2024-12-24 - الثلاثاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

مـــــن يــلــــوم مـــــن...؟!

حسين الرواشدة
جو 24 : لا أدري كم من (المليارات) دفعها عالمنا العربي منذ أن برز ( نجم) الإرهاب لمواجهته عسكريا، وكم من الفرص ( السياسية) أهدرنا لإقناع أنفسنا بأن هذا التطرف خرج من عباءة الدين و ليس من عباءة السياسة، وكم من الطاقات أهدرت و من الدماء سالت على جنبات مكافحة ( التطرف) دون أن نفكر لحظة بأن ما فعلناه لم يغيِّر الصورة ولم يقطع ( دابر) الشباب المتطرفين.
بدل أن نستثمر في ( التطرف) لأهداف تبدو أحيانا مفهومة أو مغشوشة، كان يمكن أن (نستثمر) في بناء المجتمعات الطاردة (للتطرف) و الشباب المحصنين من آفاته، وفي تصحيح إعوجاج ( البيئات) التي اضطرت لاحتضانه، كان يمكن - أيضا- أن نوجه هذه (المليارات) والحماسات والاحتشادات العالمية لمشاريع سياسية حقيقية تغري الناس بالمشاركة في العمل العام، وتنزع منهم الإحساس بالتهميش وتخلصهم من وطأة الفساد والاستبداد، وأن نوجهها أيضا لـ( خدمة ) الدِّين الذي أجهزنا - للأسف - على روحه وعلى ما فيه من قيم وأخلاقيات سامية، وحولناه الى (جثة)سارع البعض لحملها على أعناقهم لتبرير العنف و القتل و الانتقام، كان يمكن - أن نوجِّه - هذه المليارات المهدورة الى إصلاح منظومة التعليم التي من المفترض أن تشكل ( عقول) ابنائنا و وجدانهم على أساس تربوي وأخلاقي يؤهلهم للتفكير العقلاني، والإيمان بأمتهم وأوطانهم، والإخلاص لقيم السماحة و التعارف ونبذ التعصب واحتكار الحقيقة وتبادل الكراهية.
جزء من هذه (المليارت) كان يكفي لبناء آلاف المصانع، وتوفير الملايين من فرص العمل للشباب المتعطلين ، ومن فرص التعليم الجيد للذين اضطرهم فقرهم الى البقاء في الشارع وحرمهم من الجلوس على مقاعد الدراسة، ومن (الوقفيات) التي تسد حاجة المعوزِّين و المحتاجين و المرضى، ومن مراكز العلم والبحث ومنابر الفكر و التفكير التي تفتقر اليها بلداننا العربية.
كان يمكن لهذه المليارات أن تنقلنا من صف الدول الفاشلة ، والمجتمعات المتخلفة، الى طابور التنافس العالمي على التقدم و التحضر، وأن تجلسنا على طاولة (الكبار) الذين أصبحوا يقررون مصير العالم، وأن تحمل مشروعنا (الأخلاقي) الى العالم الذي ضاق ذرعا ( بالعولمة) وأصبح يبحث عن (دِين) يخلصه من سطوة العقل المتفرد، و وحشة الدنيا التي لا امتداد لها، ومن ( تأله) الآلة والانسان.
كلنا شاركنا بهذا ( الخطأ): السياسي الذي تصور أن الاستثمار في ( التطرف) سيضمن بقاءه واستمراره، والديني الذي اعتقد بأن الخوف على الدِّين يبرر له الركون ( للتطرف)، والأكاديمي الذي انعزل عن محيطه واكتفى بتلقين ( التلاميذ) ما ورثه من علوم الأجداد، و الإعلامي الذي نام ضميره وتحول الى موظف اجرائي لمتابعة اخبار التطرف و التحريض ضده دون أن يحلل ويفهم ( الغاز) انطلاق هذا ( البعبع) ومن يقف وراءه.
باختصار، السلطة و المجتمع في عالمنا العربي توافقا على السماح لهذا ( المارد) أن يمّر، ومنحا الآخر المتربض ( بنقاط) ضعفنا ما يلزمه من فرص ( لركوب) هذه الموجة و النفخ فيها واستغلالها على أبشع ما يكون.
إذن من يلوم من ؟ ومن يستطيع - اليوم- أن يقرع ناقوس الخطر أمام أمة تحول فيها ( التطرف) الى رواية طويلة محملة بصور الفزع و الخوف و الدمار، وأصبح فيها ( العنف) مائدة يومية نقتات من سمومها ما يكفي لانقراضنا، ومن يستطيع أن ( يوقظنا) من هذه الغفلة ويذكّرنا بأن لدينا ما هو أفضل من هذه الصورة، ولدينا من ( النعم) ما نستطيع بها أن نبني ذاتنا وعالمنا وأن نسهم ببناء الحضارة الانسانية ايضا... ؟
من ينقذنا من هذا الجنون الذي صنعناه بأنفسنا، وحوّلناه الى ( أًصنام) نعبدها ثم نأكلها إذا ما لزم الأمر ...ومن يعيد لهذه الأجساد رؤوسها لكي تفكر -ولو لمرة واحدة- بأن ما فعلناه بأنفسنا أسوأ مما فعله بنا غيرنا ..؟

الدستور
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير