jo24_banner
jo24_banner

الايرانيون قادمون و(أمّ القرى) تتحرك..!!

حسين الرواشدة
جو 24 : حين زرت إيران قبل (4) سنوات كتبت في هذه الزاوية عن طهران التي تتكلم من فوق برج (ميلاد) وهو - لمن لا يعرفه- أحد أهم المعالم التي بناها الايرانيون بعد الثورة (يبلغ ارتفاعه 450م ويضم حدائق ومتاحف ..إلخ)، لم يخطر ببالي -ربما- آنذاك ان ذلك الصوت الذي تخيلته سيصل الينا بهذه السرعة، ويتحول الى (زلزال) يدك المنطقة بأكملها.
استأذن القارئ الكريم بإعادة تحرير واثبات ما ذكرته قبل سنوات عن المنطق الذي فكرت فيه طهران منذ انطلاق الثورة وحتى بناء الدولة ثم تمددها خارج حدودها، وأترك له الحكم على ما حدث فعلا وما سيحدث في المستقبل أيضا.
* - ايران تتقدم في كل اتجاه: في افريقيا واسيا، في اوروبا وامريكا اللاتينية، ايران اليوم تعمل وتتكلم، تارة باسم الثورة ومبادئها وقيمها وما تثيره من عواطف، وتارة باسم الدولة و”ماكنة” استثماراتها وجيوشها ونفوذها الضخمة.
*- “مراسيم” التوقيع على اتفاقية “النووي” بين ايران والدول الست الكبرى يمكن ترجمتها –بالنسبة لمنطقتنا على الاقل- في كلمتين هما باختصار: “الايرانيون قادمون”.
هذه النتيجة –بالطبع- لم تكن صدمة، وانما هي –ايضا- انعطافة تاريخية يفترض ان تدق اجراس الحقيقة في عالمنا العربي، واذا كان ثمة من تفاجأ بها فهو احد اثنين: اما انه لا يعرف كيف تفكر طهران وماذا تريد، أو انه يعرف ذلك تماما لكنه أخطأ في رهاناته السياسية وتقديراته الاستراتيجية.
*- بدأت طهران في صياغة “استراتيجياتها” منذ انطلاق الثورة “1979” على اساس فكرة “الحكومة الاسلامية العالمية” التي قدمها الامام الخميني، وفق نظرية “تصدير الثورة”،إذْ اشار الى الطبيعة “الكونية” لهذه الحكومة والى ضرورة “تعميم” وتصدير الثورة لتحقيقها، عادّا أنّ ايران هي “النموذج” الصالح لانجازها، لكن هذه الرؤية جرى “تطويرها” من قبل مهندس السياسة الايرانية “محمد جواد لاريجاني” وقد كان بالمناسبة من أوائل من دعا الى ضرورة “التقارب” مع امريكا والغرب، وفصل من منصبه بسبب هذه الدعوة، “يشغل الآن رئيس مجلس الشورى”، ففي كتابه “مقولات في الاستراتيجية الوطنية” قال لاريجاني أن ايران هي “ام القرى” وبالتالي فانها تشكل “مركزا” للعالم الاسلامي، وهزيمتها او انتصارها هزيمة أو انتصار للإسلام كله، ومن هنا لا بد من الحفاظ عليها ليس فقط داخل حدودها وانما في اطار “رسالتها” العالمية، وعليه فقط طرح فكرة “التمدد الجغرافي” باعتبار ان نجاح اية “امبراطورية” يعتمد على قدرتها على توسيع حدودها واطلق على الحكومة المناط بها تحقيق ذلك “الحكومة الاسلامية العملية” والعملية هنا هي البديل عن “العالمية” التي اشار اليها الخميني.
*- عمليا لا بدّ أن نفهم بأن الثورة، اية ثورة، لا تستطيع ان تنحاز للجمود أو ان تغلق الابواب على نفسها، وبأن تراكمات (المظلومية) التاريخية ونزعات الثأر والانتقام (دعك من الطموحات السياسية والمصالح والوطنية والقومية) تستيقظ دائما في لحظة ما وتعبر عن نفسها في أية فرصة، وبأن (الفراغ) وفق قوانين الفيزياء والطبيعة لا ينتظر طويلا ليختار من يملأه، وقد كانت طهران أول المتقدمين لملئه .
*- إذا كان العام 2013 هو عام “تأجيج” الصراعات فإن عام 2014 سيكون مرشحاً لتسديد الفواتير وتصفية الحسابات، ومن اهم هذه الفواتير فاتورة “الصفقة الكبرى” بين ايران والستة الكبار، ومن المفارقات أن عالمنا العربي هو المرشح الوحيد لدفع قيمة هذه الفواتير وأثمانها الباهظة، لا على صعيد اشعال الحرائق بين السنة والشيعة فقط، وانما على صعيد “نشوء” تحالفات جديدة قد تغير شكل المنطقة كلها، تكون فيها طهران” التي تبدو الدولة الوحيدة التي تستعيد نفوذها وحضورها المرشح الاول “لتقرير” مصير المنطقة، وتحديد أدوار الفاعلين فيها أو ضبط ايقاع احداثها المختلفة.
*- يبدو السؤال عن كيفية تعاملنا مع طهران الان ضروريا ولدينا ثلاثة خيارات: أحدها الدخول في صراع مع ايران بصفتها خطرا على عالمنا الإسلامي ويمكن تبرير هذا الخيار بالكثير من المسوغات والأدلة، أمّا الخيار الثاني فهو الاستمرار في تجاهل هذه “المستجدات” التي طرأت على “الخريطة” الاقليمية ومحاولة بناء “مصدات” سياسية للتقليل من أخطارها بالاعتماد مجددا على “لعبة” المصالح مع الغرب، ويبقى الخيار الثالث وهو استقبال ذبذبات “النفوذ” الايراني للتفاهم مع طهران على قاعدة بناء “قواعد” جديدة للخيارات والمصالح المشتركة، بما يضمن عدم استعداء ايران وعدم تمكينها بالتالي من تهديد مصالح جيرانها.. وبما يضمن ايضا بناء “تفاهمات” حقيقية بين “القوميات” الثلاث في المنطقة “الاتراك، العرب، الفرس” في مواجهة القومية اليهودية الدخيلة على المنطقة.
اذا سألتني: اي الخيارات أجدى؟ الخيار “ان شئت الاضطرار” الثالث هو الأفضل، بالطبع، لكنه يحتاج الى شرط اساس وهو ضرورة “انتاج” مشروع عربي، او تحالف عربي، قادر على الجلوس مع ايران “وتركيا ايضا” على طاولة الحوار بندّية وقادر -ايضا- على “التكيف” مع التحولات التي تشهدها المنطقة والعالم، ومن دون ذلك فانه لا يجوز لنا ان نلوم غيرنا “سواء طهران أم سواها” اذا ملأ الفراغ الذي عجزنا عن ملئة واشغاله.


الدستور
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير