كيف طبخ الصوت الواحد؟
كتب د. حسن البراري - شكل انتصار محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية المصرية صدمة لدى مطبخ القرار في الاردن أدت إلى ارتباك واضح في الأداء العام. فاعتماد الصوت الواحد في قانون الانتخابات استند في البداية على فرضية أن أحمد شفيق هو الفائز في الانتخابات.
في البداية كانت تكهنات الدوائر الامنية الاردنية تشير إلى غلبة احمد شفيق في الانتخابات الرئاسية المصرية الأمر الذي اراح المسؤولين ودفع بعضهم للاحتفاء مبكرا بالنتيجة والدفع باتجاه اقرار قانون الانتخاب بغض النظر عن موقف الاسلاميين رغم تناقض التقديرات الامنية مع تقرير سفارتنا في القاهرة التي وضحت في برقياتها ان المؤشرات تصب لصالح محمد مرسي . الاردن استعجل النتيجة واخطأ التقدير ، ناصر جودة يدخل احدى جلسات مجلس الوزراء متحمسا وتقفز السعادة من عينيه "ياسادة الرئاسة لشفيق " معتمدا في تقديراته على معلومة حصل عليها من مصدر أمني رفيع المستوى الأمر الذي قوّى محاججة المتحمسين للصوت الواحد.
هنا تولدت قناعة بأن قانون حكومة عون الخصاونة غير صالح من وجهة نظر المحافظين والمتنفذين بالدولة الاردنية، وعليه تم التخلي عن قانون الخصاونة الذي نص على ثلاثة اصوات وتم الدفع وبقوة لتبني الصوت الواحد الذي كان يقف خلفه شخصيات محافظة عابرة للمؤسسات. وبالفعل تم الايعاز لمن يلزم للتصويت لصالح الصوت الواحد، وقد كشف الدكتور عبدالله النسور أن غالبية النواب كانت ضد الصوت الواحد إلى أن حان موعد التصويت عندها ربما صدرت الأوامر.
الثقة التي ميزت موقف الرسميين بخصوص مبدأ الصوت الواحد تلاشت تماما مع النبأ الصاعق والمتعلق بفوز الدكتور محمد مرسي بالانتخابات الرئاسية وهي النتيجة التي تسببت بحرج شديد للملك الذي بدأ يشعر بأن التقديرات الرسمية لم تستند على قراءة صحيحة للمشهد وكانت أقرب للتمني منها للواقع. فالملك الذي اصدر ارادته الملكية للموافقة على قانون الانتخاب بنسخته الاولى طلب في نفس اليوم اجراء تعديل واحد على النص متعلق بعدد مقاعد القائمة الوطنية .
وامام الارتباك الشديد للنظام بدأت الجهود الرسمية لاقناع القوى السياسية للمشاركة في الانتخابات والتعهد باجراء انتخابات نزيهة وحرة. وبعد فشل وساطة مشعل وعجزه عن اقناع الاخوان المسلمين بالمشاركة في الانتخابات، توقع مراقبون اعتياديون أن تلجأ الحركة الاسلامية والقوى القومية واليسارية والحراكات الشعبية والعشائرية لمقاطعة الانتخابات وهذا ما حدث فعلا . وهو أمر مقلق بالنسبة للدولة التي بدأت تسرب سيناريو تأجيل الانتخابات خلافا لتعهدات الملك السابقة.
الديوان الملكي تنبه الى خطورة اعلان جميع القوى السياسية مقاطعتها للانتخابات ما دفع بمستشارين في الديوان الملكي للالتقاء مع ثلاثة شخصيات سياسية في منزل احد المستشارين لاقناعهم بالمشاركة مستخدما مقولات مثل ان غياب الاسلاميين عن الانتخابات يوفر فرصه للقوى الاخرى لتحسين مكاسبها الانتخابية. جهود الديوان الملكي اخقت سريعا مع اصرار القوى السياسية على مقاطعة الانتخابات واصرارها على انها لا تقبل بأن تكون "هراوة" لضرب الحركة الاسلامية.
ويرى الكثير من المراقبين في الداخل والخارج أن اجراء انتخابات وفق قانون الصوت الواحد سيفضي إلى مقاطعة واسعة الأمر الذي ينزع شرعية المجلس القادم الذي سيكون منزوع الدسم. وهذه القراءات مقلقة لصناع القرار وحلفائهم في واشنطن وخاصة بعد أن غيرت الولايات المتحدة من موقفها وتبنت بل وباركت الاستدارة عن الاصلاح السياسي. اللافت في الأمر هو تفسير الأميركان لموقف المقاطعة. ففي لقاء عشاء جمع السفير الاميركي مع عدد من الشخصيات منهم وزراء سابقون اتهم السفير الاميركي في عمان الاسلاميين بأنهم يسعون لافشال اصلاحات الملك ولا يسعون للاصلاح بحد ذاته.
الاردن الرسمي يدير حوارا على مستويين: المستوى الاول هو داخلي يهدف الى اقناع القوى السياسية للمشاركة في الانتخابات وهو أمر صعب في ظل التصريحات التي صدرت عن قيادات الاحزاب السياسية والحراكات الشعبية. اما المستوى الاخر فهو يجري في الولايات المتحدة وتفيد التسريبات بأن الجانب الاردني طلب من نظيره الأميركي أن لا تمارس واشنطن ضغطا على عمان بشأن قانون الانتخابات لأنه ما قدم هو الأقصى في الوضع الراهن.
القضية باختصار مرتبطة بالتطورات في الاقليم وفي موقف العالم الخارجي اكثر من أي شيء آخر، وربما هذا ما يدفع رئيس الحكومة لعدم الاكتراث بموقف الشارع وهو القائل " انا لا استجدي الحوار مع احد" .