2024-12-23 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

لماذا يتعاطف هؤلاء مع «الدولة الإسلامية»..؟!

حسين الرواشدة
جو 24 : إذا كان دعاء بعض الخطباء لـ»البغدادي» على المنابر أثار استهجاننا وأصابنا بالصدمة، كما انه دفع وزارة الأوقاف الى مساءلتهم ومنع بعضهم من الخطابة، فإن ما سمعته من بعض المتعاطفين مع «داعش» – منهم أكاديميون ومثقفون- حول أسباب هذا التعاطف صدمني وفاجأني أكثر، لكنني سأتجاوز «حالة» الصدمة هذه لكي أطرح سؤالاً واحداً وهو: لماذا اندفع هؤلاء الى «التعاطف» مع الدولة الإسلامية؟
الإجابات التي وصلتني تركزت حول «4» اسباب اساسية، الاول: ان ما تقوم به (الدولة الاسلامية)هو جهاد مشروع ودفاع عن النفس، الثاني: ان الإرهاب المسكوت عنه الذي تمارسه دول وانظمة اخرى اشد بشاعة مما فعلته «داعش»، ورغم ذلك فإن هذه الدول والانظمة تحظى بقبول عالمي او انها –على الأقل- تجد من يتواطأ معها لتمرير هذه الممارسات، الثالث: ان هنالك مبالغات اعلامية في تصدير صورة «التطرف» والعنف التي تمارسها «داعش»، وهذه المبالغات مفهومة في سياق «الشيطنة» او لتمرير اهداف تتعلق بتشويه صورة الاسلام والمسلمين وتمزيق دولهم، رابعاً: ان اهل السُّنة في العراق وسوريا صبروا عقودا طويلة على الظلم الذي لحق بهم،وانحازوا لمنطق «السلم» حتى فاض بهم الكيل، وبالتالي فإن من حقهم أن يقاتلوا لرفع الظلم عنهم واسترداد حقوقهم.
يمكن –بالطبع- مناقشة هذه «الدفوعات» والرد عليها، فهي في الغالب ترتكز على قناعات مغشوشة منها الاعتراف بأن ما قامت به الدولة «الاسلامية» يقع في مربع (الحق) وهو كهدف هنا مبرر ومسوَّغ لـ«الدفاع عن النفس» ورفع الظلم، واذا حصل ان كان ثمة اخطاء فهي في الوسائل فقط ، لكن السؤال:هو تبرر الأهداف النبيلة والسامية استخدام الوسائل غير المشروعة،وهل يصب ما قامت به الدولة في مصلحة المسلمين أم انها تسيء اليهم وتحشد العالم ضدهم، ثم هل يجوز الرد على «الظلم» بظلم اشدّ يشمل المعتدين والمسالمين معاً، وأين هي عندئذ –أخلاقيات- الدولة الاسلامية التي تميزها عن غيرها...ألا تستوي فيما تفعله مع غيرها من الدول التي تعتبرها «مجرمة».
أعرف أننا بحاجة الى نقاشات وردود أعمق لتوضيح الصورة امام هؤلاء، سواء الذين يتعاطفون مع الدولة الاسلامية بدوافع عاطفية وحماسية «دينية» تستند الى تراث فقهي ودعوي حان وقت مراجعته أو الآخرين الذي تحركهم الحسابات السياسية التي تفرضها حالة الفوضى في عالمنا العربي،لكن حين ندقق في صورة هذا التعاطف نكتشف انه يذهب الى عنوان اساسي واحد وهو «النكاية» ، فمعظم هؤلاء يشعرون بالقهر والظلم من الواقع الذين يعيشون فيه، ولأنهم لا يستطيعون تغييره بصورة عقلانية ومن الابواب المشروعة فإنهم يرون في أي بديل آخر حتى لو كان ينتسب الى «الشيطان» حلا مقبولا...وطريقا اضطراريا لا يترددون في السير عليه.
إذن، الدافع الأول للتعاطف مع «التطرف» الذي تمارسه الدولة الاسلامية هو «النكاية» سواء من الذات او من الآخر، من الواقع السياسي أو الاقتصادي، من الفساد أو الاستبداد،والنكاية –هنا- تتشكل في صور عديدة منها الانتقام ومنها َضرب الظالمين بالظالمين» ومنها الثأرية ومنها ضرورة وجود «الجهلاء» والمجانين لاسترداد الحقوق وهكذا وفقاً للمأثور الديني والشعبي.
لكن في العمق تبقى اشارتان مهمتان يقبع وراءها «سرّ» هذا التعاطف،الاولى: تتعلق بالدولة البديلة التي تطرحها ظاهرة «الاسلام المسلح»،وهي قائمة على «القوة» والقهر والاعتزاز بالذات ومواجهة «العدو» ومع انها غير مقبولة على المطلق في الاطار العقلاني للمسلم، إلا أنها في سياقها التاريخي والواقعي تبدو مطلوبة ومرحبا بها ايضا: تاريخيا لأنها مثلت مظلة للانجاز الحضاري في تجربتنا الاسلامية حيث ارتبط «الانجاز» بالدولة المستبدة العادلة، و واقعيا لأنها تمثل «البديل» للدولة القائمة التي عجزت عن «انجاز» اي شي وتمادت في القمع والاستبداد والتبعية.
أما الاشارة الأخرى فتتعلق بـ»الدِّين» الذي تنتسب اليه هذه الدولة وتتمسح به، واعتقد أن «التعاطف» الديني من قبل الذين تعرضوا لما يسمَّى بـ»الإسلام كوست» (حرق المشاعر الإسلامية) مع أي «تنظيم اسلامي» يتنبى فكرة الردّ «بالقوة» يبدو مفهوما في سياق ما تعرض له الدِّين وابناؤه من محاولات للبطش والقمع، ومع أن هذا «التعاطف» يعبر عن جهل ( ربما يكون متعمداً احياناً) بمقاصد الدين وقيمه، وبأولويات المسلمين وخياراتهم ومصالحهم الا انه يعكس في سياق «النكاية» التي اشرنا لها، رغبة دفينة باستعادة «أمجاد» الماضي، واحساساً متراكماً بالقهر،ومحاولة بائسة للتحرر من الضعف وفرض الهيبة حتى لو كان ذلك بـ»الانتقام» من الذات والآخر على حد سواء.
باختصار، إذا أردنا أن نواجه هؤلاء «المتعاطفين» مع الدولة الاسلامية ومع «الإسلام المسلح» عموماً، لا بدّ أن نفهم هذه الدوافع ونتولى الردّ عليها بمنطق سياسي وديني سليم، ربما لا يكفي هنا أن نبادر إلى «اقصاء» هؤلاء أو محاسبتهم بل لابدّ –كما أسلفت- من فتح هذا الملف للنقاش العام على طاولة حوار صريح هدفه الاقناع والتأثير وليس المجاملة أو التوظيف أو الإدانة والمعاقبة فقط.

الدستور
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير