2024-09-30 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

عزل هيغل واستمرار عجز وتبعية دول "الاعتدال" العربي!

د. حسن البراري
جو 24 :

يرى الكثير من مثقفي الولايات المتحدة وإسرائيل مسألة الاعتدال العربي من منظور الموقف من إسرائيل والاستعداد للتجاوب مع مخرجات الصراع بشكل لا يهدد أمن الوضع القائم غرب النهر، ويعرف هؤلاء المثقفون أن دول الاعتدال العربي هي دول معتدلة في كل شيء ما عدا الموقف من الديمقراطية والحرية وتمكين الشعوب، وهكذا تكتمل حلقات عقد التواطؤ غير المقدس الذي شارك فيه دول تسلطية لا تعلي من قيم المواطنة والحرية والديمقراطية ودول غربية تبنت فكرة الاستقرار التسلطي (authoritarian stability) مقابل قبول إسرائيل التوسعية. وعليه فإن مفهوم الاعتدال ما هو الا تعبير مخفف (euphemism) للخنوع العربي للأجندات الأميركية. والحال أن حسابات دول "الاعتدال" العربي تتمحور حول البقاء السياسي للأنظمة ولا تنطلق من مصالح شعوبها!
وعلى نحو لافت، هناك قوى اقليمية تحترم نفسها تشتبك مع الولايات المتحدة اتفاقا واختلافا على قاعدة المصالح الوطنية لهذه الدول، وشهدنا كيف أن إسرائيل على سبيل المثال تختلف مع الولايات المتحدة ولا تقبل بما يريده الرئيس أوباما وادارته إن لم يكن ذلك في سياق خدمة مصالح إسرائيل التي ترفض أن يشاركها طرف آخر في تعريف ما هيّة هذه المصالح، ونفس الكلام ينطبق على تركيا الدولة الحليفة وعضو الناتو والتي وإن اتفقت جزئيا مع الولايات المتحدة في بعض الملفات الاقليمية إلا أنها لا تتردد من رفض أي مطلب أمريكي لا يأتي وفقا للمنظور التركي للصراع في المنطقة، فتركيا رفضت سياسة أمريكا في سوريا لأنها سياسة قاصرة عن ايجاد اطار يربط بين الاعتبارات التكتيكية للقضاء على داعش والاعتبارات الاستراتيجية لإنهاء نظام الاسد، أما إيران فهي دولة مختلفة لأنها تناصب الولايات المتحدة العداء لكنها لا تخشى منها ولا تخشى عليها عندما توظف كل الأدوات المتاحة لها للدفع قدما بالمصالح الإيرانية ولتقويض الاستراتيجية الأميركية في المنطقة وفقا لحسابات الربح والخسارة التي يجريها الإيرانيون بعقلية البزار الشهيرة. مفاوضات جنيف الأخيرة شكلت صدمة لأوباما وضربة قاصمة لمحاولاته تحقيق ولو نجاح واحد على مستوى السياسة الخارجية.
فهذه دول وإن كانت تفهم تماما الهيمنة الأمريكية والخلل الفادح في موازين القوى لصالح واشنطن الا انها في الوقت ذاته تعرف كيف تستغل ضعف سياسة أوباما الخارجية وفشلها وتستغل استماتة أوباما لتكوين تركة (legacy) له في السياسة الخارجية تضعه في مصاف الرؤساء الأقوياء في تاريخ الولايات المتحدة وهم كثر، لهذا راهن أوباما على التوصل إلى صفقة مع إيران غير أن الأخيرة ترددت ما اضاع فرصة كبيرة على أوباما. ولفهم مسألة ضعف السياسة الخارجية للرئيس أوباما على وجه التحديد من الحري أن نركز على عزل تشك هيغل وزير الدفاع من منصبه.
من دون الدخول في التفاصيل المملة، أقول أن سياسة أوباما في الشرق الأوسط كارثية، وهي عبارة عن سلسلة من الاخفاقات والاخطاء، وهي كما لخصها ديفيد روثكوبف في مقال في غاية الاهمية نشر له في العدد الاخير من مجلة الفورين بوليسي الأمريكية: انفصام في الموقف من الثورة المصرية وما آلت اليه، التردد والفشل في سوريا، استعداء الحلفاء التقليديين الذين شعروا بأن أوباما يدير ظهره لهم، نكث كل العهود التي قطعها على نفسه في خطاب القاهرة الشهير الذي القاه في شهر حزيران 2009، الفشل في العراق وفي أفغانستان، واخيرا الفشل الذريع في كل مواجهاته مع نتنياهو التي أفضت إلى تبخر كل آمال السلام على نيران الاستيطان والتعنت الإسرائيلي وخلقت أجواء انتفاضة ثالثة.
صحيح أن العالم فرح كثيرا لفوز أوباما وهزيمة الجمهوريين، فالآمال كانت معقودة على أوباما ليعيد للولايات المتحدة دورها الايجابي على عكس الرئيس بوش الذي جعل من امريكا قوة لا تُحترم ولا يخشاها احد، غير أن كل ذلك كان سحابة دخان كانت تخفي خلفها حقيقة أن الرئيس أوباما لم يكن خبيرا في السياسة الخارجية وأنه أدار السياسة الخارجية من خلال البيت الأبيض لتخليص الولايات المتحدة من حروبها. وخلال ست سنوات غيّر أوباما ثلاثة وزراء للدفاع (غيتس وبانيتا وهيغل) ما يطرح سؤال أن كان الخطأ في الوزراء أم في خيارات الرئيس أم في الرئيس نفسه وفي عدم قدرته على خلق فريق يدير السياسة الخارجية بعيدا عن التناقض والتنافس الذي اشتد مؤخرا بين مجلس الامن الوطني بقيادة سوزان رايس وكبار موظفي البنتاغون.
على العكس من الرئيس بوش الذي تعلم من فترة حكمه الأولى وادخل تعديلات على فريقه مكنته من انتهاج سياسة خارجية أكثر فعالية، فإن الرئيس أوباما لا يبدو أنه تعلم الكثير وبقي محكوما بالبنية الذهنية للمحامي الحذر. فعندما اختار تشك هيغل وزيرا للدفاع كان أوباما يهدف إلى كبح جماح كبار موظفي البنتاغون الذين كانوا يطالبون بسياسة خارجية هجومية وعسكرية في بعض المناطق وتحديدا في سوريا، وأوباما كان يرى بهيغل (من الحزب الجمهوري) حليفا له لأنهما عارضا كل الحروب التي شنها الجمهوريون. غير أن هيغل لم يتمكن في جلسة الاستماع التي عقدها الكونغرس (بشهر سبتمبر 2012 أي قبيل الموافقة على هيغل ليتولى وزارة الدفاع) من الدفاع عن سياسة الادارة، فتركت هذه الجلسة جرحا عميقا لم يتعافى منه هيغل إلى هذه اللحظة ولم يتمكن بالفعل من مساعدة الرئيس أوباما في مسعاه. ورافق ذلك أن الرئيس أوباما طالب هيغل بتقليص نفقات الدفاع، وأكثر من ذلك قامت سوزان رايس بتحجيم هيغل في ملفات السياسة الخارجية ما كان يطرح الكثير من التساؤلات حول ثقة أوباما بهيغل مع مرور الزمن.
إذا هيغل جاء لمنع تورط الولايات المتحدة في حروب جديدة وجاء من اجل ضبط النفقات، لكن المهمة تغيرت ولم يعد هيغل يصلح لها وبالتالي اصبح عبئا على الرئيس، فالرئيس لم يعد يحتمل الاخفاقات في السياسة الخارجية وهناك تفكير جدي عنده بأن يبدأ بتغيير هذه السياسية باتجاه التدخل وهو أمر لا يروق لتشك هيغل الذي بات يشعر بأنه ليس لهذه المهمة جاء في وقت عجزت فيه الادارة لغاية هذه اللحظة اتباع استراتيجية متجانسة (coherent strategy). وما من شك أن استقالة هيغل أو للدقة اعفائه من منصبة تعني أن الصراع بين مراكز القوى في الولايات المتحدة بخصوص السياسة الخارجية حسم لصالح البيت الابيض، وإذا ما احتفظ أوباما بسوزان رايس وفريقها (وهو أمر المح له الرئيس عندما التقى بفريقها وجدد ثقته بهم) فإن هذا ينذر بتمهيد الاجواء لسياسة خارجية تقلل الاصطدام مع الكونغرس الجمهوري وربما تذهب باتجاه التدخلات العسكرية في الشرق الأوسط.
ماذا يعني لنا ذلك في الشرق الأوسط؟ يبدو أن كل من تركيا وإيران فهمتا جيدا ديناميكية القوة والنقاش العام داخل أروقة الحكم في واشنطن وبالتالي شعرتا بأنهما في وضع يسمح لهما بالتمرد على واشنطن وهو ما نشهده، وبالتالي عبثا يحاول الواحد منا أن يفهم سر تبعية حلفاء الولايات المتحدة لها في فترة ضعف واضح لأوباما في إدارة ملف السياسة الخارجية! العجز العربي كان واضحا ليس فقط على مستوى فهم ما يجري بالولايات المتحدة ولكن في صوغ مقاربات تمكن دول الاعتدال من التأثير في سياسة واشنطن الخارجية، فمن الواضح أن كبار المستشارين في هذه الانظمة لا يفهم شيئا في الاستراتيجيات والسياسة نظرا لأن التعيين في هذه المواقع ما زال يتم حسب معادلة الولاء وليس حسب الكفاءة، لذلك سيستمر العجز العربي لدول الاعتدال، وهي دول لا تأخذها الولايات المتحدة على محمل الجد إذ ما زالت واشنطن تعتقد أن هذه الدول بحاجة لأمريكا أكثر من حاجة الأخيرة إليها.

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير