هؤلاء يصبّون الزيت على نيران داعش..!!
حسين الرواشدة
جو 24 : بذريعة داعش، اصبح بمقدور الذين يتعاطون مع الاسلام “كدين فلكلوري” ، والاخرون الذين يعتقدون بان الاسلام السياسي اخطر من “الوباء” ، اصبح بمقدورهم ان يصولوا ويجولوا في حقول الشريعة واحكامها هدما وتجريحا وانتقادا، وان يفصلوا بالنيابة عنا جميعا وعنها ما يلزم وما لا يلزم من افكار “وفتاوى” ومواقف.
لا يخطر في بالي ابدا ان ادعو الى مصادرة “حق” اي احد في التعبير عن رأيه، سواء في الدين او في الدنيا، او ان احصر هذا الحق في طائفة او طبقة مهما كانت مواصفاتها، ولكنني اعتقد ان هؤلاء الذين اقتحموا المجال الديني فجأة اخطأوا مرتين،: مرة حين نصبّوا انفسهم اوصياء جددا على دين الله، مع ان معظمهم من غير اهله ولا علاقة له بعلوم الدين ولا بشؤونه، فأفتوا بدون علم، واساؤوا ربما عن قصد او بدون قصد، ومرة اخرى حين تصوروا بان ما فعلوه يصب في تجاه مواجهة التطرف والعنف باسم الدين، او الدفاع عن نموذج الاسلام الذي تصوروا انه الصحيح، فيما الحقيقة ان الجمهور الذي خاطبوه مهما كانت اتجاهاته الدينية لايثق بمنطلقاتهم وبخطابهم ومقاصدهم وبالتالي جاءت ردوده عليهم في عكس الاتجاه، بل وربما اضافوا الى التطرف رصيدا جديدا ومريدين اخرين، ذلك ان غالبية المتدينين - لا سيما الشباب - قد تحركهم مثل هذه الدعوات للتمسك بقناعاتهم ما دام ان الذين يتصدون لمخاطبتهم مجهولون او مشكوك في موقفهم من الدين او في حالتهم الدينية.
نماذج “التصحيح” التي وردتنا في سياق نقد التطرف الديني ومواجهة اتباعه كما جاءت على ألسنة هؤلاء كانت صادمة، فهي اولا- اقصائية، وثانيا- اعتباطية وانتقائية، وثالثا- تتحرك في مجال لا تعرفه وتخطئ فيما تصدره من احكام، ورابعا تتصادم مع قناعات استقرت لدى من تخاطبه من دون ان تتوسد اقناعه بالتى هي احسن، احدهم -مثلا- دعا الى الغاء ذبح الاضاحي في العيد، باعتبارها تشكل انتهاكا لحقوق الحيوان كما انها (تصور..!) تثير شهية الاطفال للقتل والدم، اخر دعا الى وقف “حدّ” الرجم للزناة لانه لم ترد اية في القرآن تشير الى ذلك، كما دعا الى عدم تنفيذ احكام الاعدام بحق من يقتل باعتبارها ليست قصاصا، ثالث لم يتردد باصدار فتوى كفّر فيها الشباب الذين تورطوا في التطرف ..وهكذا يمكن ان نكتشف المزيد من النماذج التي تصب في تجاه تفصيل “اسلام جديد” وفق اهواء من يعتقد ان مشكلتنا الاساسية هي بعض الاحكام الشرعية، وان حلها هو شطب هذه الاحكام على اعتبار ان الفهم الديني فقط هو المسؤول عن التطرف بينما التوحش في المجالات السياسية والاقتصادية برئ من دفع الشباب الى هذه الهاوية.
لكي يكون خطابنا ضد التطرف مقنعا، لا بد ان ننتبه الى مسألتين مهمتين: احداهما تتعلق بمضامين الخطاب الذي نتبناه لدحض روايات المتطرفين، وهذه المضامين يجب ان تكون منسجمة مع ثوابت الدين وروحه ومقاصده، وان تكون مقتعة للجمهور المتلقي، ولا تتقصد استفزازه وانما تتقصد الاستثمار في تدينه وتحريك ايمانه و وازعه الديني، بمعنى ان تسير في تجاه يتطابق ولا يتعارض مع مسار التدين لان اصطدامه مع هذا المسار سينقلب للضد، وسيدفع لمزيد من التطرف، اما المسألة الاخرى فتتعلق بمن يتولى مهمة اصدار او توجيه هذا الخطاب من الفاعلين في المجال الديني او السياسي او الاعلامي، واعتقد ان افضل جهة يمكن ان تتصدر منصات التوجيه والارشاد( لا الامر والفرض والتأنيب) هي المعنية بالشأن الديني او المحسوبة على “العلم الديني” ، فهي اولا متخصصة في هذا المجال والادرى بتفاصيله، وهي ثانيا الاقدر على فهم حالة المنخرطين في التدين وفهم ميولاتهم وافكارهم ، ومتى كانت نزيهة ومستقلة وتحظى بالثقة، فان ذبذبات ارسالها سيتم التقاطها من قبل الجمهور المستهدف، لانها على الاقل ستكون محل ثقتهم وغير مشكوك في مواقفها من الدين.
بقي ان اشير الى نموذج تصحيحي ورد على لسان الازهر في سياق الاجابة عن سؤال “تكفير المنتمين الى داعش” حيث جاء في البيان ان الازهر لا يكفر احدا نطق بالشهادتين، وقد فصل في ذلك وقال :ان الايمان القلبي اصل والعمل فرع ، وبالتالي فان عدم وجود العمل لا ينفي اصل الايمان، كما ذكر انه يرفض تكفير داعش لانه لا تكفير لمؤمن مهما بلغت ذنوبه، ولو حكمنا بكفرهم لصرنا مثلهم ووقعنا في فتنة التكفير.
اشرت الى هذه الفتوى لاقول، إن اقتناع جمهور المتدينين بالرسالة التي تصلهم في اطار تصحيح الفهم الديني او مواجهة الانحراف والتطرف تعتمد على مضامينها وعلى اسلوبها اولا وعلى انسجامها مع حالتهم الدينية التي تقوم على الدفاع عن الاسلام والشعور بالخوف عليه ثم على الظروف التي تحيط بهم وما ترسخ في ذاكرتهم من صور واحكام عن الجهة التي تصدر عنها مثل هذه الملاحظات والدعوات التصحيحية..وهذا ما يجب ان ننتبه اليه اذا فكرنا في وضع استرايجية حقيقية لمواجهة التطرف، او تبني خطاب اعلامي لاقناع الشباب بتصحيح مفاهيمهم عن الدين والجنوح الى الاعتدال.
(الدستور)
لا يخطر في بالي ابدا ان ادعو الى مصادرة “حق” اي احد في التعبير عن رأيه، سواء في الدين او في الدنيا، او ان احصر هذا الحق في طائفة او طبقة مهما كانت مواصفاتها، ولكنني اعتقد ان هؤلاء الذين اقتحموا المجال الديني فجأة اخطأوا مرتين،: مرة حين نصبّوا انفسهم اوصياء جددا على دين الله، مع ان معظمهم من غير اهله ولا علاقة له بعلوم الدين ولا بشؤونه، فأفتوا بدون علم، واساؤوا ربما عن قصد او بدون قصد، ومرة اخرى حين تصوروا بان ما فعلوه يصب في تجاه مواجهة التطرف والعنف باسم الدين، او الدفاع عن نموذج الاسلام الذي تصوروا انه الصحيح، فيما الحقيقة ان الجمهور الذي خاطبوه مهما كانت اتجاهاته الدينية لايثق بمنطلقاتهم وبخطابهم ومقاصدهم وبالتالي جاءت ردوده عليهم في عكس الاتجاه، بل وربما اضافوا الى التطرف رصيدا جديدا ومريدين اخرين، ذلك ان غالبية المتدينين - لا سيما الشباب - قد تحركهم مثل هذه الدعوات للتمسك بقناعاتهم ما دام ان الذين يتصدون لمخاطبتهم مجهولون او مشكوك في موقفهم من الدين او في حالتهم الدينية.
نماذج “التصحيح” التي وردتنا في سياق نقد التطرف الديني ومواجهة اتباعه كما جاءت على ألسنة هؤلاء كانت صادمة، فهي اولا- اقصائية، وثانيا- اعتباطية وانتقائية، وثالثا- تتحرك في مجال لا تعرفه وتخطئ فيما تصدره من احكام، ورابعا تتصادم مع قناعات استقرت لدى من تخاطبه من دون ان تتوسد اقناعه بالتى هي احسن، احدهم -مثلا- دعا الى الغاء ذبح الاضاحي في العيد، باعتبارها تشكل انتهاكا لحقوق الحيوان كما انها (تصور..!) تثير شهية الاطفال للقتل والدم، اخر دعا الى وقف “حدّ” الرجم للزناة لانه لم ترد اية في القرآن تشير الى ذلك، كما دعا الى عدم تنفيذ احكام الاعدام بحق من يقتل باعتبارها ليست قصاصا، ثالث لم يتردد باصدار فتوى كفّر فيها الشباب الذين تورطوا في التطرف ..وهكذا يمكن ان نكتشف المزيد من النماذج التي تصب في تجاه تفصيل “اسلام جديد” وفق اهواء من يعتقد ان مشكلتنا الاساسية هي بعض الاحكام الشرعية، وان حلها هو شطب هذه الاحكام على اعتبار ان الفهم الديني فقط هو المسؤول عن التطرف بينما التوحش في المجالات السياسية والاقتصادية برئ من دفع الشباب الى هذه الهاوية.
لكي يكون خطابنا ضد التطرف مقنعا، لا بد ان ننتبه الى مسألتين مهمتين: احداهما تتعلق بمضامين الخطاب الذي نتبناه لدحض روايات المتطرفين، وهذه المضامين يجب ان تكون منسجمة مع ثوابت الدين وروحه ومقاصده، وان تكون مقتعة للجمهور المتلقي، ولا تتقصد استفزازه وانما تتقصد الاستثمار في تدينه وتحريك ايمانه و وازعه الديني، بمعنى ان تسير في تجاه يتطابق ولا يتعارض مع مسار التدين لان اصطدامه مع هذا المسار سينقلب للضد، وسيدفع لمزيد من التطرف، اما المسألة الاخرى فتتعلق بمن يتولى مهمة اصدار او توجيه هذا الخطاب من الفاعلين في المجال الديني او السياسي او الاعلامي، واعتقد ان افضل جهة يمكن ان تتصدر منصات التوجيه والارشاد( لا الامر والفرض والتأنيب) هي المعنية بالشأن الديني او المحسوبة على “العلم الديني” ، فهي اولا متخصصة في هذا المجال والادرى بتفاصيله، وهي ثانيا الاقدر على فهم حالة المنخرطين في التدين وفهم ميولاتهم وافكارهم ، ومتى كانت نزيهة ومستقلة وتحظى بالثقة، فان ذبذبات ارسالها سيتم التقاطها من قبل الجمهور المستهدف، لانها على الاقل ستكون محل ثقتهم وغير مشكوك في مواقفها من الدين.
بقي ان اشير الى نموذج تصحيحي ورد على لسان الازهر في سياق الاجابة عن سؤال “تكفير المنتمين الى داعش” حيث جاء في البيان ان الازهر لا يكفر احدا نطق بالشهادتين، وقد فصل في ذلك وقال :ان الايمان القلبي اصل والعمل فرع ، وبالتالي فان عدم وجود العمل لا ينفي اصل الايمان، كما ذكر انه يرفض تكفير داعش لانه لا تكفير لمؤمن مهما بلغت ذنوبه، ولو حكمنا بكفرهم لصرنا مثلهم ووقعنا في فتنة التكفير.
اشرت الى هذه الفتوى لاقول، إن اقتناع جمهور المتدينين بالرسالة التي تصلهم في اطار تصحيح الفهم الديني او مواجهة الانحراف والتطرف تعتمد على مضامينها وعلى اسلوبها اولا وعلى انسجامها مع حالتهم الدينية التي تقوم على الدفاع عن الاسلام والشعور بالخوف عليه ثم على الظروف التي تحيط بهم وما ترسخ في ذاكرتهم من صور واحكام عن الجهة التي تصدر عنها مثل هذه الملاحظات والدعوات التصحيحية..وهذا ما يجب ان ننتبه اليه اذا فكرنا في وضع استرايجية حقيقية لمواجهة التطرف، او تبني خطاب اعلامي لاقناع الشباب بتصحيح مفاهيمهم عن الدين والجنوح الى الاعتدال.
(الدستور)