افتحوا لواقطكم أيها العلماء..!!
حسين الرواشدة
جو 24 : حين دعوت في هذه الزاوية قبل نحو شهر ( 8-12) سادتنا العلماء ومؤسساتنا الدينية الى المسارعة «لهزّ» شجرة الدين برفق، كنت ادرك تماما ان قيامهم بهذا الواجب سيفوت الفرصة على المتربصين بالاسلام الذين يريدون اقتلاع هذه الشجرة من جذورها، او انه اضعف الايمان سينزع منهم مبرراتهم وسيكشفهم امام الناس.
لم اكن اضرب «بالمندل» حينئذ، فقد كان لدي ما يكفي من مؤشرات على ان رأس الاسلام اصبح مطلوبا، وعلى ان القضية تتجاوز استهداف الاسلام السياسي وحتى الاسلام المسلح ( مع تحفظي على هذه التسمبات)، تتجاوزه الى انتاج نسخة جديدة من الاسلام « المدجن « التي تتطابق تماما مع النسخة الغربية التي نجحت في اقصاء الدين نهائيا عن المجال العام وحشره في اماكن العبادة، بحيث يصبح معزولا وممنوعا من التدخل في اي شأن يمس حياة المجتمع، الخاصة والعامة على حد سواء.
اعترف انني لم اتردد على مدى السنوات الماضية في نقد بعض الافكار الاسلامية التي خاصمت الحياة واستعدت الآخر، وبعض الاجتهادات الفقهية التاريخية التي انتهت صلاحيتها واصبحت بحاجة الى تجديد، وبعض انماط التدين المغشوش التي كرست لدى المسلم حالة من « الشيزوفرينا» وحولته الى «آلة» تتحرك بأوامر محددة ثم تتوقف، وكأن الدين الذي يحركها احيانا مرتبط بمواقيت للتشغيل واخرى للتعطيل، كما انني لم اتردد بانتقاد فصل الاحكام والتكاليف عن آثارها ومآلاتها او عن ما يجب ان يترتب عليها من اخلاقيات عامة، وهي اكبر فاجعة اصابت حركة الدين في حياتنا حين تحول الى طقوس وعادات لا علاقة لها بالسلوك الانساني ولا بحركة الحياة التي استخلفنا الله فيها من اجل مواجهتها بالبناء والتعمير والاصلاح والتغيير.
كنت اتمنى في كل مرة ان يسمع علماؤنا الكرام هذه الدعوات وان يفتحوا لواقطهم لاستقبالها، وتحملت -يشهد الله- مرارة الردود وقساوتها، ولم يخطر في بالي ابدا ان اسير بعكس اتجاه التيار، لان القضية التي احملها واؤمن بها اكبر واجلّ من ان اسخرها في خدمة اغراض زائفة، فهذا الدين الذي نعتز بالانتساب اليه، والاستعلاء به قضيتنا جميعا، ومن واجبنا ان نتعهده بالرعاية والعناية، وان نتقدم اليه بالفهم الصحيح والعمل المخلص لا ان نتقاتل باسمه او نجيره لحسابات قد تنفع بعضنا وتسيء اليه، كما ان من واجبنا ان لا نترك اي فراغات او نقاط ضعف تسمح لغيرنا ان يدخل على خطة لكي يشوهه او يستقصدنا بحجة الدعوة الى اصلاحه.
الآن لا اعتقد ان ثمة منصفا يمكن ان يقول ان كل ماجرى في منطقتنا من محاولات لحشر الدين في زاوية «الارهاب» او تشويه صورته بحجة الممارسات التي تنسب لبعض المتحدثين باسمه، جاءت هكذا بالصدفة، او انها دعوات بريئة تهدف الى تبييض وجهه وتحريره من الواقع الذي جرى تصميمه بقصد القاء القبض عليه ( الدين )وهو متلبس باعمال لايمكن ان يقبلها منطق او عقل ناهيك عن دين، اي دين،ابدا لا يمكن ان نصدق ان لدى هؤلاء غيرة او حرصا على الاسلام حتى يتدافعوا الى المطالبة بالثورة من اجله، او الى الغاء السياسة منه، او الى المصالحة بينه وبين الحياة من خلال شطب «النصوص» والافكار التي لا تنسجم مع فهمهم له ومراداتهم منه.
كان يمكن بالطبع ان نستسلم لمنطق هؤلاء في محاكمة الدين على مسطرة الواقع لو لم يكن لدينا تجربة افرزنا منها بفضل الدين حضارة ما تزال شواهدها قائمة حتى وقتنا الحاضر، فقد كان الدين بالنسبة لامتنا - كما كان لغيرها من الامم - باعثا للتحرر من الغزاة والمستعمرين، ودافعا للتحضر واليقضة والازدهار ، ودليلا لمواجهة الظلم والاستبداد ، لكنه حين تعرض ، كما تعرضت امتنا ،لموجات عاتية من التشكيك والاستهداف والمحاصرة والاستحواذ افرز اسوأ ما لدى ابنائه من افكار ، وبدل ان يستأنف دوره الذي بدأه في انتاج التحضر الانساني اصبح للاسف منتجا للاستبداد والتخلف، لا لانه كذلك وانما لان الذين استخدموه ووظفوه وحشروه في «سجونهم « تواطأوا على استدراجه لكي يقع في الفخ الذي نصبوه لنا وله ايضا.
بدل ان نترك الباب مفتوحا للذين يريدون اقتلاع شجرة الدين من جذورها او للاخرين الذين يسعدهم ان نظل متهمين باسم الدين، ندافع عن انفسنا ونتبرأ من حماقات بعض من اندس في صفوفنا، لا بد ان يتحرك علماؤنا وفقهاؤنا، ومعهم مؤسساتنا الدينية، باتجاهين: احدهما العمل من داخل اطار الاسلام لاصلاح منظومة افكارنا واحكامنا وفهوماتنا الدينية، ووضع الاجابات الصحيحة لكل الاسئلة المطروحة اليوم حول وظيفة الدين وعلاقاته واتجاهاته ومواقفه من قضايا العصر وردوده على الاتهامات التي توجه له، اما الاتجاه الآخر فهو التصدي لمحاولات الهدم التي تستهدف هذا الدين مهما كانت ذرائعها، ذلك ان مهمة الاصلاح والنقد للفكر الديني تتعلق بعلمائه المعتبرين فقط، ولا تنزل بالبرشوت من اي طرف اخر، سواء اكان من داخل بلداننا الاسلامية ام من خارجها ...
الدستور
لم اكن اضرب «بالمندل» حينئذ، فقد كان لدي ما يكفي من مؤشرات على ان رأس الاسلام اصبح مطلوبا، وعلى ان القضية تتجاوز استهداف الاسلام السياسي وحتى الاسلام المسلح ( مع تحفظي على هذه التسمبات)، تتجاوزه الى انتاج نسخة جديدة من الاسلام « المدجن « التي تتطابق تماما مع النسخة الغربية التي نجحت في اقصاء الدين نهائيا عن المجال العام وحشره في اماكن العبادة، بحيث يصبح معزولا وممنوعا من التدخل في اي شأن يمس حياة المجتمع، الخاصة والعامة على حد سواء.
اعترف انني لم اتردد على مدى السنوات الماضية في نقد بعض الافكار الاسلامية التي خاصمت الحياة واستعدت الآخر، وبعض الاجتهادات الفقهية التاريخية التي انتهت صلاحيتها واصبحت بحاجة الى تجديد، وبعض انماط التدين المغشوش التي كرست لدى المسلم حالة من « الشيزوفرينا» وحولته الى «آلة» تتحرك بأوامر محددة ثم تتوقف، وكأن الدين الذي يحركها احيانا مرتبط بمواقيت للتشغيل واخرى للتعطيل، كما انني لم اتردد بانتقاد فصل الاحكام والتكاليف عن آثارها ومآلاتها او عن ما يجب ان يترتب عليها من اخلاقيات عامة، وهي اكبر فاجعة اصابت حركة الدين في حياتنا حين تحول الى طقوس وعادات لا علاقة لها بالسلوك الانساني ولا بحركة الحياة التي استخلفنا الله فيها من اجل مواجهتها بالبناء والتعمير والاصلاح والتغيير.
كنت اتمنى في كل مرة ان يسمع علماؤنا الكرام هذه الدعوات وان يفتحوا لواقطهم لاستقبالها، وتحملت -يشهد الله- مرارة الردود وقساوتها، ولم يخطر في بالي ابدا ان اسير بعكس اتجاه التيار، لان القضية التي احملها واؤمن بها اكبر واجلّ من ان اسخرها في خدمة اغراض زائفة، فهذا الدين الذي نعتز بالانتساب اليه، والاستعلاء به قضيتنا جميعا، ومن واجبنا ان نتعهده بالرعاية والعناية، وان نتقدم اليه بالفهم الصحيح والعمل المخلص لا ان نتقاتل باسمه او نجيره لحسابات قد تنفع بعضنا وتسيء اليه، كما ان من واجبنا ان لا نترك اي فراغات او نقاط ضعف تسمح لغيرنا ان يدخل على خطة لكي يشوهه او يستقصدنا بحجة الدعوة الى اصلاحه.
الآن لا اعتقد ان ثمة منصفا يمكن ان يقول ان كل ماجرى في منطقتنا من محاولات لحشر الدين في زاوية «الارهاب» او تشويه صورته بحجة الممارسات التي تنسب لبعض المتحدثين باسمه، جاءت هكذا بالصدفة، او انها دعوات بريئة تهدف الى تبييض وجهه وتحريره من الواقع الذي جرى تصميمه بقصد القاء القبض عليه ( الدين )وهو متلبس باعمال لايمكن ان يقبلها منطق او عقل ناهيك عن دين، اي دين،ابدا لا يمكن ان نصدق ان لدى هؤلاء غيرة او حرصا على الاسلام حتى يتدافعوا الى المطالبة بالثورة من اجله، او الى الغاء السياسة منه، او الى المصالحة بينه وبين الحياة من خلال شطب «النصوص» والافكار التي لا تنسجم مع فهمهم له ومراداتهم منه.
كان يمكن بالطبع ان نستسلم لمنطق هؤلاء في محاكمة الدين على مسطرة الواقع لو لم يكن لدينا تجربة افرزنا منها بفضل الدين حضارة ما تزال شواهدها قائمة حتى وقتنا الحاضر، فقد كان الدين بالنسبة لامتنا - كما كان لغيرها من الامم - باعثا للتحرر من الغزاة والمستعمرين، ودافعا للتحضر واليقضة والازدهار ، ودليلا لمواجهة الظلم والاستبداد ، لكنه حين تعرض ، كما تعرضت امتنا ،لموجات عاتية من التشكيك والاستهداف والمحاصرة والاستحواذ افرز اسوأ ما لدى ابنائه من افكار ، وبدل ان يستأنف دوره الذي بدأه في انتاج التحضر الانساني اصبح للاسف منتجا للاستبداد والتخلف، لا لانه كذلك وانما لان الذين استخدموه ووظفوه وحشروه في «سجونهم « تواطأوا على استدراجه لكي يقع في الفخ الذي نصبوه لنا وله ايضا.
بدل ان نترك الباب مفتوحا للذين يريدون اقتلاع شجرة الدين من جذورها او للاخرين الذين يسعدهم ان نظل متهمين باسم الدين، ندافع عن انفسنا ونتبرأ من حماقات بعض من اندس في صفوفنا، لا بد ان يتحرك علماؤنا وفقهاؤنا، ومعهم مؤسساتنا الدينية، باتجاهين: احدهما العمل من داخل اطار الاسلام لاصلاح منظومة افكارنا واحكامنا وفهوماتنا الدينية، ووضع الاجابات الصحيحة لكل الاسئلة المطروحة اليوم حول وظيفة الدين وعلاقاته واتجاهاته ومواقفه من قضايا العصر وردوده على الاتهامات التي توجه له، اما الاتجاه الآخر فهو التصدي لمحاولات الهدم التي تستهدف هذا الدين مهما كانت ذرائعها، ذلك ان مهمة الاصلاح والنقد للفكر الديني تتعلق بعلمائه المعتبرين فقط، ولا تنزل بالبرشوت من اي طرف اخر، سواء اكان من داخل بلداننا الاسلامية ام من خارجها ...
الدستور