى صياغته بصورة جديدة تتجاوز حدود ما هو متوفر في قانون الاوقاف الراهن، أو في قانون و انظمة الافتاء، و المقصود هنا أن يشارك الفاعلون الدينيون المؤهلون في النشاط الديني بشرط ان يحترموا القواعد العامة التي تضبط حركة الدين في المجال العام، وان ينأوا بأنفسهم عن ممارسة العمل السياسي المباشر(لا اتحدث هنا عن العمل العام )، بحيث يمكن - عندئذ- ان نؤسس لعملية الاصلاح الديني في موازاة عملية الاصلاح السياسي، وأن نعيد رسم العلاقة بين الطرفين على أساس الشراكة و الاحترام ، لا التماهي و الاندماج، أو على أساس معادلة العنصر في المجموع لا التابع ولا المتبوع.
الدستور