jo24_banner
jo24_banner

سري

حمدان الحاج
جو 24 :






«اكثر اشي بضحك» عندما ترى مغلفا انيقا تحمله سكرتيرة جميلة تتمايل بشيء من الجدية - مع انه لا تليق بها الجدية- وقد كتب عليه «سري» او «سري للغاية» او «مكتوم» او اشارة من الجانبين الاعلى يمينا ويسارا فتخترق الحضور وتسلمه للمدير وتظهر ملامح الصرامة على الرجل ثم يبدأ بهز رأسه او يتمتم بعض كلمات ليس بالضرورة ان تكون العبارات مفهومة وقد يطلب من الحضور المغادرة لاجراء بعض الاتصالات الضرورية او لا ستقبال شخصية عابرة للحكومات او الوزارات او المؤسسات او الشركات.

سري جدا عبارة تستخدم لابراز اهمية معلومة ساقها رجل ليس له عمل الا متابعة الغير وليس في اهميتها مهم ولا في سريتها اي سر لانها تكون قد كتبت قبل ساعات واصبحت محتوياتها تاريخا لان المستجدات اكلت من اهميتها ولولا العتب لو اوصيت ان توضع الرسالة في الارشيف دون فتحها وعندها او قبلها او بعدها لن يتغير شيء ولن تتأثر ايقاعات المؤسسات باي مضمون للرسالة على اي صعيد.

سري يعني ان هناك شخصا ما اراد ان يوجد له موقع فيريد ان يثير الجلبة على غيره حتى يلهو الاخرون بما تيسر وفي المقابل يستطيع عدد من المدراء ان يكتشفوا ما هو اهم من الملعومات الموجودة في المغلف -وقد اطلعت خلال السنوات الماضية على عدد من المغلفات اياها ولما كنت اقراها لم اجد اي سرية فيها سوى القول انهم وجدوا فلانا مخمورا في الديسكو الفلاني وفلان مدار الحديث كان رجلا مهما في حينه او ان بنت فلان كانت في وضع مخل للاداب او انها كانت غير محتشمة او ان ابن المسؤول الفلاني اطلق عيارات نارية فاصابت عجل سيارة ابن فلان وهكذا لدرجة انك تستطيع ان تطرح المغلف جانبا وتستمر حياتك دونما تأثر او تأثير لان الاسرار كانت موجودة عندما لم يكن هناك انفتاح ولم تكن هناك مصادر غزيرة للمعلومات التي كان يمكن ان يحتفظ بها اي شخص لمدة شهر او سنة او حتى العمر كل قبل ان يعرف بها احد أما الان فان سرعة تداول المعلومة اسرع من البرق.

قبل سنوات قليلة حدثني من كان يحتل موقعا مرموقا ومتقدما في الدولة الاردنية قائلا انه كان حصل على معلومات غاية في الاهمية عن موضوع معين وانه تم اخبار صاحب القرار به وانه تكتم على المعلومات حتى على اقرب الناس اليه في المكتب ولما عاد بعد نصف ساعة من وقوع الحدث والسر وصل الى بيته فسأله ابناؤه عن الموضوع الذي كانوا يتداولونه بدم بارد وبأعصاب ثلجية فصعق كيف يحصل هذا وقد كان يعتقد ان احدا في المملكة لا يعرف عما كان موجودا فالامور اختلفت تماما وهناك الاخبار المطروحة في الاسواق وعلى الطرقات ولا يتردد اي شخص في تقديم ما لا تعرفه من المعلومات اليك رغما عن رفضك للاستماع اليه.

من يتوقعون انهم يملكون الحقائق والمعلومات لم يعودوا وحدهم والسرية مخترقة والمواطن اذكى مما يتوقع الساسة والساسة يريدون ان يعيدوا عقارب الساعة الى الوراء لان نموذجهم في الادارة والعمل كان شخصا مغلقا وهم يريدون ان يقلدوه ولكنه نموذج كان ذا قيمة في الماضي ولا ينفع لهذه الايام فالاصلح تطوير الادوات والاساليب والانفتاح على الناس وليس التهميش والانغلاق واحاطة الذات بالسرية التي لم تعد ذات قيمة في هذا العصر.
الدستور
تابعو الأردن 24 على google news