ماذا بعد "داعش" ؟
عبثا يحاول البعض خلق انطباع بأننا أمام حالة جديدة ينحاز الواحد فيها إما لفكرة ضرب تنظيم داعش الارهابي وما يستلزمه ذلك من تبعيه للأجندات الأميركية في المنطقة أو للتعبير عن معارضة ضرب داعش وما يعنيه ذلك من اصطفاف مقصود أو غير مقصود خلف تنظم ارهابي ينشر ثقافة الكراهية ولا يقيم وزنا لقيمة حياة الانسان.
فعدد من الأنظمة العربية (وبخاصة التي قادت الثورة المضادة للربيع العربي) طربت فرحا لصعود داعش وكأن داعش هي خيار ثورات الربيع العربي، فهذه الأنظمة تحالفت لشيطنة واقصاء الاخوان المسلمين وشجعت التنظيمات المتطرفة من أجل ارسالة رسالة للغرب تفيد بأن البديل لهذه الانظمة السلطوية الممتثلة والمذعنه للغرب ليس الاخوان المسلمين المعتدلين الذين قبلوا بقواعد اللعبة الديمقراطية وانما الوجه الآخر للإسلام السياسي الذي يرفض الحياة ويرفض القيم الغربية وبخاصة الديمقراطية. ورهان الانظمة المعادية للديمقراطية التى تخشى تمكين الشعوب في منطقتنا هو أن الانطواء تحت لواء الولايات المتحدة في حرب الأخيرة على الارهاب إنما يرفع من قيمة أدوارها الوظيفية. وبالفعل تجلت المفارقة بأبشع صورها عندما حاول بشار الاسد أن يلعب هذه اللعبة عندما توسل بكل الطرق الممكنة لأن يقبل به الغرب لأن يلعب دورا وظيفيا مقابل البقاء السياسي.
ومع أن هناك ما يشير إلى أن الحملة العسكرية الدولية على داعش ستنجح في اضعاف قوته ( وربما القضاء عليه) إلا أن هناك سؤالان لا يبدو أن أحدا مستعد لتقديم الاجابة عليهما. أولا، ما هو رد فعل هذه الدول في حال خرج النظام السوري مستفيدا مما يجري الآن، وما هو موقف الغرب من ذات الانظمة التي انطوت تحت لوائه لكنها انتهجب سياسات ساهمت في تفريخ الارهاب والعنف والاقصاء والتهميش؟
النظام السوري
ما من شك أن هناك تقاطعا في المصالح بين النظام السوري ومن يقف معه (إيران وحزب الله) والغرب ومن يقف خلفه (الانظمة العربية) في حالة داعش وإن كان هناك توظيف مختلف لكل طرف. أبرز التحليلات التي صدرت عن استراتيجيين أميركيين مرموقين تشير إلى أن هناك احتمال كبير بأن يخرج بشار الأسد مستفيدا من الحملة الدولية على داعش وبخاصة بعد أن بدأت قوات الاسد تخسر مواجهاتها مع داعش في الأشهر الأخيرة. بمعنى أن الولايات المتحدة انما تساعد النظام السوري في سياق صراع الأخير مع داعش وجبهة النصرة. وبالفعل نشرت صيحفة النيويورك تايمز تقريرا يوم الثلاثاء الماضي يشير إلى أن إمكانية استفادة النظام السوري ستشكل حقل الغام للادارة الاميركية وستكشل ضربة أخلاقية للجهود التي تبذل للقضاء على الارهاب بسوريا.
والسؤال المطروح اميركيا هو من هي الجهة التي ستملأ الفراغ في حال اضعاف أو انهاء داعش؟ من هنا وافق الكونغرس الأميركي على خطة أوباما التي تقضي تسليح وتدريب المعارضة المعتدلة بعد التحقق من هويتها واجنداتها واهدافها. طبعا هذه علمية ستأخذ وقتا طويلا قبل أن تتمكن المعارضة من شن هجمات مؤثرة على داعش وعلى النظام السوري في الوقت ذاته.
وربما لا نذيع سرا إن قلنا أن المعارضة ليست فقط مشرذمه وانما متقوقعة في بنى جغرافية واقليمية وربما عشائرية ولم تصل إلى مستوى بناء بنى وطنية تعمل بشكل حقيقي، لذلك هناك احتمال أن تتحول هذه المعارضات إلى سبب من اسباب انتشار الفوضى وتأخذ النموذج الصومالي (صوملة وامراء حرب). لذلك قبل تقديم الدعم لهم يجب ان يبذل جهدا كبيرا في توحيد هذه المعارضات وهذا يتطلب أن اتفاقات اقليمية حتى بين الدول المؤيدة للثورة السورية وهو ما لا يحدث لغاية الآن.
دول التحالف
انضمام عدد من الدول العربية إلى التحالف لضرب داعش وانهائها هو خيار استراتيجي صحيح (من وجهة نظري) لأنه لا يمكن التسامح مع تنظيم عابر للدول ولا يعترف بالحدود ويطرح برنامجا كارثيا كما هو الحال مع الدولة الاسلامية، لكنه خيار ناقص لأنه يتعامل مع مظاهر الازمة وليس جذورها. فالتطرف في المنطقة ليس جينيا وإنما نتاج لظروف ساهمت عقود من سياسات التهميش والاستبداد في انضاجها.
والنقطة التي ينبغي الانتباه اليها هي أن سياسة الأنظمة في شيطنة كل بديل محتمل لها سيصل إلى نقطة لن تفيد أحدا، فمعادلة ان التغيير يأتي من الخارج بدأت تسقط شيئا فشيئا في السنوات الأخيرة، فصحيح أن موقف الدول الغربية الداعم لصمود وبقاء هذه الانظمة كان شرطا ضروريا لبقاء الانظمة لكنه لم يعد كافيا لتحقيق هذه الهدف على المديين المتوسط والبعيد. وبالفعل بدأت بعض الدوائر الغربية الانتباه إلى أن بلادهم تتعرض لاستهداف بسبب هذه الانظمة القمعية التي تحكم رغما عن الشعوب، وعندما ادركت الدول العربية بأن هناك تفكيرا اميركيا بدأ يعيد النظر بالتحالف مع الدول التسلطية لجا بعض من هذه الدول إلى انضاج نمط من الاسلام السياسي ليستخدم كبعبع لضمان أن لا يدعم الغرب قوى سياسية أخرى في منطقتنا.
المفارقة أن الدول الغربية التي قادت الحملة ضد داعش حصلت عل تفويض من المؤسسات التمثيلية في بلدانها في حين أن القرار ياخذ في منطقتنا من قبل رأس الدولة دون استشارة الشعب ودون اجراء نقاش عام وشاهدنا بدلا من ذلك حملات اعلامية كانت تدق طبول الحرب دون أن تفسح مجالا للرأي الآخر. لذلك بدت الأمور وكأن هناك حالة من الاستقطاب الضار، فأما ان تكون مع الانظمة العربية التي تدافع عن امنها ومصالحها الوطنية ضد داعش وأما ان تكون مع داعش، في حين أن تاييد ضرب داعش عسكريا لا يعني أن الواحد منا يتحالف مع الانظمة في سياساتها الداخلية التي انقلبت على الاصلاح.