العمل.. بين "البرستيج" المكتبي والمهارات الميدانية
ماجد الدباس - عمان - ينظر العاملون في مختلف القطاعات إلى وظائفهم كمصدر دخل ومنهج حياة يوفر لهم سبل العيش الكريم ليكونوا عناصر فاعلة في المجتمع وليتمتعوا بالإنتاجية والاستقلالية في حياتهم.
العمل الذي يكابد الناس من أجل الحصول عليه وللحصول على الاستقرار الوظيفي كأمر تابع، تتعدد طرقه وأنواعه، بيد أنه يظل في إطارين أساسين هما المكتبي والميداني، ويحتاج كل نوع منهما لمتطلبات ومهارات مختلفة، ويواجه العاملون في كل نموذج صعوبات ومعيقات تتطلب منهم التغلب عليها لإكمال مسيرتهم المهنية.
ولا يكترث رأفت الحدوش الموظف في احد المولات الكبيرة بعمان من إبداء ارتياح منقطع النظير بالعمل المكتبي الذي يجد فيه شعوراً "بالبرستيج" العالي أمام أقرانه الموظفين إضافة إلى أنه يعطيه دافعية أكبر لإنجاز المطلوب منه، بينما يجد في العمل الميداني صعوبة بالغة تتطلب منه الجرأة وطول الرمق الذي يفتقد إليهما، ما يجعله عرضة لافتعال المشكلات التي تكون سبباً في فصله من العمل وهو ما حدث مع زملاء له.
المهنة هي التي تفرض عليك نموذج العمل وليس رغبتك، هذا ما يقوله الزميل الصحفي أحمد برقاوي الذي ينظر إلى العمل الميداني على أنه مصنع العلاقات التي تجلب للإنسان المحبة، كما تجلب للصحفي مصادر الأخبار التي يرتكز إليها بشكل أساسي في عمله، خاصة انه يلتقي مختلف فئات المجتمع في الميدان، سواء أكانوا مواطنين عاديين أو مسؤولين بيدهم صنع القرار وإعطاء الأخبار.
مديرة التسويق في أحدى الشركات الخاصة سمر مكناي تميل إلى العمل المكتبي كثيراً خصوصاً لكونها أنثى، ويختلف مفهومها للعمل الميداني عن غيرها لأنها ترى أن العمل الميداني من الممكن أن يكون مكتبياً عبر التجوال بين مكاتب الشركات والمؤسسات التي تقدم لهم خدمات شركتها التسويقية.
وترى مكناي أن العمل الميداني يتطلب قوة الشخصية وإتقان مهارات التواصل والقدرة على الإقناع، مع عدم إغفال المظهر الجيد الذي تركز عليه الشركات الخاصة لإدراكها للجانب النفسي عند الزبائن الذين يفضلون التعامل مع حسن المظهر القادر على دخول العقول والقلوب والمتمتع باللباقة في التعامل.
وتؤكد مكناي صاحبة الخبرة الطويلة بالشركات الخاصة بأن العمل في الميدان يكسب خبرة مختلفة عن غيره، ودافعية ونشاط كبيرين، إضافة إلى ثقافة ملونة تمثل كنزا اجتماعيا في فن التعامل مع الناس.
بدوره يقول الناطق الإعلامي في وزارة العمل هيثم الخصاونة ان القانون لم يتطرق لامتيازات معينة للعامل في الميدان، لكن يتوجب على رب العمل أن يوفر له متطلبات السلامة، خصوصاً وأنه معرض لمخاطر العمل ومشكلاته أكثر من غيره.
ويلفت الخصاونة إلى أن قانون العمل الأردني لا يلزم صاحب العمل بإعطاء العامل في الميدان علاوات مخاطرة، وأن عقد العمل هو الفيصل بين العامل ورب العمل ؛ ولا يخفي الخصاونة تشجيعه على العمل الميداني لأنه هو المهارة الحقيقية.
من الناحية الطبية يزيد العمل المكتبي المحض من نسبة حصول الأمراض، وخاصة الضغط والسكري والجلطات، بسبب جلوس الشخص لفترات طويلة دون حركة، ما يجعله معرضاً أكثر من غيره لهذه الأمراض.
ولا يقتصر ذلك على العاملين في المكاتب بل يتعداه إلى العاملين في المتاجر والصيدليات وما إلى ذلك من أعمال كما يقول أخصائي الطب العام إبراهيم أبو جاموس، محذراً من بعض الأمراض المكتبية كحساسية الورق والأحبار التي يتأثر بها المكتبيون.
أبو جاموس يدعوا العاملين بالمكاتب إلى فترات راحة حقيقية؛ وإفراد مساحة كافية من الوقت في ممارسة الرياضة والاسترخاء لتحسين المزاج العام، والمحافظة على الصحة والوزن المثالي.
ولا بد أن يتجمل الشخص العامل في الميدان بالصبر والذكاء الاجتماعي وبرودة الأعصاب و"العد للعشرين" لا العشرة كما يتحدث استاذ علم النفس في جامعة الشرق الأوسط الدكتور سليم شريف.
ويشدد شريف على أهمية محافظة العامل في الميدان على سمعة المؤسسة التي يعمل بها، لأنه مرآة تعكس الجو العام للمؤسسة. ويضرب مثالاً بشرطي السير الذي يعمل على تنظيم حركة المرور في الشوارع، فإنه يعكس المزاج العام لمديريته، وينطبق هذا الأمر على كل أهل الميدان.
ويعتبر شريف الميدان مصنع القادة، لأنه المكان الذي يجد فيه الشخص نفسه ويرتفع فيه أداؤه؛ فمن السهل أن تجد مديراً يسيّر لك أعمالك، لكن الأصعب أن تجد مديراً قائداً يملك روح القيادة.