رائحة الغروب
كان رمضان أقل تعقيداً، والوقت أكثر انشغالاً، والنهار طفل صغير يمسك بثوب الشمس ويتبعها أنّى تذهب..
في مطبخنا القديم ، كانت تمتزج الأشياء البسيطة ، لتصنع «رائحة رمضان» ، القهوة التي تغلي من «الطبّاخ الأزرق» فوق «الببور» ، طنجرة الشعيرية «المطعوجة» المنصوبة فوق الغاز «ابو 3 عيون»...الهيل المدقوق في الهاون النحاسي والمرفوع فوق طاولة الخشب منتظراً رفيقة السهرة حتى تنهي غليانها ،زفير العجين المنبعث من معجن الألمنيوم المغطى بطبق قش ، الحطب المحترق من «الطابون» القريب... عرق أمي الذي لا يجف.. رائحة ورق المصحف القديم ، وتمتمات أبي وهو يتهجّى آية صعبة من سورة البقرة...
كنا صغاراً وحياتنا واسعة...بعد أن يجهّز كل شيء ، نخرج تلفزيوننا الابيض والأسود ، متبوعاً بمحوّل الكهرباء الثقيل ..نمدّ حصيرة مخططة ومنسولة الأطراف وفوقها أربع فرشات صوف متقابلات في عريشة مفتوحة ،»تيرمس» الماء فوق كرسيه بانتظار الآذان ، كاسات الألمنيوم مغسولة ومقلوبة على حافة الشباك القريب إبريق من السوس المركّز ،وقبل لحظة الحسم .. نخرج من جيوبنا أشياء بسيطة خبأناها في لحظة اشتهاء نهاري..»كسرة جوز»..»عجينة قطايف نيئة»..»حبة توفي ذائبة « نضعها أمامنا بانتظار أن «يتنحنح» مؤذن الجامع العمري الكبير..أو يطلق مدفع «درعا» قذيفة الشرايط..
الآن .. صار رمضان أكثر تعقيداً، والوقت أقل بركة ، والنهار جلاّد يجلدنا بسوط العطش والحرارة.. ألف صنف أمامنا.. ونقوم جياعا.. وألف وسيلة انشغال ونشعر بالضجر...حتى مدفع درعا المسالم..صار مدفعاً محشوا بالأشلاء و«ملابس» الشهداء...
(الرأي)