نشرة واحدة تكفي!!
خيري منصور
جو 24 : منذ عدة عقود جفاف ونحن ننام ونصحو على نشرة أخبار واحدة ومتكررة تبدأ بالسيارات المفخخة في بغداد، ثم تتوقف قليلاً عند مخيم جنين أو قطاع غزة. ويأتي بعد ذلك الفاصل الإعلامي أو الإعلاني لا فرق، ليضاف إلى عدد القتلى عشرات آخرون في اليمن وحين دخلت سوريا على الخط أصبح لها نصيب الأسد من حيث عدد القتلى والمهاجرين وأخيراً داعش التي قال طفل عربي على إحدى الفضائيات، إنها اسم رجل من طراز هؤلاء المجرمين الذين يتم ترويع الأطفال بهم.
نشرة أخبار واحدة تكفي، لأنها تقول الأشياء ذاتها، وان تغيرت الأسماء إذْ لا فرق بين كونداليزا رايس وسوزان رايس وبين كيري وتوم وجيري إلى آخر القائمة.
نشرة مكرسة من ألفها إلى يائها للموت، والدم يرشح من الشاشات لفرط ما تتردد هذه الكلمة في كل وسائل الإعلام، وهكذا صرنا كما كان يقول أجدادنا: «يا فتاح يا عليم ما ننام عليه نصحو عليه»، والجديد الوحيد تحت الشمس هو عدد القتلى الذي أصبحت الحواسيب وعدادات الدم تعجز عن مواكبته، لهذا تبخل على الموتى بذكر أسمائهم لأنهم مجرد أرقام صماء!
ولم يعد لدينا فصول أربعة، لأن هناك فصلاً خامساً حشدها كلها، ولم تعد لدينا جهات أربع لأن الجهة الخامسة التي لا تعرفها البوصلات التهمت الجهات كلها.. فكيف اختزلت الحياة كلها إلى نشرة أخبار حمراء وأي مستقبل ذلك الذي ثرثرنا حوله طيلة أعمارنا؟
ولا يخطر ببال البالغين المستغرقين في اللعبة العقيمة أن جيلاً عربياً بكامله يرضع ثقافة مضادة للحياة وينام مذعوراً ويصحو مرعوباً وبين الذعر والرعب تتناوب عيله الكوابيس، ذلك لأننا خدعناه حين قلنا له، إن من جدّ وجد ثم اكتشف بعد أن فطم عقله عن حليبنا العكر أن من هدّ هو الذي وجد!
إن نشرة أخبار عربية واحدة في أيامنا تعادل من حيث حمولتها من القتلى والأطلال واللجوء والسطو ألف نشرة أخبار في زمن سابق، لكنا على ما يبد وتأقلمنا مع هذا الفائض من الموت ومع هذا الذعر بحيث أصبحنا نشكر السماء إذا صحونا أحياء وكسبنا نهاراً آخر.
ولا بد أن حياتنا بمجملها بالغة الهشاشة إذْ تصاب بتصلب الشرايين وجلطات الروح كلما ارتطم كوز بجرة، فنحن من أكثر الشعوب ثرثرة عن الحرب وأقلها ممارسة لها، ومن أكثر الشعوب هذيانا عن الحب وأقلها ممارسة له. لأننا -كما وصفنا القصيمي- ظاهرة صوتية، رغم أن ما يحدث الآن هو تحولنا الدراماتيكي إلى ظاهرة صمت.
فمن صرخ حتى تفصدت شرايين رقبته صمت ونام، ومن حلم حتى فقد ذاكرته وأضاع واقعة كف عن الحلم.
ومن بقي على قيد ذاكرته وهويته وضميره يسخر الناس منه إذا سألهم! ماذا ينتظرون وأي هشيم سيحصدون؟؟
الدستور
نشرة أخبار واحدة تكفي، لأنها تقول الأشياء ذاتها، وان تغيرت الأسماء إذْ لا فرق بين كونداليزا رايس وسوزان رايس وبين كيري وتوم وجيري إلى آخر القائمة.
نشرة مكرسة من ألفها إلى يائها للموت، والدم يرشح من الشاشات لفرط ما تتردد هذه الكلمة في كل وسائل الإعلام، وهكذا صرنا كما كان يقول أجدادنا: «يا فتاح يا عليم ما ننام عليه نصحو عليه»، والجديد الوحيد تحت الشمس هو عدد القتلى الذي أصبحت الحواسيب وعدادات الدم تعجز عن مواكبته، لهذا تبخل على الموتى بذكر أسمائهم لأنهم مجرد أرقام صماء!
ولم يعد لدينا فصول أربعة، لأن هناك فصلاً خامساً حشدها كلها، ولم تعد لدينا جهات أربع لأن الجهة الخامسة التي لا تعرفها البوصلات التهمت الجهات كلها.. فكيف اختزلت الحياة كلها إلى نشرة أخبار حمراء وأي مستقبل ذلك الذي ثرثرنا حوله طيلة أعمارنا؟
ولا يخطر ببال البالغين المستغرقين في اللعبة العقيمة أن جيلاً عربياً بكامله يرضع ثقافة مضادة للحياة وينام مذعوراً ويصحو مرعوباً وبين الذعر والرعب تتناوب عيله الكوابيس، ذلك لأننا خدعناه حين قلنا له، إن من جدّ وجد ثم اكتشف بعد أن فطم عقله عن حليبنا العكر أن من هدّ هو الذي وجد!
إن نشرة أخبار عربية واحدة في أيامنا تعادل من حيث حمولتها من القتلى والأطلال واللجوء والسطو ألف نشرة أخبار في زمن سابق، لكنا على ما يبد وتأقلمنا مع هذا الفائض من الموت ومع هذا الذعر بحيث أصبحنا نشكر السماء إذا صحونا أحياء وكسبنا نهاراً آخر.
ولا بد أن حياتنا بمجملها بالغة الهشاشة إذْ تصاب بتصلب الشرايين وجلطات الروح كلما ارتطم كوز بجرة، فنحن من أكثر الشعوب ثرثرة عن الحرب وأقلها ممارسة لها، ومن أكثر الشعوب هذيانا عن الحب وأقلها ممارسة له. لأننا -كما وصفنا القصيمي- ظاهرة صوتية، رغم أن ما يحدث الآن هو تحولنا الدراماتيكي إلى ظاهرة صمت.
فمن صرخ حتى تفصدت شرايين رقبته صمت ونام، ومن حلم حتى فقد ذاكرته وأضاع واقعة كف عن الحلم.
ومن بقي على قيد ذاكرته وهويته وضميره يسخر الناس منه إذا سألهم! ماذا ينتظرون وأي هشيم سيحصدون؟؟
الدستور