إلـــى اللقـــاء بـعـــد 30 عـــامـــا..!!
حسين الرواشدة
جو 24 : قال وزير الدفاع الأمريكي السابق ليون بانيتا : إن القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» سيكون صعبا وقد يستغرق عقودا، وأضاف: «أعتقد أن الحرب ستستمر نحو ثلاثين عاما» وقد يمتد تهديد التنظيم المتطرف إلى ليبيا ونيجيريا والصومال واليمن.
حين قرأت تصريحات الوزير الامريكي قلت : لا بد أن نسمع صوت التاريخ وأن نصغي الى المؤرخ بعد ان أصمتت آذاننا أصوات الساسة وضجيج السياسة ، أمَّا صوت التاريخ فلم اجد فيه اصدق مما حدث في تجربة أوروبا إبَّان القرن السابع عشر الميلادي الذي بدأ بحروب الـ» 30 عاما « ، وأما أنين المؤرخ فقد زفر به صاحب كتاب «قصة الحضارة» ، وهنا أستأذن بنقل جزء مصغَّر من الصورة.
- بدأت حرب الثلاثين عاما سنة 1618 وانتهت في 1648م، وكانت سلسلة من الحروب والصراعات الدامية التي مزقت أوروبا حيث امتدت من أراضي أوروبا الوسطى (ألمانيا الحالية)الواقعة آنذاك تحت سيطرة الإمبراطورية الرومانية المقدَّسة، ثم وصلت إلى فرنسا والأراضي المنخفضة وشمال إيطاليا وكاتالونيا.
- بدأت كحرب أهلية بين البروتستانت والرومان الكاثوليك في الولايات الألمانية. ولكن قبل انتهاء الصراع، كانت معظم الدول الأوروبية قد تورَّطت فيها، فتحولت الى صراع سياسي بين فرنسا والنمسا من أجل السيطرة على الدول الأخرى.
- اشتركت في هذه الحرب جيوش شتى من ألمانيا والسويد وفرنسا وهولندا وإسبانيا والدنمارك، وقتل حوالي ستة ملايين من أصل (21) مليوناً، أي مات حوالي ثلث السكان، معظمهم من الشباب،واحتاجت المانيا الى مئة عام حتى تستعيد عافيتها.
- جاء في كتاب قصة الحضارة لويل ديورانت: (تناقص عدد سكان ألمانيا بسرعة أثناء الحرب، وتقول التقديرات المعتدلة إن عدد سكان ألمانيا والنمسا هبط من (21) إلى (15) مليوناً،( أدى ذلك إلى هبوط نسبة الذكور بمقدار النصف تقريبا ما اضطر أوروبا بعدها إلى إعادة العمل بتعدد الزوجات) وبين (35) ألف قرية في (بوهيميا) هناك نحو (29) ألف قرية هجرها أهلوها أثناء الصراع، وهناك في مختلف أنحاء الإمبراطورية مئات من القرى لم يبق فيها ساكن واحد، وقد يقطع المرء في بعض الأقاليم ستين ميلاً دون أن يرى قريةً أو بيتاً، وتُركت آلاف الأفدنة الخصيبة دون فلح أو زرع بسبب نقص الرجال أو الدواب أو البذور، أو لأن الفلاحين لم يكونوا على ثقة من أنهم سيحصدون نتاج ما يزرعون، واستخدمت المحصولات لإطعام الجيوش، وكان ما تبقى يحرق لئلا يستفيد منه الأعداء، واضطُر الفلاحون في كثير من الأماكن إلى أكل الفضلات المخبأة أو الكلاب والقطط والفئران أو جوز البلوط والحشائش، وقد وجد بعض الموتى وفي أفواههم بعض الحشائش، وتنافس الرجال والنساء مع الغربان والكلاب على لحم الخيول الميتة، وفي الألزاس انتُزع المعتدون المشنوقون من المشنقة تلهفاً على التهام جثثهم، وفي أرض الراين كانت القبور تنبش وتباع الجثث لتؤكل، واعترفت امرأة في مدينة (الساربروكن) بأنها أكلت طفلها..
- ثم يضيف : أصبحت المدن الكبرى مثل :( ماجديبورج )،( وهايدلبرج )، (ونورمبرغ )، (وبايروث)، أطلالاً خربة، وتدهورت الصناعة، وكسدت التجارة، وصار التجار الذين كانوا يوماً أثرياء يتسولون أو يسرقون ويسلبون من أجل لقمة العيش، وبات الهواء ساماً بسبب الفضلات والنفايات والجثث المتعفنة في الشوارع، وانتشرت الأوبئة مثل: التيفوس والدوسنطاريا والتيفود والإسقربوط بين السكان المذعورين، ومرت القوات الاسبانية بمدينة ميونيخ فتركت وراءها طاعوناً أودى بحياة عشرة آلاف ضحية في أربعة أشهر، وذوت وذبلت في أتون الحرب الفنون والآداب التي كانت تضفي على المدن شرفاً ومجداً، وانهارت الأخلاق والروح المعنوية على حد سواء، واختفت كل المثل الدينية والوطنية بعد جيل ساده العنف.
- انتهت الحرب بمعاهدة مونستر وهي جزء من صلح وستفاليا الأوسع العام 1648م. وهكذا وضعت الحرب أوزارها بعد 30 عاماً من سفك الدماء.
لا أدري إذا كانت توقعات وزير الدفاع الامريكي الاسبق ستتحقق، لكن السنا أمام بروفة لا تختلف عن تلك التي شهدتها اوروبا قبل نحو اربعة قرون؟ أليس الصراع الذي نتابع فصوله المأساوية هو صراع داخل إطار الدِّين الواحد والحضارة الواحدة وبين المؤمنين بالنبي الخاتم ؟ إنَّ أخشى ما أخشاه أن تمتد تلك الحروب التي اشتعلت في بلداننا باسم الدِّين والطائفة والمذهب وتحت رعاية السياسة وفي خدمتها الى مئة سنة او اكثر ، ومن حقنا هنا أن نسأل: ما العمل ؟ وهل من المعقول أن نورث أحفادنا أو – حتى – أبنائهم هذه اللعنة التي حلَّت بنا ، وان نترك لأفراخ «داعش» التي تتكلم بالسياسية أو الاخرى التي تتغطى بالدِّين ان تقرر مصيرهم بعد ان أقرَّت مصيرنا ومصير ابناءنا؟ يا إلهي ان هذا التاريخ يعيد درسه علينا كل مرة من جديد ولكننا نحن (أمَّة اقرأ) لا نقرأ، ولا نتعلم،(وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)«محمد:38».
الدستور
حين قرأت تصريحات الوزير الامريكي قلت : لا بد أن نسمع صوت التاريخ وأن نصغي الى المؤرخ بعد ان أصمتت آذاننا أصوات الساسة وضجيج السياسة ، أمَّا صوت التاريخ فلم اجد فيه اصدق مما حدث في تجربة أوروبا إبَّان القرن السابع عشر الميلادي الذي بدأ بحروب الـ» 30 عاما « ، وأما أنين المؤرخ فقد زفر به صاحب كتاب «قصة الحضارة» ، وهنا أستأذن بنقل جزء مصغَّر من الصورة.
- بدأت حرب الثلاثين عاما سنة 1618 وانتهت في 1648م، وكانت سلسلة من الحروب والصراعات الدامية التي مزقت أوروبا حيث امتدت من أراضي أوروبا الوسطى (ألمانيا الحالية)الواقعة آنذاك تحت سيطرة الإمبراطورية الرومانية المقدَّسة، ثم وصلت إلى فرنسا والأراضي المنخفضة وشمال إيطاليا وكاتالونيا.
- بدأت كحرب أهلية بين البروتستانت والرومان الكاثوليك في الولايات الألمانية. ولكن قبل انتهاء الصراع، كانت معظم الدول الأوروبية قد تورَّطت فيها، فتحولت الى صراع سياسي بين فرنسا والنمسا من أجل السيطرة على الدول الأخرى.
- اشتركت في هذه الحرب جيوش شتى من ألمانيا والسويد وفرنسا وهولندا وإسبانيا والدنمارك، وقتل حوالي ستة ملايين من أصل (21) مليوناً، أي مات حوالي ثلث السكان، معظمهم من الشباب،واحتاجت المانيا الى مئة عام حتى تستعيد عافيتها.
- جاء في كتاب قصة الحضارة لويل ديورانت: (تناقص عدد سكان ألمانيا بسرعة أثناء الحرب، وتقول التقديرات المعتدلة إن عدد سكان ألمانيا والنمسا هبط من (21) إلى (15) مليوناً،( أدى ذلك إلى هبوط نسبة الذكور بمقدار النصف تقريبا ما اضطر أوروبا بعدها إلى إعادة العمل بتعدد الزوجات) وبين (35) ألف قرية في (بوهيميا) هناك نحو (29) ألف قرية هجرها أهلوها أثناء الصراع، وهناك في مختلف أنحاء الإمبراطورية مئات من القرى لم يبق فيها ساكن واحد، وقد يقطع المرء في بعض الأقاليم ستين ميلاً دون أن يرى قريةً أو بيتاً، وتُركت آلاف الأفدنة الخصيبة دون فلح أو زرع بسبب نقص الرجال أو الدواب أو البذور، أو لأن الفلاحين لم يكونوا على ثقة من أنهم سيحصدون نتاج ما يزرعون، واستخدمت المحصولات لإطعام الجيوش، وكان ما تبقى يحرق لئلا يستفيد منه الأعداء، واضطُر الفلاحون في كثير من الأماكن إلى أكل الفضلات المخبأة أو الكلاب والقطط والفئران أو جوز البلوط والحشائش، وقد وجد بعض الموتى وفي أفواههم بعض الحشائش، وتنافس الرجال والنساء مع الغربان والكلاب على لحم الخيول الميتة، وفي الألزاس انتُزع المعتدون المشنوقون من المشنقة تلهفاً على التهام جثثهم، وفي أرض الراين كانت القبور تنبش وتباع الجثث لتؤكل، واعترفت امرأة في مدينة (الساربروكن) بأنها أكلت طفلها..
- ثم يضيف : أصبحت المدن الكبرى مثل :( ماجديبورج )،( وهايدلبرج )، (ونورمبرغ )، (وبايروث)، أطلالاً خربة، وتدهورت الصناعة، وكسدت التجارة، وصار التجار الذين كانوا يوماً أثرياء يتسولون أو يسرقون ويسلبون من أجل لقمة العيش، وبات الهواء ساماً بسبب الفضلات والنفايات والجثث المتعفنة في الشوارع، وانتشرت الأوبئة مثل: التيفوس والدوسنطاريا والتيفود والإسقربوط بين السكان المذعورين، ومرت القوات الاسبانية بمدينة ميونيخ فتركت وراءها طاعوناً أودى بحياة عشرة آلاف ضحية في أربعة أشهر، وذوت وذبلت في أتون الحرب الفنون والآداب التي كانت تضفي على المدن شرفاً ومجداً، وانهارت الأخلاق والروح المعنوية على حد سواء، واختفت كل المثل الدينية والوطنية بعد جيل ساده العنف.
- انتهت الحرب بمعاهدة مونستر وهي جزء من صلح وستفاليا الأوسع العام 1648م. وهكذا وضعت الحرب أوزارها بعد 30 عاماً من سفك الدماء.
لا أدري إذا كانت توقعات وزير الدفاع الامريكي الاسبق ستتحقق، لكن السنا أمام بروفة لا تختلف عن تلك التي شهدتها اوروبا قبل نحو اربعة قرون؟ أليس الصراع الذي نتابع فصوله المأساوية هو صراع داخل إطار الدِّين الواحد والحضارة الواحدة وبين المؤمنين بالنبي الخاتم ؟ إنَّ أخشى ما أخشاه أن تمتد تلك الحروب التي اشتعلت في بلداننا باسم الدِّين والطائفة والمذهب وتحت رعاية السياسة وفي خدمتها الى مئة سنة او اكثر ، ومن حقنا هنا أن نسأل: ما العمل ؟ وهل من المعقول أن نورث أحفادنا أو – حتى – أبنائهم هذه اللعنة التي حلَّت بنا ، وان نترك لأفراخ «داعش» التي تتكلم بالسياسية أو الاخرى التي تتغطى بالدِّين ان تقرر مصيرهم بعد ان أقرَّت مصيرنا ومصير ابناءنا؟ يا إلهي ان هذا التاريخ يعيد درسه علينا كل مرة من جديد ولكننا نحن (أمَّة اقرأ) لا نقرأ، ولا نتعلم،(وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)«محمد:38».
الدستور