حزن موسمي
أحمد حسن الزعبي
جو 24 : هذا الصيف جعلني كهلاً فجأة ..صرت أبدّد الوقت فقط لأخسر يوماً من عمري...أتفقد الحنفية كل خمس دقائق ، ألف البربيش حول خصر الماسورة القريبة كلما سنحت لي الفرصة ، أنادي على الأولاد السارحين في ساحة الدار محذّراً من ضربة الشمس ، ومجرّد أن يدخلوا الغرف المغلقة ، أمشي وحيداً بين العشب اليابس بحثاً عن لا شيء ، وعندما اتعب من خشخشة القيظ التي تتعربش قدميّ .. أجلس على حافة العريشة ، أوهم نفسي أني استخرج شوك «الصّبار» العالق فوق كفّي..ثم أتذكر بعد ساعتين من مسح الكف بالإصبع ان لا «صبّار» أصلاً في حاكورتنا...ثم اخترع شيئاً آخر ليلهيني...
هذا الصيف جعلني هشّاً فوق العادة...صارت تبكيني المواويل التي يمّر بها أصحاب سيارات «الأفانتي» وقت الظهيرة فأمسح دمعي بكمّي قبل ان تراني الزوجة والأولاد ، كما صرت أشرق الدمعة من عيني كلما سمعت لفظ «أمي» في عتابا عابرة لسجين او مغترب على فضائية منوعة..وكلما تذكّرت عبارة كانت تقولها، او ضحكة كانت تطلقها ، او وسادة كانت تغفو عليها...يتكاثر غيم الحزن الموسمي فوق خط «الانكفاء» وينزل مطراً ساخناً...
هذا الصيف غيّرت اهتماماتي..صرت أنحني أمام الأولاد لأربط أحذيتهم ، وامسح لهم أنوفهم بمحرمتي ، واغسل لهم أيديهم من الطين، وانشّف عرقهم بطرف ثوبي الرمادي ..صرت أهتم ببراعم «الخبيزة الحمراء « وورق الريحان اليانع وجذور «العُطرة» المصطفة على نافذة مطبخ «أمي» المنخفض ، أكثر من مراقبتي لنحالة وجهي وطول شعري وخشونة ذقني..صرت مغرماً بزراعة قوارير الورد أكثر من كتابة مقال او سماع فيروز ..بالمناسبة صار لدي عشر «قوارات» موزعة على عشر درجات ...زرعت في سبعٍ منها بذور ريحان ودرّاق..وزرعت حبات «حصى» في ثلاث « أصص»..قلت في نفسي لا بدّ ان ازرع حصى من باب التغيير..صحيح انها لن تنبت ولن تورق..لكنها ستدفعني كل يوم لأسقيها.. انه احتيال على الأمل..
**
هذا الصيف جعلني أباً كهلاً يتوق لأولاده «المغتربين» ، ابحث عن أحذية صغارهم آخر الليل ، أغطي النيام منهم بشرشف خفيف، أمتدح كذباً ضرورة الغربة في ظل الظرف الاقتصادي البائس ،وأعدهم بزيارة هذا الشتاء ، لكني في نفس الوقت أتجنب النظر إلى حقائبهم فوق الخزائن، وأتلافى سؤالهم عن أسعار تذاكر «الإياب»..
هذا الصيف مرّ بطيئاً وحاداً وموجعاً كحدّ السيف...فيه فقدت أمي..وفيه فقدت طفولتي البرّية...حتى عصافيري المجنونة لم تعد تغفو على وسادة التمرّد...
***
ايها الصيف لن أجاملك..لقد كنت قاسياً..
الرأي
هذا الصيف جعلني هشّاً فوق العادة...صارت تبكيني المواويل التي يمّر بها أصحاب سيارات «الأفانتي» وقت الظهيرة فأمسح دمعي بكمّي قبل ان تراني الزوجة والأولاد ، كما صرت أشرق الدمعة من عيني كلما سمعت لفظ «أمي» في عتابا عابرة لسجين او مغترب على فضائية منوعة..وكلما تذكّرت عبارة كانت تقولها، او ضحكة كانت تطلقها ، او وسادة كانت تغفو عليها...يتكاثر غيم الحزن الموسمي فوق خط «الانكفاء» وينزل مطراً ساخناً...
هذا الصيف غيّرت اهتماماتي..صرت أنحني أمام الأولاد لأربط أحذيتهم ، وامسح لهم أنوفهم بمحرمتي ، واغسل لهم أيديهم من الطين، وانشّف عرقهم بطرف ثوبي الرمادي ..صرت أهتم ببراعم «الخبيزة الحمراء « وورق الريحان اليانع وجذور «العُطرة» المصطفة على نافذة مطبخ «أمي» المنخفض ، أكثر من مراقبتي لنحالة وجهي وطول شعري وخشونة ذقني..صرت مغرماً بزراعة قوارير الورد أكثر من كتابة مقال او سماع فيروز ..بالمناسبة صار لدي عشر «قوارات» موزعة على عشر درجات ...زرعت في سبعٍ منها بذور ريحان ودرّاق..وزرعت حبات «حصى» في ثلاث « أصص»..قلت في نفسي لا بدّ ان ازرع حصى من باب التغيير..صحيح انها لن تنبت ولن تورق..لكنها ستدفعني كل يوم لأسقيها.. انه احتيال على الأمل..
**
هذا الصيف جعلني أباً كهلاً يتوق لأولاده «المغتربين» ، ابحث عن أحذية صغارهم آخر الليل ، أغطي النيام منهم بشرشف خفيف، أمتدح كذباً ضرورة الغربة في ظل الظرف الاقتصادي البائس ،وأعدهم بزيارة هذا الشتاء ، لكني في نفس الوقت أتجنب النظر إلى حقائبهم فوق الخزائن، وأتلافى سؤالهم عن أسعار تذاكر «الإياب»..
هذا الصيف مرّ بطيئاً وحاداً وموجعاً كحدّ السيف...فيه فقدت أمي..وفيه فقدت طفولتي البرّية...حتى عصافيري المجنونة لم تعد تغفو على وسادة التمرّد...
***
ايها الصيف لن أجاملك..لقد كنت قاسياً..
الرأي