jo24_banner
jo24_banner

جميع الأطراف تصب الزيت على النار

د. رحيّل الغرايبة
جو 24 : لا تكاد تسمع لزعيم دولة كبرى أو صغرى، ولا تكاد تسمع لأمين عام حزب في الشرق أو الغرب، إلّا وتجد شرراً يتطاير وتهديدات متتالية، وإعلانات حرب، واستعراض عضلات وقرعاً للطبول وقعقعة سلاح، واليد على الزناد، وإبداء الاستعداد والجدية التامة للشروع بالقتل.

ننظر إلى النار المشتعلة في منطقتنا، فنجد جميع الأطراف تهرع إلى صب الزيت على النار، وممارسة لعبة الرقص الهندي حولها كلما زاد لهيبها، وعلا وميضها، وتتطاير شررها، إلى حد الجنون المفضي إلى الموت.

الحوثيون يحاصرون القصر الرئاسي ويختطفون مدير عام الرئاسة، وداعش توسع نطاق عملياتها في الأنبار، والأكراد يصعدون مقاومتهم حول كوباني، وحفتر يشن غارات جوية على قوات فجر ليبيا في طرابلس، وغارات «اسرائيلية» على القنيطرة وتقتل عدداً من قيادات حزب الله، وحزب الله يتوعد بالثأر والانتقام، وإيران ترسل قواتها لمحاربة التكفيريين والإرهابيين في الأراضي العراقية والسورية واللبنانية، والاتحاد الأوروبي يدرس كيفية مواجهة الموجة الأرهابية التي تهدد العالم، والرئيس السوري يهدد الأردن، والرئيس المصري يقول أن أمن الخليج خط أحمر.

كلهم يهددون ويتوعدون، وانتقلت العدوى إلى طلاب الجامعات والمدارس، فضلاً عن الوزراء والنواب، ومدراء المؤسسات العامة، ويكاد يختفي صوت العقل والحكمة، فكل من يدعو إلى الحوار والتوافق وتغليب الأسلوب السلمي، فسوف يكون عرضة لقصف اتهامي مركز بكونه جباناً، سليل فصيل أرنبي خانع، أو عميلاً مزدوجاً ينبغي تصفيته وهدر دمه ونبذه وعدم الإصغاء لقوله.

صحف تسيء وتخدش المقدسات، ومظاهرات تندد، وحناجر تهتف وتصرخ، ومناوشات واعتقالات وقنابل مسيلة للدموع وهراوات، واقتحامات وتفجيرات واغتيالات جسدية واجتماعية، ومواقع الكترونية متخصصة بالسب والشتم والردح ونصبت نفسها مصيدة للخصوم من أجل التشهير والتشويه والحرق.

نحن أمام عالم مجنون، ومشهد هستيري، يصيب المواطن العربي بالهذيان، وهو يقرأ ويشاهد ويتابع، فكل شيء يدعو إلى الصدمة، والموت البطيء، للعقل والشعور والإحساس والتفكير.

أين يذهب الجيل الجديد، وكيف نحمي أبناءنا الذين تتفتح أعينهم على هذا الواقع المؤلم، كيف نزرع فيهم الأمل، وكيف نعلمهم قيم المحبة والإخاء والتسامح وتقبل الآخر، وكيف نعلمهم آداب الإصغاء وآداب الكلام وآداب الحوار، واستيعاب الرأي المخالف، وكيف نعلمهم التعايش مع أصحاب العقائد المخالفة، والمذاهب الأخرى، وكيف يستوعبون التعددية السياسية والحزبية.

ألا تشعرون بصعوبة المهمة، وقسوة الظروف وتعقيد البيئة المحيطة التي تفرض تدخلها بقوة في صياغة العقل الناشىء وأنها أكثر تأثيراً وفاعلية في تربية الوجدان وصقل المشاعر وتوجيه العقل، لا ندري أين يتجه هذا العالم بنا، ولا ندري أين تحط سفينة الحياة في هذا البحر المتلاطم من الأمواج والضباب، والآفاق القاتمة المدلهمة.

القضية أخطر بكثير مما نتوقع، وتحتاج إلى جهود مشتركة حثيثة ومضنية، وبحث مستفيض ومحاولات جادة للخروج من المأزق الكبير.


(الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير