نحن والبطالة
يدرك العقلاء وأصحاب الهم الوطني سواء كانوا في مواقع المسؤولية الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني، أو في غير مواقع المسؤولية أننا أمام مشكلة حقيقية على قدر كبير من الخطورة والأهمية البالغة، والوجه الأشد خطورة من وجوه هذه المشكلة أنها تكبر مع مرور الزمن وتتفاقم مع الانتظار وتتدحرج مثل كرة الثلج المنحدرة من أعلى الجبل ونحن نجيد لعبة الانتظار.
أفواج الخريجين من الجامعات الحكومية والخاصة تتزايد في كل عام عبر متوالية هندسية لا تتوقف، بالإضافة إلى التزايد المضطرد في عدد السكان، عدا عن أفواج اللاجئين والمهاجرين من الأقطار العربية المجاورة التي تتعرض لويلات الحروب وعدم الاستقرار السياسي مما يجعل المعضلة لدينا في الأردن أكبر حجماً وأشد تعقيداً، واذا أضفنا لذلك تقلص السوق الخليجي الذي كان يستوعب عدداً كبيراً من الأردنيين؛ فينبغي أن نعلم أن الأمر في غاية الجدية والحساسية الشديدة.
بوادر هذه الأزمة بدأت تظهر في المحافظات والأطراف البعيدة عن العاصمة، لأنها الأكثر معاناة والأكثر تأثراً، وتقل فيها فرص العمل، وتتضاءل فيها مسارات الاستثمار، وما زالت الحلول فيها قاصرة ومتعثرة، وتقبع في الأوراق والاقتراحات النظرية الجافة، ولم تجد طريقها نحو التطبيق إلّاّ في القليل النادر، ولذلك نحن معرضون إلى مزيد من الظواهر والحالات والأشكال التي تخرج عن نطاق التوقعات، وخارج سياق النظرة التقليدية ولا ينفع معها الوعظ والكلام التنظيري في مواقع التواصل الاجتماعي وعبر وسائل الإعلام، لأن جوهر المشكلة ليست في القدرة على التعبير وامتلاك مهارة التبرير.
المعالجات في هذا الجانب الخطر يجب أن تأخذ أولوية على جدول أعمال الحكومة ولا تسبقها أي أولوية أخرى كما ينبغي أن تعمل على كلا المسارين معا:
أ- المسار الأول عبر النظرة إلى الاستراتيجية والرؤية بعيدة المدى المنبثقة من القدرة على قراءة المشهد العالمي والإقليمي والمحلي بدقة، وإدراك التنبؤات القائمة على هذه القراءة الصحيحة التي تؤشر على بروز معالم «الثورة الرقمية» القادمة لا محالة والتي ستحدث انقلاباً هائلاً في عالم الوسائل والأدوات وأساليب العمل، والعلاقات والمسارات جميعاً، ومنها المسار الاقتصادي بكل تأكيد وسوق العمل والمهن والتعليم والتخصصات والمهارات، وهذا يحتاج إلى تخطيط شامل ومتزن واستعداد حقيقي لهذه التغيرات الكبيرة، التي ستطال كل المجالات الحيوية بلا استثناء.
ب- المسار الثاني: المتمثل بالشروع الفوري ودون ابطاء في المعالجات العملية والحلول المستعجلة التي تمس:
1- مسارات التربية والتعليم والمرحلة الثانوية على وجه الخصوص وإعادة الاعتبار للمسار المهني وضرورة العناية بهذا المسار المهم، وتوجيه شريحة مهمة من التلاميذ والشباب نحو التعليم المهني من النابهين والأذكياء وأصحاب المهارات، وهذا يحتاج إلى خطة متكاملة تكون الثقافة المجتمعية أحد ركائزها بالإضافة إلى توفير فرص العمل للخريجين المؤهلين.
2- الحقل التعليمي العالي في الجامعات وإعادة النظر في سياسات اعتماد التخصصات، والوقوف على المجالات الراكدة والمشبعة التي تزيد من حدة مشكلة البطالة وتفاقمها وضرورة التدخل الحاسم في إحداث التوازن المطلوب.
3- تنظيم سوق العمل ووقف استيراد قوافل الأيدي العاملة الوافدة، وتهيئة السوق لقبول الأيدي العاملة المحلية، وهذا يحتاج إلى تأهيل الشباب الأردني تأهيلاً فاعلاً ومثمراً وإحداث معالجة تشريعية وتنظيمية لسوق المهن والعمالة من حيث توفير الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي لكل عامل أردني كحد أدنى، بالإضافة إلى تأمين دخل كريم يستقطب الأردنيين والأردنيات.
4- التوقف عن منح الامتيازات والعقود في الوظائف والرواتب العالية في مجالات وهيئات غير مجدية، ولا ترفد الخزينة وليس لها مستقبل سوى هدر المال العام، ويجب وقف الفوارق الهائلة في المرتبات التي تتناقض مع مبدأ المساواة أمام القانون، ووقف كل الممارسات التي تحدث شرخاً اجتماعياً حاداً بين شرائح المجتمع.
5- البدء بإصلاح المجال الزراعي ورفع شأن هذا المسار بما يتناسب مع أهميته البالغة في رفع سوية الانتاج الزراعي في كل فروعه وحل مشاكله وامتلاك القدرة على تغطية حاجة السوق المحلي والأسواق العربية المجاورة.