ملف اللجوء وإدارة «واجب الضيافة» ..!!
حسين الرواشدة
جو 24 : “يثرب بفضل قبولها المهاجرين تشرفت وعلت منزلتها وأصبحت المدينة المنورة .. لو أن أهلها قالوا :طعامنا بالكاد يكفينا ، ومساكننا لا تتسع لغيرنا لبقيت يثرب ، ولما قصدها ملايين الناس “ .. “ديننا وثقافتنا وتربيتنا وتراثنا تحتم علينا قبول المهاجرين ، وتفرض علينا وضعهم تاجا على رؤوسنا” .
هذه العبارات ليست من عندي ، وانما هي مقتطفات من كلمة القاها رئيس الوزراء التركي ( أحمد داود أوغلو ) امس أمام رؤساء فروع حزب العدالة والتنمية ، وقد توقفت امامها لسببين : الاول انها جاءت في سياق احتفائنا بذكرى الهجرة النبوية، ودعواتنا المتكررة الى التعلم من دروسها ، واحسب ان امتحان عزمنا وقدرتنا على ذلك اصبح متاحا مع انفتاح ابواب التهجير وتصاعد اعداد المهجرين في بلداننا العربية التي ابتليت بالحروب والصراعات والفتن ،ومن المفترض ان نجتازه بنجاح اذا كنا حقا نفهم ديننا ونريد ان نلتزم بقيمه واخلاقياته بالفعل لا بمجرد الكلام ، وانا اتحدث هنا عن الهجرة كفكرة لا كرحلة، وعن وزنها الحقيقي في تكوين الانسان وبناء الدولة وتعميق رابطة الاخوة ،ليس بين المسلمين فقط وانما بين المواطنين ايضا ، اما السبب الاخر فهو ان بلدنا كان له النصيب الاكبر من “الهجرات “ المتكررة ،واخرها استقباله لاكثر من مليون ونصف المليون من المهجرين السوريين، واعتقد ان نقاشاتنا العامة حول الموضوع بدأت بصورة خجولة لاعتبارات انسانية مفهومة ،ومقدرة ايضا ، ثم احتدمت لاسباب سياسية ، وبالتالي فان من واجبنا اليوم ان نحرر نقاشتنا من التباساتها ،وان نحدد موقفنا من التهجير واللجوء بشكل واضح ، لتجاوز مسألتين مهمتين :الاولى “ازمة “ الهوية التي تحولت من هاجس الى واقع، لا سيما في مرحلة تعاني فيها الذات العربية من صراعات الهوية وحروبها على تخوم الدين والمذهب والطائفة ، والمسألة الثانية : ازمة “الادارة “ فيما يتعلق بملف اللجوء الذي تحول الى مشكلة بالنسبة لنا وللاجئين ايضا ، وهذه تتطلب اعادة النظر فيما جرى على امتداد السنوات الماضية من اجراءات لاستقبال اللاجئين وايوائهم وتقديم الخدمات لهم ، وهي اجراءات توزعت بين جهات عديدة ولم تكن مضبوطة كما يلزم .
اعرف ان المقارنة بيننا وبين تركيا على هذا الصعيد تبدو مجحفة ، سواء على صعيد الامكانيات او نسبة اللجوء الى عدد السكان او الاعتبارات والمصالح السياسية، كما اعرف ايضا ان البعض سيصرف ما قاله اوغلو حول واجب استضافة اللاجئين باتجاه ما تريد انقره ان توجه من رسائل في هذا الوقت تحديدا ، سواء للداخل التركي خاصة بعد دخول الاكراد على خط الصراع في عين العرب او للخارج حيث الضغوط التي تتعرض لها تركيا للمشاركة بشكل اكبر في الحرب ضد داعش، لكن مع ذلك فان ملف اللجوء – السوري تحديدا – اصبح بالنسبة لنا واقعا ، ولا بد ان نفكر جديا في التعامل معه : اولا بمنطق انساني يحرره من حسابات التوظيف وسوء الفهم ، وثانيا بمنطق اداري يحافظ على معادلة حفظ استقرار بلدنا وحفظ كرامة اللاجئين، ويقلل بقدر الامكان العبء الاقتصادي علينا، وثالثا بمنطق سياسي يساعدنا في حسم الشكوك التي تنتاب مجتمعنا حول مسالة اللجوء ودوافعه ومآلاته، وفي دفع المجتمع الدولي الى التعامل مع اللجوء باعتباره مشكلة انسانيّة وعربية ودوليّة، تخص العالم كله وليس بعض دول الجوار السوري فقط ، مع الملاحظة هنا انني تعمدت الاشارة الى “السياسة” التي هي اصل المشكلة،ذلك لان توظيف “المخيم” كورقة سياسية اصبح مكشوفاً، ولا حاجة الى التعليق عليه.
في مناسبة سابقة ذكرت بأننا اخطأنا في تعاملنا مع هذا الملف ثلاث مرات : مرّة حين فتحنا ابوابنا على مصراعيها لهذه الاعداد الكبيرة من “اللاجئين” على خلاف دول اخرى اقرب واقدر منا على استقبالهم. وتحملنا من اجل ذلك ما لاطاقة لنا به، ،كما اننا اخطأنا مرّة اخرى حين اعتقدنا بأننا نقدم خدمة للشعب السوري فيما الحقيقية اننا قدمنا هديّة “للنظام” السوري الذي هو السبب الرئيس في تهجير مواطنيه، ،واخطأنا مرّة ثالثة ايضاً حين تركنا لهذه “الملاذات” التي تحولت من مخيمات للجوء الى “بؤر” ساخنة لتصدير الجريمة والانفلات ان تتمدد وتتداخل، وأن تجري فيها اسوأ عمليات التهريب والمتاجرة “بالبشر” وان تصبح “ملجأ” للمتطرفين وتجار المخدرات، لدرجة ان البعض أثرى من وراء ذلك، ناهيك عن تمدد اللجوء بشكل غير منضبط في مدننا وقرانا وما افرزه هذا التمدد من اعباء على البنية التحتية ومن احلال للعمالة السورية على حساب عمالنا وشبابنا العاطلين عن العمل، مع غياب الارقام الحقيقية لعدد اللاجئين واماكن تواجدهم.
بدأت بما قاله رئيس الوزراء التركي حول واجب الضيافة ، واستأذن ان اختم بملاحظتين ، قد تساعدنا في تجاوز هذه الاخطاء ، الاولى :انه حان الوقت لتحديد مرجعية لادارة ملف اللجوء السوري في بلادنا خاصة وان الهلال الاحمر الاردني جرى تغيبه، الامر الذي عقّد مسألة المساعدات والمنح، والزم الدولة الاردنيّة بتحمل هذه المسؤوليّة بما تحتمله من اخطاء وارباكات. ، الثانية : لابد ان نفصل بين واجب الضيافة الذي تفرضه علينا اعتبارات انسانية ودينية واخلاقية، وبين موقفنا من “الحرب” التي تجري في سوريا باعتبارها ليست حربنا، وبالتالي لا يجوز ان ندفع ضريبتها على حسابنا وحدنا.
الدستور
هذه العبارات ليست من عندي ، وانما هي مقتطفات من كلمة القاها رئيس الوزراء التركي ( أحمد داود أوغلو ) امس أمام رؤساء فروع حزب العدالة والتنمية ، وقد توقفت امامها لسببين : الاول انها جاءت في سياق احتفائنا بذكرى الهجرة النبوية، ودعواتنا المتكررة الى التعلم من دروسها ، واحسب ان امتحان عزمنا وقدرتنا على ذلك اصبح متاحا مع انفتاح ابواب التهجير وتصاعد اعداد المهجرين في بلداننا العربية التي ابتليت بالحروب والصراعات والفتن ،ومن المفترض ان نجتازه بنجاح اذا كنا حقا نفهم ديننا ونريد ان نلتزم بقيمه واخلاقياته بالفعل لا بمجرد الكلام ، وانا اتحدث هنا عن الهجرة كفكرة لا كرحلة، وعن وزنها الحقيقي في تكوين الانسان وبناء الدولة وتعميق رابطة الاخوة ،ليس بين المسلمين فقط وانما بين المواطنين ايضا ، اما السبب الاخر فهو ان بلدنا كان له النصيب الاكبر من “الهجرات “ المتكررة ،واخرها استقباله لاكثر من مليون ونصف المليون من المهجرين السوريين، واعتقد ان نقاشاتنا العامة حول الموضوع بدأت بصورة خجولة لاعتبارات انسانية مفهومة ،ومقدرة ايضا ، ثم احتدمت لاسباب سياسية ، وبالتالي فان من واجبنا اليوم ان نحرر نقاشتنا من التباساتها ،وان نحدد موقفنا من التهجير واللجوء بشكل واضح ، لتجاوز مسألتين مهمتين :الاولى “ازمة “ الهوية التي تحولت من هاجس الى واقع، لا سيما في مرحلة تعاني فيها الذات العربية من صراعات الهوية وحروبها على تخوم الدين والمذهب والطائفة ، والمسألة الثانية : ازمة “الادارة “ فيما يتعلق بملف اللجوء الذي تحول الى مشكلة بالنسبة لنا وللاجئين ايضا ، وهذه تتطلب اعادة النظر فيما جرى على امتداد السنوات الماضية من اجراءات لاستقبال اللاجئين وايوائهم وتقديم الخدمات لهم ، وهي اجراءات توزعت بين جهات عديدة ولم تكن مضبوطة كما يلزم .
اعرف ان المقارنة بيننا وبين تركيا على هذا الصعيد تبدو مجحفة ، سواء على صعيد الامكانيات او نسبة اللجوء الى عدد السكان او الاعتبارات والمصالح السياسية، كما اعرف ايضا ان البعض سيصرف ما قاله اوغلو حول واجب استضافة اللاجئين باتجاه ما تريد انقره ان توجه من رسائل في هذا الوقت تحديدا ، سواء للداخل التركي خاصة بعد دخول الاكراد على خط الصراع في عين العرب او للخارج حيث الضغوط التي تتعرض لها تركيا للمشاركة بشكل اكبر في الحرب ضد داعش، لكن مع ذلك فان ملف اللجوء – السوري تحديدا – اصبح بالنسبة لنا واقعا ، ولا بد ان نفكر جديا في التعامل معه : اولا بمنطق انساني يحرره من حسابات التوظيف وسوء الفهم ، وثانيا بمنطق اداري يحافظ على معادلة حفظ استقرار بلدنا وحفظ كرامة اللاجئين، ويقلل بقدر الامكان العبء الاقتصادي علينا، وثالثا بمنطق سياسي يساعدنا في حسم الشكوك التي تنتاب مجتمعنا حول مسالة اللجوء ودوافعه ومآلاته، وفي دفع المجتمع الدولي الى التعامل مع اللجوء باعتباره مشكلة انسانيّة وعربية ودوليّة، تخص العالم كله وليس بعض دول الجوار السوري فقط ، مع الملاحظة هنا انني تعمدت الاشارة الى “السياسة” التي هي اصل المشكلة،ذلك لان توظيف “المخيم” كورقة سياسية اصبح مكشوفاً، ولا حاجة الى التعليق عليه.
في مناسبة سابقة ذكرت بأننا اخطأنا في تعاملنا مع هذا الملف ثلاث مرات : مرّة حين فتحنا ابوابنا على مصراعيها لهذه الاعداد الكبيرة من “اللاجئين” على خلاف دول اخرى اقرب واقدر منا على استقبالهم. وتحملنا من اجل ذلك ما لاطاقة لنا به، ،كما اننا اخطأنا مرّة اخرى حين اعتقدنا بأننا نقدم خدمة للشعب السوري فيما الحقيقية اننا قدمنا هديّة “للنظام” السوري الذي هو السبب الرئيس في تهجير مواطنيه، ،واخطأنا مرّة ثالثة ايضاً حين تركنا لهذه “الملاذات” التي تحولت من مخيمات للجوء الى “بؤر” ساخنة لتصدير الجريمة والانفلات ان تتمدد وتتداخل، وأن تجري فيها اسوأ عمليات التهريب والمتاجرة “بالبشر” وان تصبح “ملجأ” للمتطرفين وتجار المخدرات، لدرجة ان البعض أثرى من وراء ذلك، ناهيك عن تمدد اللجوء بشكل غير منضبط في مدننا وقرانا وما افرزه هذا التمدد من اعباء على البنية التحتية ومن احلال للعمالة السورية على حساب عمالنا وشبابنا العاطلين عن العمل، مع غياب الارقام الحقيقية لعدد اللاجئين واماكن تواجدهم.
بدأت بما قاله رئيس الوزراء التركي حول واجب الضيافة ، واستأذن ان اختم بملاحظتين ، قد تساعدنا في تجاوز هذه الاخطاء ، الاولى :انه حان الوقت لتحديد مرجعية لادارة ملف اللجوء السوري في بلادنا خاصة وان الهلال الاحمر الاردني جرى تغيبه، الامر الذي عقّد مسألة المساعدات والمنح، والزم الدولة الاردنيّة بتحمل هذه المسؤوليّة بما تحتمله من اخطاء وارباكات. ، الثانية : لابد ان نفصل بين واجب الضيافة الذي تفرضه علينا اعتبارات انسانية ودينية واخلاقية، وبين موقفنا من “الحرب” التي تجري في سوريا باعتبارها ليست حربنا، وبالتالي لا يجوز ان ندفع ضريبتها على حسابنا وحدنا.
الدستور