خلافات الاسلاميين وانعكاساتها المباشرة على المشهد السياسي في الاردن
كتب د. حسن البراري - الخلافات داخل حركة الاخوان المسلمين بخصوص الانتخابات البرلمانية القادمة تعكس خلافا اكثر عمقا متعلق بالأولويات السياسية لتيارين داخل الحركة. ومع أن رموزا في الحركة ينفون وجود معسكريّ الحمائم والصقور إلا أن الخلافات الداخلية التي بدت تتكشف (بين تيار مقرب جدا من حماس والتيار الاخر الذي يولي اهتماما بالغا في الشأن المحلي الاردن) لم يعد اخفاؤها أمرا ممكنا.
والمتابع للحراك الداخلي لأي حزب سياسي حقيقي سيجد أن هناك دائما انقسامات تتعلق بالموقف واحيانا بالتشخيص وبالاستراتيجية التي ينبغي اتباعها لتحقيق اهداف الحزب السياسي، ولا يمكن أن تكون حركة الاخوان المسلمين خارج اطر الدراسة، الأمر الذي يؤكد حقيقة وجود تيارين.
وفي مقالة غير اعتيادية للدكتور ارحيل غرايبة (الذي ينتمي لتيار خسرمواقعه في مجلس الشورى وفي المكتب التنفيذي في الانتخابات الاخيرة) انتقد تسميات الصقور والحمائم، غير انه اضاف "أن هناك اختلافا بين فريقين في ترتيب أولويات العمل لدى التنظيم، وهذا الاختلاف لم يعد محصوراً في الصف القيادي الأول للجماعة، بل تعداه الى الصف الثاني والثالث حتى وصل الى القاعدة العريضة، ولم يتم حسم هذا الموضوع بشكل حقيقي وقاطع، رغم الجهود الكبيرة التي بذلت خلال السنوات السابقة، والتي أثمرت عن توافق نظري مكتوب على الورق ومبرمج على شكل خطط وبرامج، لكن تنفيذه على ارض الواقع كان وما زال صعبا.”
ويقول الدكتور ارحيل غرايبة ان هناك تيارا يعطي الاولوية للقضية الفلسطينية باعتبار ان الاردن ساحة مهمة وبخاصة في ظل التطورات الحالية في الاقليم، فالمشاركة بالانتخابات هي ضرورة تتفق مع موقف الاسلاميين في الاقليم يشكل عام. أما التيار الاخر الذي يتزعمه رموز شرق اردنيين فيرى أن المعركة الاساسية هي معركة الاصلاح السياسي في الاردن. فتيار ارحيل غرايبة والشيخ سالم الفلاحات يرى على حد تعبير الأول "أنّ نجاح هذا المشروع سيصب حتما في مصلحة مشروع القضية الفلسطينية باعتبارها مسألة أمّة عربية وإسلامية وليست مسألة فلسطينية أو فصائلية، وهذا يؤكد أنّه لا حاجة للتناقض المصطنع.”
الامين العام لحزب جبهة العمل الاسلامي حمزة منصور اكد ان هناك خلافات داخل الحركة وقال انها ليست المرة الاولى التي يظهر فيها تباين الاراء على وسائل الاعلام مشيراً إلى ان هذا الأمر لا يقلق طالما الكل يؤكد على وحدة الصف ووحدة الجماعة. ويرى منصور أن التباين في الرأي نوع من التعددية وجدت بالسابق لكنها بدأت تظهر للسطح مؤخراً. وبين أن نقطة الخلاف الاساسية هي زيارة وفد من المكتب التنفيذي لجماعة الإخوان المسلمين إلى دائرة المخابرات.
وقال ان الاختلاف في وجهة النظر في هذه الحيثية يتمثل بأن الحوار يجب ان يكون مع حكومة صاحبة ولاية عامة. وقد أكد القيادي البارز نمر العساف على وجود هذه الخلافات مؤكدا على أن اختلاف وجهات النظر امر صحي إذ من غير المعقول انسانيا ان لا يكون هنالك اختلاف في وجهات النظر، لكنه اضاف أن اللقاء مع مدير المخابرات جاء على خلاف ما كان متفقا عليه، واضاف بأنه مع الفكرة القائلة بأن كافة الامور ينبغي أن تكون تحت مظلة رئاسة الوزراء وليس من وظيفة المخابرات ان تتدخل او تدير الانتخابات او تعين النواب.
الخلافات داخل الحركة ليست جديدة وربما يشعر ارحيل غرايبة أن تيارالصقور قد خذله في انتخابات عام ٢٠٠٧ ولم يلق بكامل ثقله خلف جماعته في الانتخابات، وكأنه -أي تيار الصقور- كان يتمنى فشل الحمائم في تلك الانتخابات ليؤكد صحة موقفه ولكي يجرد الحمائم من سيطرتهم على مؤسسات الحركة وهو ما حدث.
التشدد في موقف الحمائم يعود إلى ما بعد عام ٢٠٠٧ وهنا يرى تيار الحمائم أن الخلاف الحالي المتعلق بالمشاركة في الانتخابات او مقاطعتها لايخضع لموقف التشدد او الاعتدال، وانما كيف تخدم المشاركة، في حال اتخاذ قرار بشأنها، عملية الاصلاح السياسي بعيدا عن منطق الصفقات بين الحركة والدولة.
والمتتبع للتفاعلات الاخيرة بين اعضاء من الحركة وقيادات حماس يلحظ عملية اقصاء رموز تيار الحمائم من هذه اللقاءات سواء مع حماس أو مع الدولة، وهو ما يرجح ان صقور الحركة غير مهتمين بالاصلاح السياسي الا بمقدار خدمة ذلك لتوجهاتهم في التعبية لحماس وخدمة مصالح الأخيرة على كل الساحات.
صحيح ان الخلافات بقيت دائما في اطار الحركة غير أن زيارة مشعل الأخير لعمان دفعت بالخلافات للظهور للعلن، فلم يسبق أن كتب ارحيل غرايبة بهذه القسوة على من اعتبرهم يمثلون دور الصقور. وكان ما نسب للسيد مشعل من تصريحات اثركبير في النقاش العام، حيث انتقد البعض ما اسموه تدخلا من قبل خالد مشعل في الشؤون الداخلية الاردنية وخاصة في ظل التسريبات والتكهنات بأن خالد مشعل هو الوسيط في صفقة تتم بين صقور الاخوان والدولة تفضي الى مشاركة الاخوان في الانتخابات القادمة وهو أمر يبدو ان الدولة مندلقة لتحقيقه، بالرغم من تصريحات الطراونة بأنه لا يستجدي احدا.
ويبدو ان رهان الدولة في استقبال خالد مشعل وفتح الابواب (التي كانت موصده في وجهه) لم تستند إلى قراءة صحيحة للتطورات داخل الحركة الاسلامية وبهذا تكون الدعوة تعبيرا عن فشل استخباري لمعرفة اتجاهات مشعل نفسه.
وعلى عكس الخلافات التي دبت في صفوف الحركة في عام ١٩٩٧ ونتج عنها انشقاق مجموعة قامت بتأسيس حزب لم يثبت جدارته، فإن الخلافات الحالية على الارجح لن تصل إلى نقطة الانشقاق وهو أمر اكد عليه القيادي البارز على ابو السكر.
ويقول ابو السكر ان الخلافات هو ما يتمناه البعض، وهو أمر يتفق مع ماذهب اليه حمزة منصور. وهذا يعني أن الخلافات حول اولوية القضية الفلسطينية مقابل اولوية ملف الاصلاح السياسي تتعدى تسميات صقور وحمائم وفيها خلط، والا لكان السيد ابو السكر وحمزة منصور اقرب لموقف همام سعيد وزكي بن ارشيد منه لموقف ارحيل غرايبة. فالقضية الفلسطينية هي القضية المركزية وهناك اجماع على هذا بين كل مكونات الحركة. الفرق هو في اصرار ارحيل ومن يؤمن بخطه السياسي بضرورة تسخير كل الامكانات لصالح الملف الداخلي على حساب الخارجي.
الخلاف بين مجموعة ارحيل ان جاز التعبير وخصومهم داخل الحركة يتعلق ايضا باستقلالية قرار الحركة، ففي حين يرى ارحيل غرايبة أن تنظيمه يجب ان يأخذ بعين الاعتبار شركاءهم في الحراك الاصلاحي، يصر صقور الحركة على أن القرار داخلي وحسب ما تقتضيه رؤية الحركة لمجمل القضايا، طبعا استمر ارحيل غرايبة ومن معه في علاقات وثيقة مع الحراك الشعبي والسياسي محاولين بذلك ايجاد جبهة عريضة تحتوي على اسلاميين وغير اسلاميين، وهو امر تحقق الا ان هناك من يقول بان الحركة ترتد عنه. غير أن الشيخ سالم الفلاحات يضغط باتجاه احترام موقف الشارع والشركاء في الحراك. ويقول الفلاحات أن احترام الشارع والشركاء امر في غاية الأهمية، و“لن تنفرد بالقرار بعيدا عن الشارع موقف مشترك مع الشعب،" على حد تعبير الفلاحات.
الان في ظل استدارة الدولة عن الاصلاح ستقرر الحركة فيما اذا كانت ستشارك في الانتخابات ام لا. وفي حال كان الجواب ايجابيا عندها يطرح تساؤل عما إذا جاءت المشاركة بالتفاهم مع الدولة أم لا، وتفيد بعض التسريبات أن لقاءات مشعل مع بعض رجالات الدولة انتهت برسالة واضحة تفيد بأن الاسلاميين هم في طريقهم للمقاطعة ما دام قانون الصوت الواحد هو جوهر قانون الانتخابات، فمحاولة اغراء الاسلاميين بالقائمة الوطنية الموسعة قد لا تجدي نفعا لاضفاء شرعية اخوانية على الانتخابات القادمة.
وعودة على بدء، نقول أن ارحيل غرايبة الذي يعرف الحركة الاسلامية عن ظهر قلب كان على الارجح متوجسا من احتمالية عقد صفقة بين الدولة والاخوان على حسابه وحساب تياره السياسي داخل الحركة، وهذا ما دفعه لاستخدام مفردة مشرط الطبيب في اشارة الى تصعيد قد ينتهي بسيناريوهات لا تفيد أيا من المعسكرين داخل الحركة.
وهنا يجب ان نشير إلى أنه في هذه الحالة فإن قرار المشاركة ربما لن يخضع لمبدأ الاكثرية مقابل الأقلية، وقد تعمد الحركة في اللحظة الاخيرة إلى توحيد موقفها خوفا من الانقسام بدلا من صفقة مع الحكومة قد تضعف الحركة والتيار المتساهل(الصقور) داخلها.