مطلوب استراتيجية لمواجهة التطرف؟
حسين الرواشدة
جو 24 : أرأيت كيف تنهض الدول من خلال وزاراتها ومؤسساتها المعنية بشؤون الصحة و السلامة لمواجهة أي ( وباء) قادم من وراء الحدود ؟ انها تتحرك على الفور لإرشاد الناس وتحذيرهم، فالمشافي تعلن حالة الطوارئ، و الاعلام يحشد لتوضيح أسباب المرض وأعراضه وطرق الوقاية منه، و المسؤولون يخرجون عن صمتهم لوضع الجمهور في الصورة، وتطمينهم على صحتهم ومطالبتهم بالتزام قواعد الوقاية، وتلافي التواجد في الأماكن المزدحمة و الابتعاد عن المصابين بالمرض و المواظبة على النظافة، ثم تبدأ حملات ( التطعيم) أحيانا، أو تصرف الأدوية بالمجان فيما يجد( المصابون) بالمرض ما يلزم من رعاية طبية.
آسف ، اذا كنت اسهبت في وصف هذه ( الصورة) التي نعرفها جيدا، لكنني لم أجد أبسط من هذه المقاربة للتذكير ( بأولوياتنا) المنقوصة أحيانا و المعكوسة أحيانا أخرى، صحيح أن (الحفاظ) على صحة الناس ومواجهة الامراض التي تهدد ( أبدانهم) يجب أن تكون في صميم اهتمام الدول ومؤسساتها، لكن الصحيح أيضا أن ( الحفاظ) على سلامة عقول الناس وأفكارهم ووعيهم وامنهم ، يفترض ان تكون أولوية ايضا، وما فعلناه أننا قدمنا الاولى على الثانية...لدرجة أن الاولوية الثانية غابت عن ( أجندتنا) وتوزع ( دمها) على القبائل.
للتوضيح أكثر، أسأل : ما الذي فعلناه لمواجه(امراض) التطرف و التشدد، وهل قامت مؤسساتنا المعنية بواجبها؟ الاجابة - بالطبع- معروفة، فنحن لم نسمع حتى الآن عن ( خطة) لمواجهة هذه الآفات المدمرة، ولم نر أحدا يتحرك باتجاه تحذير الناس وارشادهم ومعالجتهم اذا لزم الأمر، كل ما فعلناه لم يتجاوز ( التخويف) أحيانا و التطمين أحيانا أخرى... فيما (التطرف) يتصاعد وأعداد المنتسبين اليه تزداد، واخطاره تحدق بنا من كل اتجاه.
يكفي أن نسأل : أيهما أخطر على بلدنا (جنون البقر) الذي أفزعنا قبل سنوات،وكورونا الذي ودعناه وايبولا الذي يداهمنا الآن، أم جنون ( داعش) واخواتها، أيهما يحتاج الى ( استراتيجية) وطنية ومطاعيم جاهزة ومشاف ٍ مفتوحة وأطباء مهرة وخطاب اعلامي موحد وموازنات مخصصة للوقاية والمعالجة، هل يعقل أن غيرنا قد انتبه الى هذا الخطر البعيد عنه آلاف الأميال (المانيا و فرنسا مثلا) فنهض الى تشكيل فرق متخصصة لدراسة (التطرف) ومعرفة الاسباب التي دفعت بعض (المواطنين) المقيمين هناك للانضمام الى (داعش) و النصرة، ووضع ما يلزم من اجراءات (وقائية وعلاجية) للتعامل معهم ومنع انتقال العدوى الى غيرهم، فيما نحن الذين يهدد (التطرف) حصوننا من الداخل و الخارج مانزال (نفكر) في التصدي لهذا الخطر ؟.
منذ سنوات وأنا ادعو الى اصلاح مؤسساتنا الدينية و تجديد خطابها، والى اصلاح خطابنا السياسي ايضا، لكنني اليوم أجد نفسي مضطرا للحديث بصراحة عن ( تقصيرنا) في مواجهة أمراض التطرف، يكفي أن نشير الى أننا في هذا العام تحديدا لم ننظم أي مؤتمر عن ( التطرف)مع أن بلدنا من أكثر البلدان استضافة للمؤتمرات، ولم أوفق في العثور على ( مدونة) أو ( بروشور) يرد على أفكار دعاة ( التطرف) ويوضح حقيقة الاسلام لأجيالنا التي فتحت (لواقطها) على ارسال المتطرفين بعد أن غاب خطاب الاعتدال المقنع أو غيب عنها، كما أنني لم أجد مؤسسة استطاعت أن تتصدى بنجاح لهذه ( الآفات) وتقنع الناس بدورها وتجذب الشباب اليها...واذا وجدت فإن صوتها مازال داخل الجدران ولم يصل الى الجمهور...لأسباب يعرفها المعنيون و غير المعنيين.
باختصار ،لابد أن نبدأ على الفور بإصلاح مجالنا الديني، (دعك من المجال السياسي الآن) فهو الأقدر و المسؤول عن مواجهة خطاب (التطرف) واخشى ما أخشاه أن يكون هو ايضا جزءا من مشكلة (التطرف) في بلادنا، لكن - بالطبع- هذا ليس وقت المحاسبة ،وانما المطلوب ان ننطلق، سواء على صعيد (المنابر) و المساجد، أو كليات الشريعة، أو الاعلام الذي لا يخصص ( للشؤون) الدينية الا القليل من صفحاته، أو المؤسسات المعنية (بنشر) الاعتدال - وما أقلها- لتأسيس خطاب مقنع ومؤثر، يشارك فيه الخبراء والمتخصصون، لنشر صورة الاسلام الحقيقية وقيمه السمحة...والردّ على (أفكار) العنف و التطرف و ارشاد ( الشباب) الى الصواب،ومعالجة من تورط منهم ، باعتباره ( ضحية) يحتاج الى العلاج لا الى العقاب.
أعرف ان ( قصة) المواجهة لآفات التطرف تحتاج الى تفصيل أكثر، لكن المجال الصحيح لمناقشة ذلك هو طاولة يجلس حولها (خبراء) يناط بهم وضع مايلزم من الأسس والتصورات و البرامج و الوسائل، وكل ما استطيع ان افعله هو أن اقترح بعض ما يستوجب التفكير به... موعدنا بعد غد السبت ان شاء الله
الدستور
آسف ، اذا كنت اسهبت في وصف هذه ( الصورة) التي نعرفها جيدا، لكنني لم أجد أبسط من هذه المقاربة للتذكير ( بأولوياتنا) المنقوصة أحيانا و المعكوسة أحيانا أخرى، صحيح أن (الحفاظ) على صحة الناس ومواجهة الامراض التي تهدد ( أبدانهم) يجب أن تكون في صميم اهتمام الدول ومؤسساتها، لكن الصحيح أيضا أن ( الحفاظ) على سلامة عقول الناس وأفكارهم ووعيهم وامنهم ، يفترض ان تكون أولوية ايضا، وما فعلناه أننا قدمنا الاولى على الثانية...لدرجة أن الاولوية الثانية غابت عن ( أجندتنا) وتوزع ( دمها) على القبائل.
للتوضيح أكثر، أسأل : ما الذي فعلناه لمواجه(امراض) التطرف و التشدد، وهل قامت مؤسساتنا المعنية بواجبها؟ الاجابة - بالطبع- معروفة، فنحن لم نسمع حتى الآن عن ( خطة) لمواجهة هذه الآفات المدمرة، ولم نر أحدا يتحرك باتجاه تحذير الناس وارشادهم ومعالجتهم اذا لزم الأمر، كل ما فعلناه لم يتجاوز ( التخويف) أحيانا و التطمين أحيانا أخرى... فيما (التطرف) يتصاعد وأعداد المنتسبين اليه تزداد، واخطاره تحدق بنا من كل اتجاه.
يكفي أن نسأل : أيهما أخطر على بلدنا (جنون البقر) الذي أفزعنا قبل سنوات،وكورونا الذي ودعناه وايبولا الذي يداهمنا الآن، أم جنون ( داعش) واخواتها، أيهما يحتاج الى ( استراتيجية) وطنية ومطاعيم جاهزة ومشاف ٍ مفتوحة وأطباء مهرة وخطاب اعلامي موحد وموازنات مخصصة للوقاية والمعالجة، هل يعقل أن غيرنا قد انتبه الى هذا الخطر البعيد عنه آلاف الأميال (المانيا و فرنسا مثلا) فنهض الى تشكيل فرق متخصصة لدراسة (التطرف) ومعرفة الاسباب التي دفعت بعض (المواطنين) المقيمين هناك للانضمام الى (داعش) و النصرة، ووضع ما يلزم من اجراءات (وقائية وعلاجية) للتعامل معهم ومنع انتقال العدوى الى غيرهم، فيما نحن الذين يهدد (التطرف) حصوننا من الداخل و الخارج مانزال (نفكر) في التصدي لهذا الخطر ؟.
منذ سنوات وأنا ادعو الى اصلاح مؤسساتنا الدينية و تجديد خطابها، والى اصلاح خطابنا السياسي ايضا، لكنني اليوم أجد نفسي مضطرا للحديث بصراحة عن ( تقصيرنا) في مواجهة أمراض التطرف، يكفي أن نشير الى أننا في هذا العام تحديدا لم ننظم أي مؤتمر عن ( التطرف)مع أن بلدنا من أكثر البلدان استضافة للمؤتمرات، ولم أوفق في العثور على ( مدونة) أو ( بروشور) يرد على أفكار دعاة ( التطرف) ويوضح حقيقة الاسلام لأجيالنا التي فتحت (لواقطها) على ارسال المتطرفين بعد أن غاب خطاب الاعتدال المقنع أو غيب عنها، كما أنني لم أجد مؤسسة استطاعت أن تتصدى بنجاح لهذه ( الآفات) وتقنع الناس بدورها وتجذب الشباب اليها...واذا وجدت فإن صوتها مازال داخل الجدران ولم يصل الى الجمهور...لأسباب يعرفها المعنيون و غير المعنيين.
باختصار ،لابد أن نبدأ على الفور بإصلاح مجالنا الديني، (دعك من المجال السياسي الآن) فهو الأقدر و المسؤول عن مواجهة خطاب (التطرف) واخشى ما أخشاه أن يكون هو ايضا جزءا من مشكلة (التطرف) في بلادنا، لكن - بالطبع- هذا ليس وقت المحاسبة ،وانما المطلوب ان ننطلق، سواء على صعيد (المنابر) و المساجد، أو كليات الشريعة، أو الاعلام الذي لا يخصص ( للشؤون) الدينية الا القليل من صفحاته، أو المؤسسات المعنية (بنشر) الاعتدال - وما أقلها- لتأسيس خطاب مقنع ومؤثر، يشارك فيه الخبراء والمتخصصون، لنشر صورة الاسلام الحقيقية وقيمه السمحة...والردّ على (أفكار) العنف و التطرف و ارشاد ( الشباب) الى الصواب،ومعالجة من تورط منهم ، باعتباره ( ضحية) يحتاج الى العلاج لا الى العقاب.
أعرف ان ( قصة) المواجهة لآفات التطرف تحتاج الى تفصيل أكثر، لكن المجال الصحيح لمناقشة ذلك هو طاولة يجلس حولها (خبراء) يناط بهم وضع مايلزم من الأسس والتصورات و البرامج و الوسائل، وكل ما استطيع ان افعله هو أن اقترح بعض ما يستوجب التفكير به... موعدنا بعد غد السبت ان شاء الله
الدستور