حج ورجع!!
أحمد حسن الزعبي
جو 24 : غرفة الجلوس تفوح برائحة المسابح المعطرة ، وأكياس الحناء في زاوية البيت تتنفس عبق الديار المقدسة ، بينما «أعواد السواك» مسجاة في صينية طويلة مع بعض الأكواب القصيرة المملؤة بماء زمزم...وصوت «فرد الشرار» يقدح خارجاً في أكثر من يد طفل «مُشلّح»...يسعل أبو يحيى سعلات حادة وجافة ثم يقول بصوت مبحوح و»مشحّط» : « الحمد لله اللي أدينا الفريضة وإحنا بصحتنا»...
ثم يلامس أرض الغرفة بأصابعه و يقبل قفا كفه وباطنها ويضعها على جبينه كنوع من أنواع الحمد..يسأله عودة الامزط السؤال التقليدي الذي لا بدّ منه: كيف هالحجة ان شاء الله ما فيها غلبة؟؟!!.. يحك أبو يحيى رأسه المحلوق تماماً فيبان إبط ثوبه»ألمفرور»..شارعاً بشرح المشاهد التي تعرّض لها منذ الصعود إلى الباص إلى النزول من عرفة خطوة بخطوة ..منسك بمنسك..ممسك بممسك...يقاطعه جوز فزّة «فيها تعب «؟..فيحاول أبو يحيى تهوين الأمر بعبارة: «لا يخلو الأمر»..ثم يحاول أن ينهض بهمته وهمم الآخرين قائلا: «لكن سبحان الله...الله بحط فيك المروة «...من منى لعرفة مشي.. من المزدلفة للحرم مشي..من تبوك للمدينة مشي.. كله مشي .. «شافت أم يحيى»!! ولا لأ يا حجة؟!! فتهزّ الأخيرة رأسها بالإيجاب دون أن تعلق خوفاً من ان «تفقس» الحجي الجديد، ثم تعود للحديث مع فزة وامرأة عودة الأمزط....فيتابع الحجي للاستعراض بالصحة ثانية: لا وجع أزرار..لا وجع رجلين...لا ديسك ..كله راح بفضل الله...حتى عروق الدوالي اللي بفخذتي ...مسحت عليهن من «مية زمزم» يوم الوقفة و هظاك يوم وهاظا يوم»...طبعاً أبو يحيى سلّم على كل ضيوفه الحاضرين والغائبين منذ الوصول إلى لحظة الحديث جالساً وعلى نفس «التربيعة»...
بالمقابل أم يحيى تسرد هي الأخرى اندهاشها المختلف لنساء الحي بما شاهدته في رحلة الحج بكل صراحة ..لا اتساع المساحات، ولا الأعداد الهائلة، ولا الجنسيات المختلفة التي تسعى بين الصفا والمروة، ولا قوة الأفارقة في الطواف ولا الأمواج البشرية التي كادت ان ترمي بالحج أبي يحيى حتى العزيزية الشمالية أدهشها ،وإنما أكثر شيء أدهشها علاقات «السلفات والأسلاف « من مختلف الجنسيات والأعراق : فتشرح لــ»فزة» سحر هذه الكلمة...( يا غبصة هناك «السلفات والأسلاف « بموتوا ع بعض..بس وحدة تقول للثانية «سيلفي» بتطول كمرتها وبتصورها...واحنا قاعدين بالحرم بقول لوحدة باكستانية «والله انك زي مرة سلفي»..ضحكت وصورتني، بالشارع ،بالمطعم ،بالحرم ،بعرفة، بالمدينة كلهم نازلين لبعض «سيلفي» يتباسوا ويتصوروا، اني فكّرت بالأول انه الحجاج كلهم بعرفوا «سلفي رضوان». طلع كل الاسلاف زينا وأزود، ان شاء الله الله يكتب الحجة وتشوفن بعيونكن: انتن بس قولن لمين ما كان ..عربي اجنبي باكستاني «انت مثل سيلفي» بصوروكن ابلاش)..
ينخفض همس ام يحيى والجارات امام صوت ابو يحيى وهو يطرح الجواب الأوحد الذي يردّ به على كل تساؤلات الضيوف: «كله مصوّر ع تلفوني»...سأله فالح الاطرم «البيات بمنى قبل الوقفة بعرفات ولا بعدها»؟؟؟..فأجابه: «كل مصوّر»..سأله عودة الامزط: الهدي أول يوم ولا ثاني يوم العيد؟؟؟؟ قال «كله مصوّر»..فاجأه جوز فزّه بسؤال ثالث : « طفتوا طواف الوداع؟؟؟..رد أبو يحيى بعصبية: «ما قلنا كله مصوّر ..»!!...ثم اخرج تلفونه وطلب من أحد الأولاد ان يفتح له على استديو الصور...صفّر احد الأولاد عندما شاهد صورة لمجسّم ضخم..»يابا شو هاظ»؟؟ فحاول ن يخترع اسماً للمكان..يقول بصوته المبحوح: « جبل الرماة» ..ليكتشف الولد الثاني ان الصورة ليست الا «اصبع الوالد السبابة» فقد ظهرت بالصورة الفارغة، الصورة الثانية ايضاً لإصبع السبابة ، الثالثة للشبشب والرصيف، الرابعة لإصبعه السبابة ،الخمسة لإصبعه السبابة ، العاشرة، الخامسة عشرة..كلها لأصبع الوالد الذي كان يغطي على العدسة أثناء التصوير...وفي كل مرة كان يحاول أبو يحيى ان يجد مسمى جديد لإصبعه الظاهر...
تنتهي الجلسة بجمل الختام المعهودة : « تعبان وخليك تتريّح... يا سيدي حجاً مبروراً..وسعياً مشكوراً» !! فيأمر الأولاد أن يناولوا كل زائر كيس صغير فيه مسبحة «سواك المدينة» وكيس حناء ماركة «ام الذوايب» وخواتم لامعة وفرد شرار وسجادة صلاة...
وما أن يتأكد من سماع صوت إغلاق باب الدار ..
حتى يصيح بأعلى صوته بمنتهى الشفافية والصراحة: آآآآآآخ يا أزراري!.
الرأي
ثم يلامس أرض الغرفة بأصابعه و يقبل قفا كفه وباطنها ويضعها على جبينه كنوع من أنواع الحمد..يسأله عودة الامزط السؤال التقليدي الذي لا بدّ منه: كيف هالحجة ان شاء الله ما فيها غلبة؟؟!!.. يحك أبو يحيى رأسه المحلوق تماماً فيبان إبط ثوبه»ألمفرور»..شارعاً بشرح المشاهد التي تعرّض لها منذ الصعود إلى الباص إلى النزول من عرفة خطوة بخطوة ..منسك بمنسك..ممسك بممسك...يقاطعه جوز فزّة «فيها تعب «؟..فيحاول أبو يحيى تهوين الأمر بعبارة: «لا يخلو الأمر»..ثم يحاول أن ينهض بهمته وهمم الآخرين قائلا: «لكن سبحان الله...الله بحط فيك المروة «...من منى لعرفة مشي.. من المزدلفة للحرم مشي..من تبوك للمدينة مشي.. كله مشي .. «شافت أم يحيى»!! ولا لأ يا حجة؟!! فتهزّ الأخيرة رأسها بالإيجاب دون أن تعلق خوفاً من ان «تفقس» الحجي الجديد، ثم تعود للحديث مع فزة وامرأة عودة الأمزط....فيتابع الحجي للاستعراض بالصحة ثانية: لا وجع أزرار..لا وجع رجلين...لا ديسك ..كله راح بفضل الله...حتى عروق الدوالي اللي بفخذتي ...مسحت عليهن من «مية زمزم» يوم الوقفة و هظاك يوم وهاظا يوم»...طبعاً أبو يحيى سلّم على كل ضيوفه الحاضرين والغائبين منذ الوصول إلى لحظة الحديث جالساً وعلى نفس «التربيعة»...
بالمقابل أم يحيى تسرد هي الأخرى اندهاشها المختلف لنساء الحي بما شاهدته في رحلة الحج بكل صراحة ..لا اتساع المساحات، ولا الأعداد الهائلة، ولا الجنسيات المختلفة التي تسعى بين الصفا والمروة، ولا قوة الأفارقة في الطواف ولا الأمواج البشرية التي كادت ان ترمي بالحج أبي يحيى حتى العزيزية الشمالية أدهشها ،وإنما أكثر شيء أدهشها علاقات «السلفات والأسلاف « من مختلف الجنسيات والأعراق : فتشرح لــ»فزة» سحر هذه الكلمة...( يا غبصة هناك «السلفات والأسلاف « بموتوا ع بعض..بس وحدة تقول للثانية «سيلفي» بتطول كمرتها وبتصورها...واحنا قاعدين بالحرم بقول لوحدة باكستانية «والله انك زي مرة سلفي»..ضحكت وصورتني، بالشارع ،بالمطعم ،بالحرم ،بعرفة، بالمدينة كلهم نازلين لبعض «سيلفي» يتباسوا ويتصوروا، اني فكّرت بالأول انه الحجاج كلهم بعرفوا «سلفي رضوان». طلع كل الاسلاف زينا وأزود، ان شاء الله الله يكتب الحجة وتشوفن بعيونكن: انتن بس قولن لمين ما كان ..عربي اجنبي باكستاني «انت مثل سيلفي» بصوروكن ابلاش)..
ينخفض همس ام يحيى والجارات امام صوت ابو يحيى وهو يطرح الجواب الأوحد الذي يردّ به على كل تساؤلات الضيوف: «كله مصوّر ع تلفوني»...سأله فالح الاطرم «البيات بمنى قبل الوقفة بعرفات ولا بعدها»؟؟؟..فأجابه: «كل مصوّر»..سأله عودة الامزط: الهدي أول يوم ولا ثاني يوم العيد؟؟؟؟ قال «كله مصوّر»..فاجأه جوز فزّه بسؤال ثالث : « طفتوا طواف الوداع؟؟؟..رد أبو يحيى بعصبية: «ما قلنا كله مصوّر ..»!!...ثم اخرج تلفونه وطلب من أحد الأولاد ان يفتح له على استديو الصور...صفّر احد الأولاد عندما شاهد صورة لمجسّم ضخم..»يابا شو هاظ»؟؟ فحاول ن يخترع اسماً للمكان..يقول بصوته المبحوح: « جبل الرماة» ..ليكتشف الولد الثاني ان الصورة ليست الا «اصبع الوالد السبابة» فقد ظهرت بالصورة الفارغة، الصورة الثانية ايضاً لإصبع السبابة ، الثالثة للشبشب والرصيف، الرابعة لإصبعه السبابة ،الخمسة لإصبعه السبابة ، العاشرة، الخامسة عشرة..كلها لأصبع الوالد الذي كان يغطي على العدسة أثناء التصوير...وفي كل مرة كان يحاول أبو يحيى ان يجد مسمى جديد لإصبعه الظاهر...
تنتهي الجلسة بجمل الختام المعهودة : « تعبان وخليك تتريّح... يا سيدي حجاً مبروراً..وسعياً مشكوراً» !! فيأمر الأولاد أن يناولوا كل زائر كيس صغير فيه مسبحة «سواك المدينة» وكيس حناء ماركة «ام الذوايب» وخواتم لامعة وفرد شرار وسجادة صلاة...
وما أن يتأكد من سماع صوت إغلاق باب الدار ..
حتى يصيح بأعلى صوته بمنتهى الشفافية والصراحة: آآآآآآخ يا أزراري!.
الرأي