كيف نتحرر من «خرافاتنا» الدينية والسياسية..؟
حسين الرواشدة
جو 24 : لا يمكن ان نفهم ما جرى في عالمنا العربي ولا ان نخرج من «المحنة» التاريخية التي نمر بها لكي نعبر نحو المستقبل الذي تحلم به شعوبنا الا اذا امتلكنا الشجاعة اللازمة لكشف «الاساطير « التي اسست واثثت حياتنا وواقعنا على امتداد العقود ( القرون : ادق ) الماضية.
قبل ان اشير الى بعض هذه الاساطير استأذن بتسجيل ثلاث ملاحظات ، الاولى : ان الاسطورة ليست غريبة عن شخصيتنا العربية ، فنحن غالبا ما نذهب الى استحضارها في مراحل الضعف حين نشعر بالخوف او اللايقين او حين نحاول البحث عن «حقائق» تطمئننا او ترضي احلامنا ، واخطر ما عانت منه الذات العربية هو الاستغراق في «الاساطير « واستلهامها او توظيفها لاقناع الناس بأن احوالهم على ما يرام ، الملاحظة الثانية : ان التحالف الذي تم بين السياسي والديني في تجربتنا التاريخية وفي واقعنا ايضا تعمد التأسيس لهذه الاساطير وترويجها وبالتالي فان اي اختلاف حولها بينهما كان اختلافا في الدرجة لا في النوع ، وفي النتيجة لا المبدأ، وفي الشكل لا في المضامين، اما الملاحظة الثالثة فهي ان القطيعة التي حدثت بين الذات العربية وبين العلم والاخلاق ،في المجالين الديني والسياسي، وفي المجال العام ايضا ، ولدت لدى هذه الذات المجروحة والمقهورة ولعل في الهروب من الواقع، ورغبة في استعراض الذات وتفخيمها كرد على الشعور بالهزيمة او كتعويض للاحساس بعقدة «النقص»، وبالتالي فان التجاء هذه الذات الى الاسطورة او تقمصها لها كان مفهوما في سياق انكار الوقائع والارتهان للرغبات ، او في سياق البحث عن امكنة آمنة لاخماد اصوات التمرد الداخلي ومداراة الجراحات الملتهبة .
لا نحتاج بالطبع الى حفريات عميقة داخل الذات العربية في المجالين الديني والسياسي تحديدا لكي نكتشف الاساطير التي نشأت عليها ،نظرة واحدة للسطح تكفي لرؤية حركة هذه الاساطير في حياتنا وواقعنا ، خذ مثلا اسطورة «الدولة « التي لم نفلح حتى الان في معرفة هويتها وترسيم حدودها ، الدولة التي ما تزال مجرد هياكل غامضة مفرغة من المضامين ، هذه الدولة التي تأسس عليها وعينا باعتبارها اطارا عاما للوطن وملكا لمواطنيها ومصدرا للقوة نكتشف الان بعد ما جرى في عالمنا من اضمحلال لمنعة الدولة وسقوط بعض العواصم واندحار بعض الجيوش وتمدد المليشيات وصراع المكونات على اساس الطائفة والمذهب ، نكتشف ان صورة الدولة في المخيلة الاسطورية ليست كما هي في الواقع ، نحن بالطبع نعرف لماذا ، لكننا للاسف استسلمنا للخيال ولم نعمل عقولنا في حقيقة نشأة هذه الدولة وفي سيرورتها وفي الاخطاء التي رافقت قيامها وتطورها.
خذ في المجال السياسي ايضا، اساطير اخرى مثل : «التنمية» ، الديمقراطية ، العدالة ، الشعب الواحد، ستكتشف ايضا بان حركة السياسة ومعها حركة المجتمع في الغالب كانت تسير بعكس اتجاه هذه القيم والمفاهيم ، فالتنمية التي انتجت اكثر من 60 مليون امي في العالم العربي واكثر من 100 مليون شاب عاطل عن العمل ، ليست اكثر من «كذبة» واسطورة ، والتنمية التي لم تنتج جامعة عربية واحدة بين اوائل مئة جامعة في العالم ولم تسمح للبحث العلمي ان يحوز على اكثر من اثنين في العشرة من مئة من التاتج الاجمالي للدول العربية ،هذه التنمية التي يمكن مطالعة نتائجها في تقارير التنمية البشرية التي تصدر سنوياكانت ايضا جزء من المشكلة التي تجاوزنا بها الحقيقة الى الاستسلام للاسطورة ، اما الديمقراطية والعدالة ..الخ ، فليست اكثر من نسخ متشابهة للتنمية ، ومجرد تطبيقات عملية بائسة لها ،
الاساطير في المجال الديني كانت صادمة اكثر ، لا لانها فقط تستمد شرعيتها من «قداسة « المرجعية التي نتوهم انها تنتسب اليها وانما ايضا لانها شكلت الاساس الذي انبنى عليه وعينا وثقافتنا وانبنت عليه احكامنا التي نصدرها تجاه الذات او الآخر ، خذ مثلا «اسطورة الخلافة « التي ما تزال تشكل «عقدة نفسية « للكثير من المسلمين، كيف يتم توظيفها اليوم لتبرير «التوحش» والقتل ، وتجاوز القيم التي تمثلها «الدولة « العادلة المنسجمة مع مبادئ الدين ، وخذ ايضا اسطورة السياسة التي تم اختزال الدين فيها ، وتوظيفها لخدمته حتى لو كانت منزوعة من اخلاقيات الدين، ثم ماذا كانت النتيجة؟ ان كل هذه الحروب التي عانينا منها على امتداد تاريخنا كانت بسبب تقمصنا لهذه الاسطورة التي افرزت من «التدين « اسوأ ما فيه ومن المسلمين اوحش ما لديهم ،وخذ ايضا اسطورة «الانا الناجية « والآخر الهالك ،واسطورة «انا استاذ العالم ومعلم البشرية» ، واسطورة «النسخة العربية المعتمدة والوحيدة للاسلام « واسطورة الجهاد الذي اختزل في القتال فقط ، واسطورة « تقسيم العالم الى فسطاطين» على مسطرة التكفير والولاء والبراءة ، ولا تنس بالطبع اسطورة «الطاعة» ،واسطورة «الغنيمة « واسطورة تقديس التاريخ ..، وما اكثر الاساطير التي تحتشد في مدوناتنا التاريخية والفقهية لدرجة ان المسلم الذي تصور بان الدين جاء لكي يحرره من الخرافة والاسطورة انتهى للاسف - بفعل بعض الذين تقمصوا دور العلماء واصبحوا رجال دين - الى العيش في واقع حزين سادت فيه الخرافة فقهرته واستلبت منه عقله وانسانيته.
باختصار، اذا اردنا ان نغادر ازماتنا المزمنة لا بد ان نفتح عيوننا على كل الاساطير التي كرست تخلف الذات العربية المسلمة، والغت عقلها ،وجردتها من انسانيتها ، وان نتصارح و نتصالح ونكف عن استخدام منطق التكاذب والمجاملة ، والاقصاء والتكفير، واستعداء الذات والاخر ، لا بد ان نبدأ مرحلة التحرر من الخرافات السياسية والدينية ، وبعد ذلك يمكن ان نبحث على وجه اليقين : كيف نعبر الى المستقبل..؟
الدستور
قبل ان اشير الى بعض هذه الاساطير استأذن بتسجيل ثلاث ملاحظات ، الاولى : ان الاسطورة ليست غريبة عن شخصيتنا العربية ، فنحن غالبا ما نذهب الى استحضارها في مراحل الضعف حين نشعر بالخوف او اللايقين او حين نحاول البحث عن «حقائق» تطمئننا او ترضي احلامنا ، واخطر ما عانت منه الذات العربية هو الاستغراق في «الاساطير « واستلهامها او توظيفها لاقناع الناس بأن احوالهم على ما يرام ، الملاحظة الثانية : ان التحالف الذي تم بين السياسي والديني في تجربتنا التاريخية وفي واقعنا ايضا تعمد التأسيس لهذه الاساطير وترويجها وبالتالي فان اي اختلاف حولها بينهما كان اختلافا في الدرجة لا في النوع ، وفي النتيجة لا المبدأ، وفي الشكل لا في المضامين، اما الملاحظة الثالثة فهي ان القطيعة التي حدثت بين الذات العربية وبين العلم والاخلاق ،في المجالين الديني والسياسي، وفي المجال العام ايضا ، ولدت لدى هذه الذات المجروحة والمقهورة ولعل في الهروب من الواقع، ورغبة في استعراض الذات وتفخيمها كرد على الشعور بالهزيمة او كتعويض للاحساس بعقدة «النقص»، وبالتالي فان التجاء هذه الذات الى الاسطورة او تقمصها لها كان مفهوما في سياق انكار الوقائع والارتهان للرغبات ، او في سياق البحث عن امكنة آمنة لاخماد اصوات التمرد الداخلي ومداراة الجراحات الملتهبة .
لا نحتاج بالطبع الى حفريات عميقة داخل الذات العربية في المجالين الديني والسياسي تحديدا لكي نكتشف الاساطير التي نشأت عليها ،نظرة واحدة للسطح تكفي لرؤية حركة هذه الاساطير في حياتنا وواقعنا ، خذ مثلا اسطورة «الدولة « التي لم نفلح حتى الان في معرفة هويتها وترسيم حدودها ، الدولة التي ما تزال مجرد هياكل غامضة مفرغة من المضامين ، هذه الدولة التي تأسس عليها وعينا باعتبارها اطارا عاما للوطن وملكا لمواطنيها ومصدرا للقوة نكتشف الان بعد ما جرى في عالمنا من اضمحلال لمنعة الدولة وسقوط بعض العواصم واندحار بعض الجيوش وتمدد المليشيات وصراع المكونات على اساس الطائفة والمذهب ، نكتشف ان صورة الدولة في المخيلة الاسطورية ليست كما هي في الواقع ، نحن بالطبع نعرف لماذا ، لكننا للاسف استسلمنا للخيال ولم نعمل عقولنا في حقيقة نشأة هذه الدولة وفي سيرورتها وفي الاخطاء التي رافقت قيامها وتطورها.
خذ في المجال السياسي ايضا، اساطير اخرى مثل : «التنمية» ، الديمقراطية ، العدالة ، الشعب الواحد، ستكتشف ايضا بان حركة السياسة ومعها حركة المجتمع في الغالب كانت تسير بعكس اتجاه هذه القيم والمفاهيم ، فالتنمية التي انتجت اكثر من 60 مليون امي في العالم العربي واكثر من 100 مليون شاب عاطل عن العمل ، ليست اكثر من «كذبة» واسطورة ، والتنمية التي لم تنتج جامعة عربية واحدة بين اوائل مئة جامعة في العالم ولم تسمح للبحث العلمي ان يحوز على اكثر من اثنين في العشرة من مئة من التاتج الاجمالي للدول العربية ،هذه التنمية التي يمكن مطالعة نتائجها في تقارير التنمية البشرية التي تصدر سنوياكانت ايضا جزء من المشكلة التي تجاوزنا بها الحقيقة الى الاستسلام للاسطورة ، اما الديمقراطية والعدالة ..الخ ، فليست اكثر من نسخ متشابهة للتنمية ، ومجرد تطبيقات عملية بائسة لها ،
الاساطير في المجال الديني كانت صادمة اكثر ، لا لانها فقط تستمد شرعيتها من «قداسة « المرجعية التي نتوهم انها تنتسب اليها وانما ايضا لانها شكلت الاساس الذي انبنى عليه وعينا وثقافتنا وانبنت عليه احكامنا التي نصدرها تجاه الذات او الآخر ، خذ مثلا «اسطورة الخلافة « التي ما تزال تشكل «عقدة نفسية « للكثير من المسلمين، كيف يتم توظيفها اليوم لتبرير «التوحش» والقتل ، وتجاوز القيم التي تمثلها «الدولة « العادلة المنسجمة مع مبادئ الدين ، وخذ ايضا اسطورة السياسة التي تم اختزال الدين فيها ، وتوظيفها لخدمته حتى لو كانت منزوعة من اخلاقيات الدين، ثم ماذا كانت النتيجة؟ ان كل هذه الحروب التي عانينا منها على امتداد تاريخنا كانت بسبب تقمصنا لهذه الاسطورة التي افرزت من «التدين « اسوأ ما فيه ومن المسلمين اوحش ما لديهم ،وخذ ايضا اسطورة «الانا الناجية « والآخر الهالك ،واسطورة «انا استاذ العالم ومعلم البشرية» ، واسطورة «النسخة العربية المعتمدة والوحيدة للاسلام « واسطورة الجهاد الذي اختزل في القتال فقط ، واسطورة « تقسيم العالم الى فسطاطين» على مسطرة التكفير والولاء والبراءة ، ولا تنس بالطبع اسطورة «الطاعة» ،واسطورة «الغنيمة « واسطورة تقديس التاريخ ..، وما اكثر الاساطير التي تحتشد في مدوناتنا التاريخية والفقهية لدرجة ان المسلم الذي تصور بان الدين جاء لكي يحرره من الخرافة والاسطورة انتهى للاسف - بفعل بعض الذين تقمصوا دور العلماء واصبحوا رجال دين - الى العيش في واقع حزين سادت فيه الخرافة فقهرته واستلبت منه عقله وانسانيته.
باختصار، اذا اردنا ان نغادر ازماتنا المزمنة لا بد ان نفتح عيوننا على كل الاساطير التي كرست تخلف الذات العربية المسلمة، والغت عقلها ،وجردتها من انسانيتها ، وان نتصارح و نتصالح ونكف عن استخدام منطق التكاذب والمجاملة ، والاقصاء والتكفير، واستعداء الذات والاخر ، لا بد ان نبدأ مرحلة التحرر من الخرافات السياسية والدينية ، وبعد ذلك يمكن ان نبحث على وجه اليقين : كيف نعبر الى المستقبل..؟
الدستور