مهلاً أيتها الببغاوات !!
خيري منصور
جو 24 : هل تكفي ثلاثة أعوام فقط كي ينقلب كل شيء وتستدير الببغاوات مئة وثمانين درجة لتردد صدى ما تسمع حتى لو كان على النقيض مما رددته بإلحاح من قبل؟
لقد صدق المثل القائل «فوق حقه دقه»! فمن قالوا قبل ثلاثة أعوام إن ما يجري في العالم العربي ليس ربيعا إلا بمقياس الخراف والنعاج، ومن كانوا الأدرى بشعاب تلك الفوضى الكوندليزية تعرضوا لما هو أبعد من سوء الفهم، وهو التخوين أو التواطؤ مع الأنظمة السياسية وما يحدث الآن هو أن من برطعوا في ربيعهم أصبحوا على يسار من قرأوا ذلك الربيع ورأوا فيه قناعا لخريف قومي مزمن قد لا تبقى فيه ورقة توت واحدة لستر العورات! وقد أصبحنا نردد في الكتابة عن هذا الموضوع خشية أن تدَّعي الببغاوات أننا نردد صدى الصدى بحيث يصبح المسروق سارقا!
لقد كنت عائدا للتو من القاهرة بعد الخامس والعشرين من يناير عندما كانت الببغاوات ترقص في المأتم وكان عليَّ شأن آخرين أن اعتذر عما أقول، لأن الموجة عارمة والدخان يحجب الآفاق كلها، ولم أتصور أن عامين أو ثلاثة تكفي لأن يعيد البعض النظر في كل ما قالوا، فالشمس أصبحت تشرق من الغرب والربيع لم يعلنه طائر السنونو بل نعق على أطلاله الغراب، ومن أعسر الأمور على العقل والهضم أن تزعم الببغاء أنها تصدر الصوت، وأن ما تردده ليس مجرد صدى لما سمعت وأنكرت.
نحمد الرب أن الزهايمر السياسي لم يتحول إلى وباء، وان هناك ارشيفات تحتفظ لكل منا بما تورط به عن وعي أو دون وعي، أما المفارقة فهي أن الغلاة -كما هي العادة- يفرطون في كل شيء حدّ التفريط وها هم يقولون إن ما جرى كان صناعة أمريكية وهو مُعفى من ضرائب التصدير، ما يضطرنا مرة أخرى إلى الدفاع عن عوامل ذلك الحراك وما أدى اليه فائض الكتب في كل المجالات من انفجارات عشوائية.
لكن الببغاوات لا تتعامل مع الظواهر المركبة والمعقَّدة فهي أسيرة الثنائيات التي تنسب إلى الفيلسوف «مانو»، فإما الخير الخالص أو الشر المحض وإما الربيع الذي تندلع فيه الخضرة حتى في خشب التوابيت أو الخريف الذي لا يُبقي ولا يذر..
مهلا أيتها الببغاوات، فالأرشيف لم يحترق بعد على طريقة فيلم 455 فهرنهايت والناس لم يفقدوا الذاكرة!
الدستور
لقد صدق المثل القائل «فوق حقه دقه»! فمن قالوا قبل ثلاثة أعوام إن ما يجري في العالم العربي ليس ربيعا إلا بمقياس الخراف والنعاج، ومن كانوا الأدرى بشعاب تلك الفوضى الكوندليزية تعرضوا لما هو أبعد من سوء الفهم، وهو التخوين أو التواطؤ مع الأنظمة السياسية وما يحدث الآن هو أن من برطعوا في ربيعهم أصبحوا على يسار من قرأوا ذلك الربيع ورأوا فيه قناعا لخريف قومي مزمن قد لا تبقى فيه ورقة توت واحدة لستر العورات! وقد أصبحنا نردد في الكتابة عن هذا الموضوع خشية أن تدَّعي الببغاوات أننا نردد صدى الصدى بحيث يصبح المسروق سارقا!
لقد كنت عائدا للتو من القاهرة بعد الخامس والعشرين من يناير عندما كانت الببغاوات ترقص في المأتم وكان عليَّ شأن آخرين أن اعتذر عما أقول، لأن الموجة عارمة والدخان يحجب الآفاق كلها، ولم أتصور أن عامين أو ثلاثة تكفي لأن يعيد البعض النظر في كل ما قالوا، فالشمس أصبحت تشرق من الغرب والربيع لم يعلنه طائر السنونو بل نعق على أطلاله الغراب، ومن أعسر الأمور على العقل والهضم أن تزعم الببغاء أنها تصدر الصوت، وأن ما تردده ليس مجرد صدى لما سمعت وأنكرت.
نحمد الرب أن الزهايمر السياسي لم يتحول إلى وباء، وان هناك ارشيفات تحتفظ لكل منا بما تورط به عن وعي أو دون وعي، أما المفارقة فهي أن الغلاة -كما هي العادة- يفرطون في كل شيء حدّ التفريط وها هم يقولون إن ما جرى كان صناعة أمريكية وهو مُعفى من ضرائب التصدير، ما يضطرنا مرة أخرى إلى الدفاع عن عوامل ذلك الحراك وما أدى اليه فائض الكتب في كل المجالات من انفجارات عشوائية.
لكن الببغاوات لا تتعامل مع الظواهر المركبة والمعقَّدة فهي أسيرة الثنائيات التي تنسب إلى الفيلسوف «مانو»، فإما الخير الخالص أو الشر المحض وإما الربيع الذي تندلع فيه الخضرة حتى في خشب التوابيت أو الخريف الذي لا يُبقي ولا يذر..
مهلا أيتها الببغاوات، فالأرشيف لم يحترق بعد على طريقة فيلم 455 فهرنهايت والناس لم يفقدوا الذاكرة!
الدستور