القواصم في سقوط العواصم !!
حسين الرواشدة
جو 24 : إذا كان مشهد سقوط (العواصم) في بلداننا العربية أصابنا (بالصدمة) فإن تصاعد حالة العنف والتطرف وانتصار منطق (الميلشيات) المسلحة مقابل انهيار الجيوش وتشظي الدولة قد ولّد لدينا حالة غريبة من (الفرجة)، وبين حدّي (الصدمة والفرجة) وجدنا أنفسنا عاجزين عن فعل أي شيء، فلا ( المثقف) العربي الذي افتقدناه على مدى العقود الماضية تحرك لكي يفهم ما جرى ويدلنا على الصواب، ولا الديني والسياسي تنادوا الى (كلمة سواء) تضع حدا لهذه الحروب و الصراعات التي أزهقت مئات الآلاف من أرواح الابرياء.
سؤال السقوط الذي بدأ مطروحا حين انهارت بعض الانظمة أمام حشود الجماهير المحتجة في الشوارع والميادين، لم تزل إجاباته معلقة، لكن الأخطر منه هو سؤال سقوط الأفكار و سقوط العواصم والدول، هذا الذي يحتاج فعلا الى اجابات حقيقية، ذلك أنه لايمكن أن نفهم كيف تمكنت (تنظيمات) صغيرة مثل داعش أو الحوثيين أو جماعة أنصار الشريعة أو غيرها أن ( تطبق) على مجالنا العام وأن تملأ (فراغنا) وتستفز مكونات هويتنا دون أن نستدعي ارثنا التاريخي وتجربتنا المعاصرة وندقق في هذه المسيرة الطويلة لنعرف أين أصبنا وأين أخطأنا، هل كان الخلل في (السياسي) وحده أم في ( الديني) ايضا، في (الذات) ومجالاتها وعلاقاتها أم في (الآخر) الذي سبق وتعمد الانقضاض علينا في كل مناسبة.
من المفارقات - هنا- أننا نحارب في إطار إصلاح ( اعوجاج) الذات، لكن دون أن نسأل أنفسنا عن جذور هذا الاعوجاج وأسبابه و المسؤول عنه، ودون أن نمتلك ما يلزم من ( عدّة وعتاد) للانتصار، ودون أن نفهم المبررات التي تدفع ( الآخر) الى التحالف معنا، ومن المفارقات - ايضا- أننا نتحدث عن مواجهات عسكرية فقط مع أننا نعرف أن الطرف الآخر الذي نسعى الى اضعافه يبدو خاسرا سلفا(لانه على الاقل ليس الاقوى عسكريا) فيما نغض الطرف عن المواجهات الاخرى والمهمة على صعيد ( الفكرة) التي تحتاج الى فكرة اقوى لتهزمها، فهل نمتلك يا ترى الفكرة الاقوى وهل نحن مؤهلون لحملها ؟ دعونا هنا نرصد صورتين: أحدهما صورة (المثقف) المسلح الذي تستند اليه هذه التنظيمات المسلحة، سواء في الحقل السياسي أو الحقل الديني، كمرجعية، وللتذكير فإن داعش فعلا اعتمدت على كتابين اساسين أحدهما قام على تأصيل مسألة الجهاد (اسمه مسائل في الجهاد) والآخر قدم رؤية سياسية للتعامل مع الفوضى ( اسمه ادارة التوحش)، وسنكتشف هنا بان ما تفعله هذه التنظيمات يعبر عن رؤية دينية وثقافية وسياسية يتبناها ويريد أن يفرضها على الجميع، ولها مرجعيتها المعتبرة(الفقهية والسياسية) وهي تجسد رؤية (للمثقف) المسلح حتى وان اختلفنا حول استخدام مصطلح المثقف ، أما الصورة الاخرى فهي بعكس هذا الاتجاه، حيث ( المثقف) المعتدل الذي غاب عن المشهد واختار البقاء في دائرة ( الصدمة و الفرجة)، هذا للأسف لم يتحرك كما اسلفنا لكن الأسوأ من ذلك أنه ظل يمثل دور الانتهازي، فهو دائما مع السلطة أيا كان شكلها ومهما كان دورها، وبالتالي فإن حضور ( المثقف الداعشي) المسلح مقابل غياب ( المثقف) المعتدل و التنويري و الضميري افقدنا فرصة مهمة للانتصار في هذه الحرب...ومالم ننجح في استعادة هذا المثقف أو ( استيلاده) فإن مواجهتنا مع ( السقوط) الذي بدأ بالانظمة وانتهى بالدول ستكون خاسرة.
لكي نفهم ماجرى في عالمنا العربي لابد ان نتذكر بأن السلطة السياسية التي تقمصت الدولة وتماهت معها تماما نجحت في (تأميم) المجال العام بحيث أصبح الديني تابعا لها ومعبرا عن طموحاتها، كما أصبح المثقف جزءا منها وملحقا بها، وبالتالي فإنها تفردت بوضع ( استبدادها) الذي يمثل حالة الضعف والارتباك و الخوف كرؤية واحدة فرضتها على الجميع، وما أن انهارت هذه ( الرؤية) لاسباب مختلفة، بعضها يتعلق بصحوة ( الذات) وانفجاراتها وبعضها يتعلق (بالآخر) الاجنبي ومصالحة، حتى انفراطت “حبات المسبحة “ الواحدة تلو الاخرى ، ولم يكن وراء هذا السقوط او الانفراط - كما نتخيل أحيانا- قوة الشعوب أو رعب التنظيمات المسلحة أو حتى مكر الخصوم وانما كان وراءه سبب جوهري واحد وهو وجود ( بذرة) الفناء و التدهور داخل جدران الدولة العربية وفي مكوناتها الاساسية، لدرجة أن ما حصل هو مجرد ( انكشاف) هزّ ( منسأة) الواقع فسقطت ( الجثة) التي ارتكزت عليها، ليس لأن الهزة قوية وانما لأن الجثة كانت قد ماتت منذ عقود.
غدا نكمل ان شاء الله
الدستور
سؤال السقوط الذي بدأ مطروحا حين انهارت بعض الانظمة أمام حشود الجماهير المحتجة في الشوارع والميادين، لم تزل إجاباته معلقة، لكن الأخطر منه هو سؤال سقوط الأفكار و سقوط العواصم والدول، هذا الذي يحتاج فعلا الى اجابات حقيقية، ذلك أنه لايمكن أن نفهم كيف تمكنت (تنظيمات) صغيرة مثل داعش أو الحوثيين أو جماعة أنصار الشريعة أو غيرها أن ( تطبق) على مجالنا العام وأن تملأ (فراغنا) وتستفز مكونات هويتنا دون أن نستدعي ارثنا التاريخي وتجربتنا المعاصرة وندقق في هذه المسيرة الطويلة لنعرف أين أصبنا وأين أخطأنا، هل كان الخلل في (السياسي) وحده أم في ( الديني) ايضا، في (الذات) ومجالاتها وعلاقاتها أم في (الآخر) الذي سبق وتعمد الانقضاض علينا في كل مناسبة.
من المفارقات - هنا- أننا نحارب في إطار إصلاح ( اعوجاج) الذات، لكن دون أن نسأل أنفسنا عن جذور هذا الاعوجاج وأسبابه و المسؤول عنه، ودون أن نمتلك ما يلزم من ( عدّة وعتاد) للانتصار، ودون أن نفهم المبررات التي تدفع ( الآخر) الى التحالف معنا، ومن المفارقات - ايضا- أننا نتحدث عن مواجهات عسكرية فقط مع أننا نعرف أن الطرف الآخر الذي نسعى الى اضعافه يبدو خاسرا سلفا(لانه على الاقل ليس الاقوى عسكريا) فيما نغض الطرف عن المواجهات الاخرى والمهمة على صعيد ( الفكرة) التي تحتاج الى فكرة اقوى لتهزمها، فهل نمتلك يا ترى الفكرة الاقوى وهل نحن مؤهلون لحملها ؟ دعونا هنا نرصد صورتين: أحدهما صورة (المثقف) المسلح الذي تستند اليه هذه التنظيمات المسلحة، سواء في الحقل السياسي أو الحقل الديني، كمرجعية، وللتذكير فإن داعش فعلا اعتمدت على كتابين اساسين أحدهما قام على تأصيل مسألة الجهاد (اسمه مسائل في الجهاد) والآخر قدم رؤية سياسية للتعامل مع الفوضى ( اسمه ادارة التوحش)، وسنكتشف هنا بان ما تفعله هذه التنظيمات يعبر عن رؤية دينية وثقافية وسياسية يتبناها ويريد أن يفرضها على الجميع، ولها مرجعيتها المعتبرة(الفقهية والسياسية) وهي تجسد رؤية (للمثقف) المسلح حتى وان اختلفنا حول استخدام مصطلح المثقف ، أما الصورة الاخرى فهي بعكس هذا الاتجاه، حيث ( المثقف) المعتدل الذي غاب عن المشهد واختار البقاء في دائرة ( الصدمة و الفرجة)، هذا للأسف لم يتحرك كما اسلفنا لكن الأسوأ من ذلك أنه ظل يمثل دور الانتهازي، فهو دائما مع السلطة أيا كان شكلها ومهما كان دورها، وبالتالي فإن حضور ( المثقف الداعشي) المسلح مقابل غياب ( المثقف) المعتدل و التنويري و الضميري افقدنا فرصة مهمة للانتصار في هذه الحرب...ومالم ننجح في استعادة هذا المثقف أو ( استيلاده) فإن مواجهتنا مع ( السقوط) الذي بدأ بالانظمة وانتهى بالدول ستكون خاسرة.
لكي نفهم ماجرى في عالمنا العربي لابد ان نتذكر بأن السلطة السياسية التي تقمصت الدولة وتماهت معها تماما نجحت في (تأميم) المجال العام بحيث أصبح الديني تابعا لها ومعبرا عن طموحاتها، كما أصبح المثقف جزءا منها وملحقا بها، وبالتالي فإنها تفردت بوضع ( استبدادها) الذي يمثل حالة الضعف والارتباك و الخوف كرؤية واحدة فرضتها على الجميع، وما أن انهارت هذه ( الرؤية) لاسباب مختلفة، بعضها يتعلق بصحوة ( الذات) وانفجاراتها وبعضها يتعلق (بالآخر) الاجنبي ومصالحة، حتى انفراطت “حبات المسبحة “ الواحدة تلو الاخرى ، ولم يكن وراء هذا السقوط او الانفراط - كما نتخيل أحيانا- قوة الشعوب أو رعب التنظيمات المسلحة أو حتى مكر الخصوم وانما كان وراءه سبب جوهري واحد وهو وجود ( بذرة) الفناء و التدهور داخل جدران الدولة العربية وفي مكوناتها الاساسية، لدرجة أن ما حصل هو مجرد ( انكشاف) هزّ ( منسأة) الواقع فسقطت ( الجثة) التي ارتكزت عليها، ليس لأن الهزة قوية وانما لأن الجثة كانت قد ماتت منذ عقود.
غدا نكمل ان شاء الله
الدستور