دارون معكوساً!!
خيري منصور
جو 24 : قال كاتب عربي بلغ رشده المعرفي في الستين، وأعلن الفطام وأقسم أنه لن يرضع بعد اليوم غير ما ينزف من أصبعه أن دارون وجد من ينقلب عليه، ويدمر نظريته في التطور فما زعمه عن تطور البشر خلال ملايين الأعوام من قردة إلى بشرٍ ثبت بطلانه سياسياً واجتماعياً أما البعد العلمي فله مقام آخر.
قال هذا الكاتب العربي الملدوغ من الجحر ذاته ألف مرة أن الحياة السياسية العربية أعادت الإنسان إلى ما كان عليه خلال أقل من ستين عاماً. وعلى من لا يصدق أن يتفرغ ولو ليوم واحد كي يرصد السيرك المفتوح والمجاني على مدار الساعة.
هذه العودة غير الحميدة إلى ما قبل الإنسان وبالتالي إلى ما قبل الحضارة والكتابة على الطين وورق البردي هي ما حوّل المستهجن إلى مألوف وغير المرغوب فيه إلى مرغوب بل مُشتهى ويسيل عليه اللعاب!
ولا أظن أن دارون أو سبنسر أو حتى ابن المقفع تحدثوا عن امرأة قطعت جسد زوجها ارباً ووضعت أشلاءه في أكياس سوداء وألقتها إلى الحاوية، بحيث تتحول إلى وليمة للفئران والقطط والكلاب الضالة.
ولم يتحدث أحد من هؤلاء عن ابن قتل أباه كي يتعجل وراثته أو عن قاطع طريق لم يجد ما يقطعه فباع بلاده كلها بحفنة دولارات.
إن ما نسمعه ونقرأه ونشاهده أحياناً على الشاشات يفقدنا التوازن لساعات، ويفقدنا شهية الطعام وحتى شهية النوم رغم تراكم النعاس.
فهل حقاً يحدث كل هذا في مطالع الألفية الثالثة، وكأن هذا الكوكب لم يمر به حكيم أو فيلسوف أو مُصلح أو حتى حالِم!
إن إصرار من يملك ترسانة من الأسلحة سواء سرقها من جيش هارب أو أخذها ممن يوظفه ويستخدمه كقفاز كي لا تتسخ يداه على أن يستخدم السكين لذبح الإنسان هو بحد ذاته دارونية معكوسة، وقفزة هائلة من هذا القرن إلى ما قبل التاريخ. ولو شهد من كابدوا مشقة تمدين البشر وتطويرهم وتحريرهم من ثقافة الناب والمخلب قيامة عاجلة لصرخوا من كل المقابل..:
- لمن كتبنا إذن؟
- ولمن رسمنا ولم غنَّينا ولمن قاومنا البربرية ولمن زرعنا؟
وهل ذهبت كل صيحاتنا سُدى.. إننا قاب داعشين أو أدنى من تلك اللحظة التي تخيلها صاحب فلم 455 فهرنهايت، بحيث أصبح علينا أن نهرع إلى البراري وما تبقى من غابات كي نحفظ الكتب قبل أن تحرق ونحفظ الأغاني قبل أن تُمنع ونتحسس أسفل ظهورنا لنتأكد أننا بلا ذيول!!
الدستور
قال هذا الكاتب العربي الملدوغ من الجحر ذاته ألف مرة أن الحياة السياسية العربية أعادت الإنسان إلى ما كان عليه خلال أقل من ستين عاماً. وعلى من لا يصدق أن يتفرغ ولو ليوم واحد كي يرصد السيرك المفتوح والمجاني على مدار الساعة.
هذه العودة غير الحميدة إلى ما قبل الإنسان وبالتالي إلى ما قبل الحضارة والكتابة على الطين وورق البردي هي ما حوّل المستهجن إلى مألوف وغير المرغوب فيه إلى مرغوب بل مُشتهى ويسيل عليه اللعاب!
ولا أظن أن دارون أو سبنسر أو حتى ابن المقفع تحدثوا عن امرأة قطعت جسد زوجها ارباً ووضعت أشلاءه في أكياس سوداء وألقتها إلى الحاوية، بحيث تتحول إلى وليمة للفئران والقطط والكلاب الضالة.
ولم يتحدث أحد من هؤلاء عن ابن قتل أباه كي يتعجل وراثته أو عن قاطع طريق لم يجد ما يقطعه فباع بلاده كلها بحفنة دولارات.
إن ما نسمعه ونقرأه ونشاهده أحياناً على الشاشات يفقدنا التوازن لساعات، ويفقدنا شهية الطعام وحتى شهية النوم رغم تراكم النعاس.
فهل حقاً يحدث كل هذا في مطالع الألفية الثالثة، وكأن هذا الكوكب لم يمر به حكيم أو فيلسوف أو مُصلح أو حتى حالِم!
إن إصرار من يملك ترسانة من الأسلحة سواء سرقها من جيش هارب أو أخذها ممن يوظفه ويستخدمه كقفاز كي لا تتسخ يداه على أن يستخدم السكين لذبح الإنسان هو بحد ذاته دارونية معكوسة، وقفزة هائلة من هذا القرن إلى ما قبل التاريخ. ولو شهد من كابدوا مشقة تمدين البشر وتطويرهم وتحريرهم من ثقافة الناب والمخلب قيامة عاجلة لصرخوا من كل المقابل..:
- لمن كتبنا إذن؟
- ولمن رسمنا ولم غنَّينا ولمن قاومنا البربرية ولمن زرعنا؟
وهل ذهبت كل صيحاتنا سُدى.. إننا قاب داعشين أو أدنى من تلك اللحظة التي تخيلها صاحب فلم 455 فهرنهايت، بحيث أصبح علينا أن نهرع إلى البراري وما تبقى من غابات كي نحفظ الكتب قبل أن تحرق ونحفظ الأغاني قبل أن تُمنع ونتحسس أسفل ظهورنا لنتأكد أننا بلا ذيول!!
الدستور