متى نتحرك لمواجهة (غواية) التطرف..؟!
حسين الرواشدة
جو 24 : لم نتحرك حتى الآن لمواجهة ( التطرف)، وأخشى ما أخشاه أن تدرج الاستراتيجية التي أعدتها الحكومة لهذا الغرض في الادراج، تماما كما فعلنا في استراتيجيات أخرى، اشبعناها تنظيرا وترويجا ثم انتهت الى النسيان.
التطرف الذي أقصده هنا لا يتعلق فقط بالمجال الديني، وإنما ينسحب على مجالات عديدة في حياتنا، خذ مثلا حوادث القتل الغريبة التي صدمت مجتمعنا في الأسابيع الماضية، وخذ - أيضا- بعض المقررات والاجراءات الادارية والسياسية التي أفرزت من الناس أسوأ ما لديهم من غضب واستفزاز، ستلاحظ بأن للمشكلة هنا عنوانا واحدا وهو غياب ( العدالة)، فالمجرم الذي يصل به التطرف حدّ (القتل) ما كان ليرتكب جريمته بمثل هذا الدم البارد لو كان يعرف بأن نهايته ستكون ( القصاص) ، والمسؤول الذي يتصرف بدافع المزاجية فيتطرف في قراراته وممارسته، ماكان يمكن ان يفعل ذلك لو كانت موازين ( المحاسبة) قائمة ...وهكذا.
لكن يبقى أن ( التطرف) الذي أغرق عالمنا العربي كله يتحرك في مسارين، أحدهما : مسار السياسة والآخر مسار الدين، ولأننا فيما مضى أشبعنا (السياسة) نقدا وتجريحا، فإن السؤال عن التطرف ( الديني) الذي مازال معلقا بلا اجابات يستدعي التدقيق لسببين: الأول أن عدوى هذا (التطرف) وصلت الى قطاعات من الشباب في مجتمعنا، ومهما كانت أسبابها وخلفياتها، فإنها وجدت في ( مظلة) التدين ملاذا آمنا لها، وبالتالي فإن مواجهتها في محطتها الأخيرة تحتاج الى ( أفكار) من ذات الطينة، أما السبب الثاني فهو أن ( التطرف) الذي لا ينتسب ( للدين) يبدو اقل خطرا من التطرف الذي يتوسد ( التقرب الى الله)، فالاول يمكن مواجهته بالتشريعات الرادعة، وهو يعدّ - دائما- جريمة لا يتعاطف معها المجتمع ولا يستطيع المتورطون فيه أن يتوسدوا أية (شرعية) لتبريره، فيما يبدو التطرف الآخر الذي يتذرع بالاسباب الدينية ملتبسا، وربما يجد من يتعاطف معه و من يقع في (فخ) غوايته واغراءاته ، واذا كان يمكن التعامل مع النوع الأول بالتشريعات الرادعة والزجر والمعاتبة، فإن التعامل مع الثاني بالحلول القانونية والأمنية لا يكفي، لأنه قائم في الأساس على أفكار ومعتقدات تحتاج الى ردود تدحض القناعات الخاطئة بأخرى صائبة ومقنعة.
كان من المفترض - بالطبع- أن نبادر الى مواجهة (التطرف) في المجال الديني تحديدا بالتوافق على (خطاب) واضح وموّحد ومستنير، تنهض به المؤسسات الدينية أولا، ومؤسسات المجتمع المدني الفاعلة في هذا المجال ثانيا، وتسانده وسائل الاعلام والتوجيه، لكن ذلك - للأسف- لم يحدث حتى الآن، وباستثناءات قليلة شهدناها من خلال جهود تقوم بها وزارة الأوقاف ودائرة الإفتاء العام، فإن خطابنا الديني مازال كما هو، ودعاتنا مازالوا ينتظرون ( الفرصة) لكي يتكلموا في القضية، فيما الأخطر من ذلك أن ( الملف الديني) في بلادنا لا يحظى بكثير من الاهتمام، ولا نعرف من يديره، كما أن الفاعلين في المجال الديني يتوزعون على تيارات معزولة عن بعضها، تتنافس على الوصول الى المجتمع بطرق مختلفة (بالتسلل احيانا) لكنها لم تفلح في ( التوافق) على مشتركات تستطيع من خلالها العمل كجبهة موحدة لمواجهة التطرف.
الحرب ضد التطرف في الفضاء الخارجي، مهما كانت تحفظاتنا عليها، لا يمكن ان تحقق انجازات ما لم تساندها حرب حقيقية على الأرض داخل مجتمعنا، وهذه الحرب يجب أن يكون عنوانها ( العدل والعلم والحكمة) ويفترض ان تستند الى خطاب سياسي وديني مقنع، وأن يقوم عليها أشخاص يتصفون بالموثوقية والنزاهة والصدق والأمانة، وأن تتوجه الى الجمهور وجها لوجه، ومن المفارقات أن بلادنا التي كانت تستضيف عشرات المؤتمرات الفكرية والدينية أجدبت هذا العام، فلا نكاد نسمع عن ندوات أو مؤتمرات أو ورشات تنطلق من الجامعات و المؤسسات الفكرية الى عمق المجتمع وأطرافه ، لتخاطب الشباب وتؤثث في أذهانهم قيم الاعتدال والسماحة والفضل، كما لا نجد في وسائل اعلامنا - على اختلافها- ما يستحقه هكذا خطاب مستنير من مساحات واهتمام، ولا سيما في هذا الوقت الذي انتصبت فيه مزادات ( التطرف) في كل مكان.
باختصار، مالم نتحرك لحماية مجالنا الديني، وسدّ ( الفراغات)التي يتركها ( التدين) المغشوش الذي تسانده المقررات السياسية الخاطئة، وتراكمات ( المظلومية) وغوايات ( التطرف) فإننا سنترك شبابنا في ( مهب) رياح السموم،وسنفتح أبواب مجتمعا أمام ( جرائم) لا نعرف مصدرها ولا خلفياتها وقد لا نتمكن من مواجهتها أيضا.
الدستور
التطرف الذي أقصده هنا لا يتعلق فقط بالمجال الديني، وإنما ينسحب على مجالات عديدة في حياتنا، خذ مثلا حوادث القتل الغريبة التي صدمت مجتمعنا في الأسابيع الماضية، وخذ - أيضا- بعض المقررات والاجراءات الادارية والسياسية التي أفرزت من الناس أسوأ ما لديهم من غضب واستفزاز، ستلاحظ بأن للمشكلة هنا عنوانا واحدا وهو غياب ( العدالة)، فالمجرم الذي يصل به التطرف حدّ (القتل) ما كان ليرتكب جريمته بمثل هذا الدم البارد لو كان يعرف بأن نهايته ستكون ( القصاص) ، والمسؤول الذي يتصرف بدافع المزاجية فيتطرف في قراراته وممارسته، ماكان يمكن ان يفعل ذلك لو كانت موازين ( المحاسبة) قائمة ...وهكذا.
لكن يبقى أن ( التطرف) الذي أغرق عالمنا العربي كله يتحرك في مسارين، أحدهما : مسار السياسة والآخر مسار الدين، ولأننا فيما مضى أشبعنا (السياسة) نقدا وتجريحا، فإن السؤال عن التطرف ( الديني) الذي مازال معلقا بلا اجابات يستدعي التدقيق لسببين: الأول أن عدوى هذا (التطرف) وصلت الى قطاعات من الشباب في مجتمعنا، ومهما كانت أسبابها وخلفياتها، فإنها وجدت في ( مظلة) التدين ملاذا آمنا لها، وبالتالي فإن مواجهتها في محطتها الأخيرة تحتاج الى ( أفكار) من ذات الطينة، أما السبب الثاني فهو أن ( التطرف) الذي لا ينتسب ( للدين) يبدو اقل خطرا من التطرف الذي يتوسد ( التقرب الى الله)، فالاول يمكن مواجهته بالتشريعات الرادعة، وهو يعدّ - دائما- جريمة لا يتعاطف معها المجتمع ولا يستطيع المتورطون فيه أن يتوسدوا أية (شرعية) لتبريره، فيما يبدو التطرف الآخر الذي يتذرع بالاسباب الدينية ملتبسا، وربما يجد من يتعاطف معه و من يقع في (فخ) غوايته واغراءاته ، واذا كان يمكن التعامل مع النوع الأول بالتشريعات الرادعة والزجر والمعاتبة، فإن التعامل مع الثاني بالحلول القانونية والأمنية لا يكفي، لأنه قائم في الأساس على أفكار ومعتقدات تحتاج الى ردود تدحض القناعات الخاطئة بأخرى صائبة ومقنعة.
كان من المفترض - بالطبع- أن نبادر الى مواجهة (التطرف) في المجال الديني تحديدا بالتوافق على (خطاب) واضح وموّحد ومستنير، تنهض به المؤسسات الدينية أولا، ومؤسسات المجتمع المدني الفاعلة في هذا المجال ثانيا، وتسانده وسائل الاعلام والتوجيه، لكن ذلك - للأسف- لم يحدث حتى الآن، وباستثناءات قليلة شهدناها من خلال جهود تقوم بها وزارة الأوقاف ودائرة الإفتاء العام، فإن خطابنا الديني مازال كما هو، ودعاتنا مازالوا ينتظرون ( الفرصة) لكي يتكلموا في القضية، فيما الأخطر من ذلك أن ( الملف الديني) في بلادنا لا يحظى بكثير من الاهتمام، ولا نعرف من يديره، كما أن الفاعلين في المجال الديني يتوزعون على تيارات معزولة عن بعضها، تتنافس على الوصول الى المجتمع بطرق مختلفة (بالتسلل احيانا) لكنها لم تفلح في ( التوافق) على مشتركات تستطيع من خلالها العمل كجبهة موحدة لمواجهة التطرف.
الحرب ضد التطرف في الفضاء الخارجي، مهما كانت تحفظاتنا عليها، لا يمكن ان تحقق انجازات ما لم تساندها حرب حقيقية على الأرض داخل مجتمعنا، وهذه الحرب يجب أن يكون عنوانها ( العدل والعلم والحكمة) ويفترض ان تستند الى خطاب سياسي وديني مقنع، وأن يقوم عليها أشخاص يتصفون بالموثوقية والنزاهة والصدق والأمانة، وأن تتوجه الى الجمهور وجها لوجه، ومن المفارقات أن بلادنا التي كانت تستضيف عشرات المؤتمرات الفكرية والدينية أجدبت هذا العام، فلا نكاد نسمع عن ندوات أو مؤتمرات أو ورشات تنطلق من الجامعات و المؤسسات الفكرية الى عمق المجتمع وأطرافه ، لتخاطب الشباب وتؤثث في أذهانهم قيم الاعتدال والسماحة والفضل، كما لا نجد في وسائل اعلامنا - على اختلافها- ما يستحقه هكذا خطاب مستنير من مساحات واهتمام، ولا سيما في هذا الوقت الذي انتصبت فيه مزادات ( التطرف) في كل مكان.
باختصار، مالم نتحرك لحماية مجالنا الديني، وسدّ ( الفراغات)التي يتركها ( التدين) المغشوش الذي تسانده المقررات السياسية الخاطئة، وتراكمات ( المظلومية) وغوايات ( التطرف) فإننا سنترك شبابنا في ( مهب) رياح السموم،وسنفتح أبواب مجتمعا أمام ( جرائم) لا نعرف مصدرها ولا خلفياتها وقد لا نتمكن من مواجهتها أيضا.
الدستور