jo24_banner
jo24_banner

تحول في الرأي العام الأمريكي تجاه قضيتنا المركزية؟!

د. حسن البراري
جو 24 : في خمسينيات القرن الماضي، نشر الروائي الأمريكي ليون أوريس رواية ذائعة الصيت بعنوان "الخروج" والتي تحولت فيما بعد إلى فيلم سينمائي، وهي الرواية التي قدمت الصراع العربي الإسرائيلي وقصة إسرائيل إلى الجمهور الأمريكي وخلقت تعاطفا شعبيا مع إسرائيل على حساب العرب وقضيتهم المركزية.

وعلى نحو لافت، تركت هذه الرواية والفيلم معا أثرا كبيرا على العقل الجمعي الأمريكي قلل من قدرة العرب على مرّ العقود في إحداث اختراقات في الرأي العام الأمريكي حيال إسرائيل.

وتعزز الشعور بأن هناك علاقة خاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل وبخاصة مع تصاعد تأثير لوبي إسرائيل الذي ركز على بعدين لتبرير الدعم الأمريكي لإسرائيل: البعد الثقافي (إسرائيل دولة ديمقراطية تعيش في محيط من الديكتاتوريات) والبعد الاستراتيجي (إسرائيل حليف موثوق وقوة عسكرية يمكن الاعتماد عليها عند الحاجة على العكس من العرب).

وربما لهذا السبب وجدت إسرائيل نفسها في موقع يؤثر في سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط بشكل يتناسب مع برنامجها الصهيوني القائم على التوسع. والحال أن الولايات المتحدة لم تكتف بدعم أمن وبقاء إسرائيل، بل لا تمانع أيضا من توسع إسرائيل كما نلاحظ هذه الأيام إذ تغض واشنطن الطرف عن تزايد النشاط الاستيطاني على حساب الأرض الفلسطينية.

ولعقود خلت، كان الرأي العام الأمريكي يساند العلاقة مع إسرائيل ولا يتحدى القوى السياسية والضاغطة المؤيدة لإسرائيل، والمفارقة أن نقد السياسات الإسرائيلية هو أمر متاح في إسرائيل ولكنه أمر في غاية الصعوبة في الولايات المتحدة، وقد لاحظنا كيف قامت الدنيا ولم تقعد عندما نشر ستيفن والت وجون ميرشايمر كتابيهما "لوبي إسرائيل" وفيه قالا أن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط هي نتاج موقف لوبي إسرائيل وهي سياسة تلحق ضررا كبيرا بمصالح الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط.

يبدو أن شرخا ما بدأ يعتري مواقف الرأي العام الأمريكي، فهناك جزءا منه بدأ يعيد النظر في الكثير من المقولات التقليدية.

وهنا نشير إلى استطلاع للرأي أجراه البرفسور الأمريكي المعروف شبلي تلحمي قبل أسابيع قليلة ماضية ونشر نتائجه معهد بروكينغز بواشنطن، ويظهر هذا الاستطلاع نتائج تدل على أن الرأي العام الأمريكي حيال القضية الفلسطينية هو آخذ في التغير الإيجابي.

وفقا للاستطلاع فإن هناك ما يقارب من 39% يؤيدون حل الدولتين (أي أن للشعب الفلسطيني الحق في تقرير مصيره في دولة له) بالمقابل ارتفعت نسبة من يؤيد خيار الدولة الواحدة لكل مواطنيها يهود وعرب من 24% في العام الماضي إلى 34% في هذا العام.

وحتى من بين مؤيدي خيار حل الدولتين هنالك ما يقارب من الثلثين يؤيدون حل الدولة الواحدة في حال فشل حل الدولتين، وفي هذه الحالة فإن هناك 71% من الأمريكيين مع خيار الدولة الواحدة. وكشف الاستطلاع بأن هناك 61% من الشعب الأمريكي يطالب بأن لا تنحاز بلادهم لأي طرف من أطراف الصراع (طبعا ترتفع هذه النسبة وتنخفض وفقا للانتماءات الحزبية بين الجمهوريين والديمقراطيين).

وفي حال لجوء الفلسطينيين للأمم المتحدة لانتزاع اعتراف بدولتهم فإن نسبة الأمريكان الذين يريدون أن تعارض بلدهم هذه التوجه في الأمم المتحدة هي فقط بحدود 27%.

ومع ذلك يمكن القول إن الموقف من إسرائيل ما زال لا يتأثر كثيرا بالتغيرات في مواقف الرأي العام لأن صناعة القرار في واشنطن تخضع لاعتبارات تجعل من القوى المؤيدة لإسرائيل أكثر تأثيرا، وهي نقطة لاحظها حتى يوسي بيلين في عام 1993 عندما قال في كتابه بأنه كان يذهب للولايات المتحدة لإقناع الإدارة بأن حل الدولتين هو في صالح إسرائيل بينما القوى المؤيدة لإسرائيل كانت تأتي تصر على أن مثل هذا الحل هو ضار بإسرائيل. وبالفعل كان لهذه القوى اليد الطولى في نهاية الأمر.

لكن إسرائيل تواجه أزمة من نوع مختلف هذه المرة ربما تؤثر على جوهر الفكرة الصهيونية التي تمحورت حول فكرة دولة يهودية- ديمقراطية. وفي هذا السياق كتب سيفر بلوكر في يديعوت احرنوت الإسرائيلية قبل أيام قليلة محذرا من تدهور فرص حل الدولتين وتصاعد فكرة الدولة ثنائية القومية (وهي فكرة تؤيدها نسبة عالية من الأمريكان أيضا)، وهنا يشجع سيفر بلوكر أن لا يقوم يسار الوسط والوسط إقامة تحالف ضد نتنياهو وأن يركز بدلا من ذلك على ضرورة إنقاذ إسرائيل من خطر ثنائية القومية والعنف الذي سيسود في حال فشل عملية السلام. وما زالت إسرائيل ترى أن تفاعل السياسة الداخلية هو من سيحدد في نهاية الأمر موقف إسرائيل من الحل وحدوده أن كان هناك حل. بمعنى أن الكثير من الإسرائيليين ما زال يرى أن بلاده قادرة على تحييد موقف الإدارة الأمريكية.

ومع أهمية الرأي العام الأمريكي على سياسة واشنطن، فإنه من غير المنتظر في المستقبل القريب أن ينقلب الرأي العام ليصبح مساندا للحق الفلسطيني، صحيح أن هناك تحولات ملحوظة لكن القضية برمتها لن تؤثر كثيرا إلا إذا اقتنع صانع القرار بواشنطن بأن حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يخدم مصالح أمريكا، وإلى أن يبرز ذلك ستكون الولايات المتحدة أقرب إلى إدارة الصراع من حله.
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير