jo24_banner
jo24_banner

من تفاهة نتنياهو إلى عجز العرب

د. حسن البراري
جو 24 : أثار مقال جيفري غولدبيرغ الذي اقتبس فيه مسؤول أمريكي عندما وصف نتنياهو بانه شخص عديم الجدوى ومثير للازدراء أثار العديد من ردود الفعل داخل وخارج إسرائيل. والمقال المثير للقراءة نشر في مجلة ذي اتلانتك يوم الثلاثاء المنصرم.

وللتذكير فإن جيفري غولدبيرغ هو ذات الصحفي اليهودي الذي نشر مقابلة مع الملك عبدالله الثاني كان لها ارتداد قوي في الساحة السياسية الاردنية قبل عام ونيف. والمقال أماط اللثام عما يدور في أروقة البيت الأبيض وحجم الاستياء الأمريكي من سياسة نتنياهو التي تلحق ضررا بمكانة الولايات المتحدة في الإقليم.

بصراحة لم يأت جيفري غولدبيرغ بجديد، فالكثير من المراقبين يعرفون أن العلاقة بين نتنياهو وحاشيته وتحديدا وزير دفاعه موشيه يعلون من جانب والادارة الأمريكية من جانب آخر هي علاقة أقل ما يمكن وصفها بأنها غير ودية وفي بعض الاحيان صدامية، واللافت أن كل المواجهات التي اندلعت بين الجانبين كان الجانب الإسرائيلي يخرج منها منتصرا، وبالفعل شهدنا سلسلة من التراجعات الأمريكية واعادة التقديرات المستندة إلى واقع يقول أن هناك حدودا لتأثير أميركا على إسرائيل، والرئيس باراك أوباما اعترف بنفسه بأنه كان قد بالغ من قدرته في التأثير على الحكومة الإسرائيلية، وربما ينسجم هذا الإدراك مع خلاصات توصل إليها كل من ستفين والت وجون ميرشايمر في كتابهما الشهير عن لوبي إسرائيل والذي نشر في عام 2008 وأقام الدنيا ولم يقعدها.

وفي ذات السياق أذكر انني في عام 2009 اجريت حوارا مفصلا مع أرون ديفيد ميلر (والذي عمل مستشارا لستة وزراء خارجية وكان عضوا في فريق السلام الامريكي بقيادة دينس روس) في بيته بولاية ميرلاند الامريكية نشر في مجلة المجلة اللندنية وقال لي بالحرف الواحد أن هناك تأثيرا كبيرا للقوى المؤيدة لإسرائيل لكن إن قرر الرئيس الأمريكي المنتخب من الشعب الأمريكي القيادة فإن لوبي إسرائيل لن يتمكن من التأثير، وإن كان هذا الكلام دقيق – وهو كذلك لحد كبير – عندها نسأل هل أوباما رئيس ضعيف وقليل التأثير؟ بالحكم على سياسته الخارجية فإن الجواب نعم بدليل أن نتنياهو ينتصر في مواجهاته مع الادارة الأمريكية. لذلك جاء رد فعل نتنياهو (على وصف المسؤول الأمريكي له بأنه تافه ومثير للازدراء ولا يمتلك الجرأة على شن حرب على إيران ولا يهتم إلا بالبقاء السياسي له كرئيس للحكومة) بهجوم مضاد صدر عن مكتبه جاء فيه: "سيستمر رئيس الحكومة نتنياهو بالحفاظ على مصالح إسرائيل الامنية والحقوق التاريخية للشعب اليهودي في القدس وأنه لا يوجد حجم من التأثير يمكن له أن يغير من ذلك."

ومع ذلك فنتنياهو يعيش في حالة من النكران، وأرى أن المسألة تتجاوز تفاهة رئيس وزراء أو حاكم، فنتنياهو يعلم جيدا أن إسرائيل بمعزل عن أمريكا تفتقد لخيار عسكري لتوجيه ضربة مؤثرة للبرنامج النووي الإيراني، فصحيح أن الجيش الإيراني ليس قويا كما تحاول إيران ان تقنعنا بذلك، لكن الصحيح أيضا أن حربا إسرائيلية على إيران ستحتاج لأكثر من ثلاثة أسابيع من الهجمات الجوية المتلاحقة وهي امكانية تتوفر فقط عند دول كبرى مثل الولايات المتحدة، ولا يمكن اغفال قدرة إيران على اشعال جبهات أخرى وفي مقدمتها الجنوب اللبناني. على مدار السنوات السابقة كان اليمين الإسرائيلي الحاكم يدق طبول الحرب على إيران لكنه كان يريد من الغرب أن يتولى المسؤولية ويخوض حربا بالوكالة لصالح إسرائيل وهذا ما عجز عن تحقيقه اليمين الحاكم ومن تحالف معهم في الغرب. فالغرب بقي مركزا على إمكانية تغيير سلوك إيران ولو عن طريق فرض مزيد من العقوبات مع ابقاء الخيار العسكري كخيار آخري. وفي النهاية ثبت أن عدم قدرة نتنياهو على اتخاذ قرار حرب مع إيران يتعلق ليس فقط بضعف قلبه وإنما لانعدام الخيار العسكري من الأساس.

ومع ذلك لم يغيّر نتنياهو ولم يتغير في السنوات الأخيرة، فروايته ثابتة يمكن تلخصيها كما ورد في صحيفة هآرتس الاسرائيلية بما يلي: إيران وحماس تشكلان خطرا على إسرائيل التي تخوض حربا ضد الارهاب، هدف أي رئيس حكومة إسرائيلي ينبغي أن يكون منع هولوكوست ثانية وهو خطر تشكله إيران النووية، البلدان الغربية ينتشر فيها مشاعر معاداة السامية وهي تجازف بتأييد دولة فلسطينية وبمحاولتها التوصل إلى اتفاق مع إيران، وبالتالي فإن الرد العملي هو ارتفاع منسوب تشييد المستوطنات في الضفة الغربية وان كل من يعارض ذلك هو خائن ومتعامل مع العدو. لا يستحق مثل هذ الكلام أن نتوقف عنده لأنه يخلو من أي منطق، فنتنياهو يتجاهل حقيقة ثابتة وهي أن هناك شعبا فلسطينيا تحت الاحتلال يجب أن يحصل على حقه في تقرير المصير حتى يعيش الجميع بسلام.

لكن ثمن السلام هو الانسحاب وهو أمر لا قبل لنتنياهو به لأن قرار السلام مكلف داخليا. فتقديرات نتنياهو هي أن هناك انتخابات مبكرة العام القادم وهي يريد أن يحافظ على تحالفاته مع المتطرفين في اليمين الإسرائيلي والاحزاب المتدينة التي باتت ترى في نتنياهو كأفضل من يحافظ على مصالحهم في التوسع وعدم الامتثال لمنطق السلام.

ومن دون الدخول في التفاصيل نقول أنه من دون هذا التحالف مع أعداء السلام والمتزمتين من الوسط اليهودي سيجد نتنياهو نفسه زعيما للمعارضة بدلا من رئيسا للحكومة. وبالفعل ومن خلال متابعتي الحثيثة ودراستي المنهجية لديناميكية القوة داخل المجتمع الإسرائيلي ومن خلال متابعتي حتى للتفاصيل المملة لمختلف مسارات عملية السلام توصلت إلى نتيجة منذ أكثر من عقد من الزمان تفيد بأن الهدف الاساسي لكل رؤساء الحكومات الذين جاءوا من بعد اسحاق رابين هو البقاء السياسي، وهو هدف يتقدم على قيّم أخرى مثل السلام مع العرب أو حتى الأمن الإسرائيلي، طبعا في مناسبة عديدة تم توظيف ورقة الأمن لتبرير العرقلة الإسرائيلية المتعمدة لعملية السلام لكسب الوقت واتمام المشروع الصهيوني على أرض الفلسطينيين.

وعودة على بدء، اقول أن هناك أزمة في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية ولم يقدم المسؤول الأمريكي على وصف نتنياهو بأنه تافه ومثير للاشمئزاز إلا لدفع الخلاف على العلن حتى يفهم نتنياهو بأن هناك ثمنا لتعنته، وربما لن يتسامج أوباما مع بعض ما تفوه به نتنياهو عندما ربط بين أوباما ونيفيل تشامبرلين رئيس حكومة بريطانيا قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية الذي اتبع سياسة الاسترضاء مع هتلر طمعا في السلام فحصل على الحرب. الأزمة قائمة وربما تستعر في قادم الايام والعرب غائبون في صحرائهم السياسية. فالطامة أن الجانب العربي – إن وجد مثل هذا الشيء – غير قادر على استغلال الازمة القائمة بين الادارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية، فالأنظمة العربية عاجزة عن فعل أي شيء حتى في ظل صحوة الضمير العالمي التي تمثلت باعتراف السويد بدولة فلسطينية والعزلة الدولية لإسرائيل، فقد "ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم" صدق الله العظيم

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير