الإعلام بين الطبع والتطبع!!
خيري منصور
جو 24 : لم يكن الإعلام العربي منذ نشأته الحديثة كاستئناف متطور لما كان يسمى شاعر القبيلة بعيداً عن الأطروحة الخلدونية حول ثنائية الطبع والتطبع، وربما كان تجسيداً لها بسبب قماشته التي يفصل منها الخطاب وهي الكلام.
ما طرأ من تحديث وتقنيات تكنولوجية على الإعلام العربي تأثراً وانفعالاً بالميديا العالمية خلال عقدين يعادل بايقاعاته السريعة المحمومة مئة ضعف ما قطعه خلال قرون، وهذا بحد ذاته ليس استثناءً فالعالم الثالث برمته حدث له مثل هذا التطور القسري رغم التعثر الميداني في التأقلم. لكن الاستثناء في الإعلام العربي هو الحبل الطويل الذي يربطه بالاسطبل الأول، فقد يقصر هذا الحبل في لحظة واحدة ليصبح أقل من شبر فتعود على الفور حليمة إلى عاداتها القديمة. وما كان يسمى قبل تلك اللحظة حواراً أو اعترافاً بحق الاختلاف أو الرأي والرأي الآخر يصبح مجرد لعبة كلمات متقاطعة إذ سرعان ما يفتح صندوق باندورا الذي يعج بالشرور ومفردات الهجاء المتبادل والتخوين والتجريم. فما ان يرتطم كوز نظام بجرة نظام آخر كان للتو توأمه وحليفه وحامل شعاراته ذاتها حتى تختفي السياسة وتصبح بلا أثر أو ظلال، ويخلع إعلام القبيلة قناع الحداثة ليصبح السجال أخلاقياً بين بني أنف الناقة وأبناء بني مدان أو بني كعب أو أي أبناء آخرين.
ما سمعناه بكامل فجاجته من المذياعات الخشبية في خمسينيات القرن الماضي من مفردات الهجاء والشخصنة يعاد الآن عبر الفضاء وبواسطة أرقى منجزات التكنولوجيا في عالم الاتصال. فقد تبدل صندوق الخشب ذو البطارية الثقيلة والبطيئة بجهاز ساحر الشكل يجئ بالكوكب كله إلينا في غرف النوم لكن ما لم يتبدل هو المضمون، فهجاء القبائل في أيام العرب لم يكن يخرج عن صفات اجتماعية كالبخل والجبن، لكن الهجاء المؤدلج والذي توظف له أرقى منجزات العلم أصبح من طراز آخر حيث حلت الطائفة مكان القبيلة، وارتدى الأعرابي معطفاً أنيقاً من الكشمير بدلاً من العباءة المصنوعة من وبر البعير وارتدى ربطة عنق حريرية ودخن السيجار ورطن ببضع كلمات إنجليزية أو فرنسية، لكن الطبع غلب التطبع وخلف كل مظاهر التحديث والعصرنة بقي العقل المعتقل في التصور البدائي للتاريخ يمارس نفوذه. كل ما في الأمر يحتاج إلى وخزة دبوس واحدة!!
الدستور
ما طرأ من تحديث وتقنيات تكنولوجية على الإعلام العربي تأثراً وانفعالاً بالميديا العالمية خلال عقدين يعادل بايقاعاته السريعة المحمومة مئة ضعف ما قطعه خلال قرون، وهذا بحد ذاته ليس استثناءً فالعالم الثالث برمته حدث له مثل هذا التطور القسري رغم التعثر الميداني في التأقلم. لكن الاستثناء في الإعلام العربي هو الحبل الطويل الذي يربطه بالاسطبل الأول، فقد يقصر هذا الحبل في لحظة واحدة ليصبح أقل من شبر فتعود على الفور حليمة إلى عاداتها القديمة. وما كان يسمى قبل تلك اللحظة حواراً أو اعترافاً بحق الاختلاف أو الرأي والرأي الآخر يصبح مجرد لعبة كلمات متقاطعة إذ سرعان ما يفتح صندوق باندورا الذي يعج بالشرور ومفردات الهجاء المتبادل والتخوين والتجريم. فما ان يرتطم كوز نظام بجرة نظام آخر كان للتو توأمه وحليفه وحامل شعاراته ذاتها حتى تختفي السياسة وتصبح بلا أثر أو ظلال، ويخلع إعلام القبيلة قناع الحداثة ليصبح السجال أخلاقياً بين بني أنف الناقة وأبناء بني مدان أو بني كعب أو أي أبناء آخرين.
ما سمعناه بكامل فجاجته من المذياعات الخشبية في خمسينيات القرن الماضي من مفردات الهجاء والشخصنة يعاد الآن عبر الفضاء وبواسطة أرقى منجزات التكنولوجيا في عالم الاتصال. فقد تبدل صندوق الخشب ذو البطارية الثقيلة والبطيئة بجهاز ساحر الشكل يجئ بالكوكب كله إلينا في غرف النوم لكن ما لم يتبدل هو المضمون، فهجاء القبائل في أيام العرب لم يكن يخرج عن صفات اجتماعية كالبخل والجبن، لكن الهجاء المؤدلج والذي توظف له أرقى منجزات العلم أصبح من طراز آخر حيث حلت الطائفة مكان القبيلة، وارتدى الأعرابي معطفاً أنيقاً من الكشمير بدلاً من العباءة المصنوعة من وبر البعير وارتدى ربطة عنق حريرية ودخن السيجار ورطن ببضع كلمات إنجليزية أو فرنسية، لكن الطبع غلب التطبع وخلف كل مظاهر التحديث والعصرنة بقي العقل المعتقل في التصور البدائي للتاريخ يمارس نفوذه. كل ما في الأمر يحتاج إلى وخزة دبوس واحدة!!
الدستور