أعمار مهدورة !!
خيري منصور
جو 24 : كما يقضم حمار قبرصي جزرة طويلة، هكذا قضمت أعمارنا منذ لثغنا بالحرف الأول من كلمة الحياة، فنحن كائنات مؤجلة عشنا طفولتنا بين السين والسوف وبين البارحة والغد، أما اليوم فهو أشبه ببندول ساعة لا يقر له قرار، وان شئت أن أبدأ من أول السطر، فالحكاية تراوح بين مأساة مضحكة وملهاة مبكية، وذلك لوفرة ما يسمى شرور البلايا!
وكدنا على تخوم حرب عالمية لم يكن لنا فيها ناقة أو جمل، اللهم إلا تلك القافلة من خشب الزيتون المطرز التي كان السواح يعودون بها من القدس يحملونها بدلاً من أن تحملهم، وكان لنا في تلك الآونة الرمادية ربع وطن، حلمنا باستكماله لكنه بعد أقل من عشرين عاماً اختفى وكأنه قمر قضم نفسه هلالاً.. هلالاً حتى أحلك سواد في الأفق، ثم بدأنا نحصي أيامنا بعدد قتلانا ونحصي حقائبنا بعدد مرات الرحيل إلى أسلمنا أنفسنا فيها لقدرٍ تاريخي غادر ولجغرافيا هاجرت من تضاريسها إلى الورق!
كيف مرت وأين؟ تلك الأعوام التي كانت بلا رؤوس ولكل منها ذيل يشبه السوط؟
وما يقال بأن الإنسان لا يستطيع أن يخدع نفسه والآخرين كل الوقت لم يصمد أمام خداعنا لأنفسنا وللآخرين حتى الموت، وذلك بفضل التواطئ واحتراف التبرير، فبأية معجزة تحول عمر بعض البشر إلى جزر تقضمه الحمير؟ بحيث صرنا كالمنبت الذي لا منفى قطع ولا وطناً أبقى!
في لحظات المكاشفة رغم ندرتها يتصبب العرق من جباهنا خجلاً لأننا غمسنا الرغيف بماء الوجه وأحياناً بالدم فكان الثريد هذه الوليمة التي أكل فيها الابن توأمه، وجاعت الحرة فأكلت بثدييها، وليس مهماً أن ينتهي الأمر عند داعش أو الغبراء أو عند البسوس وما تبقى من غساسنة ومناذرة على تخوم الفرس والروم، فذلك تاريخ لا سبيل إلى الفرار منه، والأهم هو أن أعمارنا تسربت من بين أصابعنا وكأننا نحملها في تحفة مثقبة كالغربال.
والأمة التي تدفع ملايين الرجال والنساء في سبيل وطن يجب أن تكون مساحة أكبر من الهند والصين معاً، لكن هذه الملايين انتهت ولم يحرر زقاق واحد في قرية. وها هما الشقيقان اللدودان يقتسمان وطناً من عجين، ثم يجوعان فيأكلاه كما فعل الأسلاف بآلهة التمر.
الناطقون الرسميون باسم جوعنا ماتوا من التخمة وعسر الهضم والناطقون الشعبيون باسم أوجاعنا ينتظرون تأشيرات السفر كي يلحقوا بما اختلسوا من ملايين ومليارات.
أخيراً ليس هناك حاجة لإعلان منع التجول في مقبرة!
الدستور
وكدنا على تخوم حرب عالمية لم يكن لنا فيها ناقة أو جمل، اللهم إلا تلك القافلة من خشب الزيتون المطرز التي كان السواح يعودون بها من القدس يحملونها بدلاً من أن تحملهم، وكان لنا في تلك الآونة الرمادية ربع وطن، حلمنا باستكماله لكنه بعد أقل من عشرين عاماً اختفى وكأنه قمر قضم نفسه هلالاً.. هلالاً حتى أحلك سواد في الأفق، ثم بدأنا نحصي أيامنا بعدد قتلانا ونحصي حقائبنا بعدد مرات الرحيل إلى أسلمنا أنفسنا فيها لقدرٍ تاريخي غادر ولجغرافيا هاجرت من تضاريسها إلى الورق!
كيف مرت وأين؟ تلك الأعوام التي كانت بلا رؤوس ولكل منها ذيل يشبه السوط؟
وما يقال بأن الإنسان لا يستطيع أن يخدع نفسه والآخرين كل الوقت لم يصمد أمام خداعنا لأنفسنا وللآخرين حتى الموت، وذلك بفضل التواطئ واحتراف التبرير، فبأية معجزة تحول عمر بعض البشر إلى جزر تقضمه الحمير؟ بحيث صرنا كالمنبت الذي لا منفى قطع ولا وطناً أبقى!
في لحظات المكاشفة رغم ندرتها يتصبب العرق من جباهنا خجلاً لأننا غمسنا الرغيف بماء الوجه وأحياناً بالدم فكان الثريد هذه الوليمة التي أكل فيها الابن توأمه، وجاعت الحرة فأكلت بثدييها، وليس مهماً أن ينتهي الأمر عند داعش أو الغبراء أو عند البسوس وما تبقى من غساسنة ومناذرة على تخوم الفرس والروم، فذلك تاريخ لا سبيل إلى الفرار منه، والأهم هو أن أعمارنا تسربت من بين أصابعنا وكأننا نحملها في تحفة مثقبة كالغربال.
والأمة التي تدفع ملايين الرجال والنساء في سبيل وطن يجب أن تكون مساحة أكبر من الهند والصين معاً، لكن هذه الملايين انتهت ولم يحرر زقاق واحد في قرية. وها هما الشقيقان اللدودان يقتسمان وطناً من عجين، ثم يجوعان فيأكلاه كما فعل الأسلاف بآلهة التمر.
الناطقون الرسميون باسم جوعنا ماتوا من التخمة وعسر الهضم والناطقون الشعبيون باسم أوجاعنا ينتظرون تأشيرات السفر كي يلحقوا بما اختلسوا من ملايين ومليارات.
أخيراً ليس هناك حاجة لإعلان منع التجول في مقبرة!
الدستور