دحبورة..!
أحمد حسن الزعبي
جو 24 : كان الجلوس أمام بوابة الدار آخر النهار ،مخصصا لمهمتين رئيسيتين : الأولى ؛ ردّ السلام على المارّين يتبعها كلمة «تفضلوووووا» مع مدّ الواو 12 حركة ، والثانية: سؤال الأطفال العائدين من مدارسهم او الذاهبين إلى الدكانة القريبة «انت ابن ليمن يا خالة» ؟؟؟ مع اننا نعرف سلفاً ابناء من هم ، لكن من باب التسلية واختبار شخصياتهم ليس الا ؟؟ .. كنا نمارس هذه الطقوس اليومية دون كلل او ملل طيلة شهور السنة باستثناء المنخفضات العميقة وغسق رمضان القصير..
في ذلك المساء كانت لهفتنا أكبر من متعة جلوسنا لنتعرّف على حالة جارنا البعيد الذي سمعنا انه اصيب بجلطة دماغية قبل اسبوع ، لذا كنا بأمس الحاجة لمرور أي من احفاده او أولاده أو أنسبائه من أمام بيتنا لسؤالهم عن حالته الصحية بعد ان زرناه لحظة سماع الخبر.. بتهادٍ عجيب مرّ حفيده السمين «دحبوره» بيده لفيفة زيت وسكر و»يلوح» برأسه قاطعاً الطريق من الشرق الى الغرب ..استوقفناه رغم انه لم يعر جلوسنا أي انتباه: مرحبا عمي!..لم يجب... ثم بادرناه بسؤال آخر : شلون جدّك اليوم؟... قال وهو يخزن لقمة الخبز الكبيرة في «نيعه» الأيمن: ..مليح!...ثم سأله أحدنا: صاحي..صاحي ..بيعرف الناس..!..قال دحبوره: آه صاحي...! ثم مضى بطريقه..
فحمدنا الله وشكرناه على تعافيه...في اليوم التالي وبنفس التوقيت وبنفس ترتيب الجلسة اليومية مرّ «دحبوره» من امام الدار وبيده كيس شفاف فيه بنطال .. فسألته أمي رحمها الله : شلون جدّك اليوم يا خالة ؟؟.. قال «دحبوره» وهو مطأطئ الرأس: مليح.. اليوم شرب حليب!!..فحمدنا الله وشكرناه على تعافيه...في اليوم الثالث كان يحمل «دحبوره» دلو لبن فارغ ..وفور مشاهدتنا حاول تغيير الطريق ولأن الممر من أمام بيتنا هو الطريق الحصري والوحيد الذي يوصله بالسوق مرّ من امامنا مسرعاً..وما ان أصبح بموازاتنا تماماً سألناه للمرة الثالثة : شلون جدّك اليوم عمي؟؟.. قال دحبوره بتأتأه قصيرة: مليح..أكل جججاج..وشرب شاي...فحمدنا الله وشكرناه على تعافيه...في اليوم الرابع...ومن سوء طالع ذلك الطفل السميّن فقد كلّف من قبل أهله بإعادة «طنجرة» فارغة الى أحد الجيران...فمرّ من أمامنا بنفس توقيت انعقاد جلستنا المسائية ...وما ان تقاطع معنا حتى سألناه: شلون جدّك اليوم عمي؟...قال بتأتأة أطول:
مممملللللييح..الللللليوم..سسساق التريلا وراح ع الععععراق...!...فحمدنا الله وشكرناه على تعافي الجار...
في صباح اليوم التالي..هناك تجمهر طفيف أمام بيت الجار البعيد، وبعض الرجال يتهامسون مع ابناء الحجي ... اقتربت من احد ابنائه...سألته: شلون الوالد؟؟... قال بوقار شديد : الحمد لله.. «قاعدين بيغسّلوا فيه»!..حاولت أن الملم الدهشة : مش فاهم.. الشاب : ابوي أعطاك عمره !!...عضضت على شفتي أسفاً وخجلاً...لأكتشف لاحقاً انه منذ اليوم الأول للجلطة الى يوم الوفاة لم يحرك الجار ساكناً.. وأن «دحبوره» بيك..اما كان «غايب فيلة»..او «يمعط» أجوبة مغلوطة «مكافاة شر» من سؤالنا اليومي اللحوح...
الرأي
في ذلك المساء كانت لهفتنا أكبر من متعة جلوسنا لنتعرّف على حالة جارنا البعيد الذي سمعنا انه اصيب بجلطة دماغية قبل اسبوع ، لذا كنا بأمس الحاجة لمرور أي من احفاده او أولاده أو أنسبائه من أمام بيتنا لسؤالهم عن حالته الصحية بعد ان زرناه لحظة سماع الخبر.. بتهادٍ عجيب مرّ حفيده السمين «دحبوره» بيده لفيفة زيت وسكر و»يلوح» برأسه قاطعاً الطريق من الشرق الى الغرب ..استوقفناه رغم انه لم يعر جلوسنا أي انتباه: مرحبا عمي!..لم يجب... ثم بادرناه بسؤال آخر : شلون جدّك اليوم؟... قال وهو يخزن لقمة الخبز الكبيرة في «نيعه» الأيمن: ..مليح!...ثم سأله أحدنا: صاحي..صاحي ..بيعرف الناس..!..قال دحبوره: آه صاحي...! ثم مضى بطريقه..
فحمدنا الله وشكرناه على تعافيه...في اليوم التالي وبنفس التوقيت وبنفس ترتيب الجلسة اليومية مرّ «دحبوره» من امام الدار وبيده كيس شفاف فيه بنطال .. فسألته أمي رحمها الله : شلون جدّك اليوم يا خالة ؟؟.. قال «دحبوره» وهو مطأطئ الرأس: مليح.. اليوم شرب حليب!!..فحمدنا الله وشكرناه على تعافيه...في اليوم الثالث كان يحمل «دحبوره» دلو لبن فارغ ..وفور مشاهدتنا حاول تغيير الطريق ولأن الممر من أمام بيتنا هو الطريق الحصري والوحيد الذي يوصله بالسوق مرّ من امامنا مسرعاً..وما ان أصبح بموازاتنا تماماً سألناه للمرة الثالثة : شلون جدّك اليوم عمي؟؟.. قال دحبوره بتأتأه قصيرة: مليح..أكل جججاج..وشرب شاي...فحمدنا الله وشكرناه على تعافيه...في اليوم الرابع...ومن سوء طالع ذلك الطفل السميّن فقد كلّف من قبل أهله بإعادة «طنجرة» فارغة الى أحد الجيران...فمرّ من أمامنا بنفس توقيت انعقاد جلستنا المسائية ...وما ان تقاطع معنا حتى سألناه: شلون جدّك اليوم عمي؟...قال بتأتأة أطول:
مممملللللييح..الللللليوم..سسساق التريلا وراح ع الععععراق...!...فحمدنا الله وشكرناه على تعافي الجار...
في صباح اليوم التالي..هناك تجمهر طفيف أمام بيت الجار البعيد، وبعض الرجال يتهامسون مع ابناء الحجي ... اقتربت من احد ابنائه...سألته: شلون الوالد؟؟... قال بوقار شديد : الحمد لله.. «قاعدين بيغسّلوا فيه»!..حاولت أن الملم الدهشة : مش فاهم.. الشاب : ابوي أعطاك عمره !!...عضضت على شفتي أسفاً وخجلاً...لأكتشف لاحقاً انه منذ اليوم الأول للجلطة الى يوم الوفاة لم يحرك الجار ساكناً.. وأن «دحبوره» بيك..اما كان «غايب فيلة»..او «يمعط» أجوبة مغلوطة «مكافاة شر» من سؤالنا اليومي اللحوح...
الرأي