تدخل "صندوق النقد" ليس حلا ..
كتب محرر الشؤون الاقتصادية - سرعة تغيير الحكومات المتعاقبة في الاردن وبحث رؤساء الحكومات عن شعبيات وخوفهم في الوقت ذاته من أي سياسة لا تحمل في ثناياها تزلفا للشارع أدى إلى غياب الاطار العام العابر للحكومات والحاكم للقرارات الاقتصادية.
الدكتور ابراهيم سيف الباحث في كارنيغي في بيروت يرى ان تدخل صندوق النقد الدولي عبر ما كان يعرف في التسعينيات من القرن الماضي بسياسة التثبيت كان ايجابيا لأنه كان عابرا للحكومات وكان يتيح الفرصة للجميع سواء أكان مستثمرا أو مستهلكا للتنبؤ بأي خطوة اقتصادية الأمر الغائب الآن في الاردن.
خروج صندوق النقد الدولي من الاردن كان ضارا حسب وجهة نظر الباحث ابراهيم سيف، ويجادل بالقول أن انتهاء عمل صندوق النقد الدولي كان قد أفقد الاردن ذلك الاطار الحاكم وسياسة التثبيت الأمر الذي فاقم من المشكلة الاقتصادية فارتفع الانفاق العام لسببين: أولا المطالب الشعبية والضغوطات الكبيرة، وثانيا، لجوء الحكومات لسياسة الاسترضاء . طبعا الانفاق الكبير سبب في ارتفاع العجز في الموازنة وفي المديونية العامة للدولة الاردنية.
ما غاب عن ذهن الباحث وهو ينظر لصالح عودة صندوق النقد الدولي هو أن الارتفاع في الانفاق ليس بسبب الضغوطات الشعبية وانما بسبب تركز السلطة بيد فئة قليلة نتيجة لغياب الديمقراطية ما خلق الاجواء المناسبة لفساد غير مسبوق في تاريخ الاردن الحديث، فارتفاع المديونية لم يأت لأن الدولة قامت بالانفاق على الشعب بل لأن اللصوص تحكموا بالقرار الاقتصادي واتخذوا سياسات اقتصادية افقرت البلد . والحكومات التي ظلت قلقة من ردود الفعل الغاضبة لجأت لممارسات وسياسات لاحتواء المعارضين لهذا النهج الاقتصادي والقلقين على مآلاته حيث كثر شراء الذمم ونمت ظاهرة تفريخ الدوائر والهيئات المستقلة وتفصيل مسميات وظيفية لمحاسيب واقارب متنفذيين . ولعل الباحث لم ينتبه لتضخم موازنة الدفاع وكيف ان الانفاق العسكري في بلادنا تجاوز معدلات الانفاق في اكثر الدول رفاها وقوة وحضورا سياسيا وعسكريا في العالم .
نتفق مع الباحث ابراهيم سيف بأن استمرار هذا النمط من الادارة العامة سيفضي لأزمة نعيشها الان وستتفاقم ولكننا نختلف معه في دعوته لعودة صندوق النقد الدولي، المطلوب اصلاحات سياسية حقيقية تمكن الشعب الاردني من المشاركة الحقيقية في صناعة السياسة الاقتصادية ومحاربة الفاسدين واستعادة الأموال المنهوبة دون تدخل من صندوق النقد الدولي وهذه الاصلاحات تفرز بالضرورة مجلس نواب منتخب يمثل الارادة الحرة للاردنيين وحكومة برلمانية وفي هذه الحالة يقوم كل طرف بدوره ويمارس النواب سلطتهم الرقابية على نحو يمنعون فيه هذا النهج الاقتصادي الذي كرسه صندوق النقد والقائم على مبدأ الخصخصة وتخلي الحكومة عن واجباتها الدستورية . ونذكر الباحث أن الحكومات لم تتزلف للشارع ولم تسترضيه بدليل ارتفاع الاسعار الهائل في السنوات العشر الاخيرة، فسياسة الحكومات الضريبية ادت الى افقار الشعب لصالح فئة قليلة من اصحاب رأس المال وخاصة بعد أن أصبح هناك تزاوجا غير شرعي بين رأس المال والسلطة.
ويخطئ الباحث عندما لا يأخذ بعين الاعتبار حقيقة ان الحكومات المتعاقبة انحازت لصالح اصحاب رؤوس الأموال وعبرت عن مصالحهم في الكثير من القضايا والجميع يعرف كيف أن البنك العربي على سبيل المثال يدفع ٤٥٪ ضريبة في اميركا عن فروعه هناك ويدفع فقط ٢٥٪ في الاردن بحجج اقتصادية لم تعد تنطلي على احد.