الجوكر مسبّع الكارات.. سفارة وزارة مجلس أعيان !
تامر خرمه- "الجوكر" هو أحد أوراق اللعب بل أهمّها، حيث يمكنك إلحاقه بأي سياق أو ترتيب في لعبة "الشدّة". وكذلك الأمر بالنسبة للسياسة الأردنيّة، التي تعتمد على شخصيّات "سوبر" تشكّل بنية السلطة، حيث تتنقّل "الجواكر" من موقع قيادي لآخر برشاقة منقطعة النظير، فيمكنها تبوّؤ موقع اقتصاديّ أو دبلوماسيّ أو وزاريّ.. لا يهمّ الاختصاص!
وكأنّها لعبة "طاق طاق طاقيّة".. تدور قبّعة المنصب –أيّ منصب- على "الجواكر" لينتقل كلّ منهم من موقع إلى آخر.. ولكن مهلا.. إنّهم في كلّ المواقع، فلا وجود لـ "كروت عاديّة" في بنية السلطة، "الجواكر" فقط.. إنّها سلطة "النجوم".
"طبّلت".. يقول الشعب المغلوب على أمره في ظلّ غياب آليّة حقيقيّة لاختيار قادته، فكلّ من أولي الأمر "جوكر" "مسبّع الكارات.. مضيّع البارات" !!
بالأمس مثلا انتقل د. هاني الملقي من مجلس الأعيان إلى رئاسة سلطة منطقة العقبة الاقتصاديّة، خلفا لكامل محادين الذي انتقل بدوره إلى مجلس الأعيان.. يبدو أن كلا الرجلين بارع في كلّ شيء، كغيرهما من "عظام الرقبة"، لذا فإنّك لا تحتاج لملء أيّ شاغر سوى أن تغرف من تشاء من مواقع صنع القرار، حتى لو احتجت إلى طبيب أو خبير في ميكانيك الكمّ، يعني بالعربي: "من دقنه سقّيله".
الطريف أن سبب انتقال محادين من رئاسة مفوضيّة العقبة إلى مجلس الأعيان جاء نتيجة مطالبة أعضاء في المجلس النيابي بإقالته، حيث نشب خلاف بينه وبين عدد من النوّاب الذين اتّهموه بالفساد، لذا كان من الصعب إبقاؤه في منصبه، وبالتالي تقرّر مكافأته على "جهوده" بنقله إلى السلطة التشريعيّة التي أزعجته، وتحديدا إلى مجلس الملك.
أمّا الملقي الذي أوصله التنقّل بين الوزارات والسلك الدبلوماسي إلى مجلس الأعيان، فيبدو أنّه "بارع" في شؤون البلديّات أيضاً.. فها هو يخلف محادين في موقعه، ليتجلّى المشهد على النحو التالي: إذا أردت إقالة أحدهم من منصبه فعليك توفير منصب جديد له، فـ "الجواكر" لا تخرج من السلطة مهما حصل.
مثال آخر على تعدّد مواهب متسابقي "الجوردان آيدول" هو انتقال منتصر العقلة من سفارة عمان في بروكسيل إلى وزارة الصناعة والتجارة.. ولا تتفاجأ إذا انتقل غدا إلى وزارة الصحّة أو الجمعيّة العلميّة الملكيّة أو البرلمان.. فالرجل "مثلهم" خبير في كلّ الشؤون !!
هذه هي الطريقة الأردنيّة في فهم "الحوكمة"، لا نحتاج إلى آليّة تشكيل حكومات أو حتّى دليل تنظيميّ أو إجرائيّ لأيّ من مؤسّسات الدولة، فرجالاتنا "يفهمون في كلّ شيء"، يتبادلون المواقع فيما بينهم فقط لكسر الروتين وتجنّب الشعور بالملل.
مسكين هو جان جاك روسو الذي أفنى عمره في الحديث عن العقد الاجتماعي والمبادئ والطبائع التي بمقتاضها تكون الحكومة شرعيّة، فشعبه لا يملك قيادات "فذّة" يمكنها الاشتغال في كلّ شيء، لو درس الواقع السياسي الأردني لعرف أن لعبة تدوير الكراسي تحقّق المستحيل، ووفّر على فرنسا ثورة استمرّت مائة عام.
"الأنموذج" الأردني للديمقراطيّة وفّر على الشعب عناء التفكير والاختيار، فلدينا نادي الشخصيّات "السوبر" الذين يفهمون في كلّ شيء، لذا لا نحتاج إلى أّية ميكانيكيّات لبناء دولة المؤسّسات، لعبة "الغمّيضة" تكفي بالنسبة لنا، أو ربّما لعبة النرد، دع الصدفة تختار الرجل المناسب للمكان المناسب، والعوض بسلامتكم!