الشباب والمرحلة القادمة
المرحلة القادمة تشكل فرصة واعدة مهمة للشباب وسط الظروف الصعبة التي نعيشها، و التحديات المعقدة التي تواجه الدولة الأردنية وسط هذا الإقليم الملتهب والمضطرب، بأن يبحثوا عن دور فاعل ومؤثر في مسيرة الأحداث وتوجيهها نحو آفاق مستقبلية طموحة، حيث أن الشباب ما زالوا يعيشون مقتضيات المرحلة السابقة التي لم تستطع الارتقاء إلى البحث عن الطاقات الجديدة والابداعات المستترة في أعماق المجتمع، رغم وجود صيحات ونداءات عديدة وواضحة في ضرورة الاستفادة من الشباب والأجيال الجديدة.
العالم كله يشهد مرحلة تغيرات عميقة وجديدة، والمجتمعات الإنسانية تستعد للقفزة الهائلة في عالم الرقميات والتغيرات الضخمة في آليات التواصل المجتمعي التي سوف تسفر عن تطورات متسارعة في العلاقات بين الأفراد والجماعات، وسوف تفرض إيقاعها على منظومة السلطات وكيفيات إدارة الشعوب، ومجمل المنظومات القيمية والأعراف والتقاليد والاتجاهات الفكرية والثقافية التي تضبط سير المجتمعات، مما يقتضي من أصحاب القرار وأهل المسؤولية العامة المبادرة نحو امتلاك القدرة على التكيف مع هذه التغيرات والاستعداد للعبور الأممي الكبير لبوابة المستقبل الجديدة والمختلفة.
أول معالم الاستعداد ينبغي أن تكون بمشاركة الشباب الواسعة والجدية والفاعلة في القراءة والتشخيص والفهم والتحليل، والوقوف على العوائق والمشكلات بعمق وبمنهج علمي، ومن ثم المشاركة في الحلول والاقتراحات والتوصيات.
القضية الأكثر أهمية في هذا المجال أن الشباب ينبغي عليهم أن يعلموا يقيناً أن دور الشباب المأمول لا يأتي منحة من أحد، ولا يتم عبر الوعود من أصحاب السلطة، وإنما يحتاج إلى صناعة حضور شبابي فاعل يفرض نفسه على الواقع، وهذا لا يتم بجهود فردية متفرقة، وإنما عبر اتقان آليات التجمع والحشد المنظم، وتكوين أجسام شبابية صلبة قادرة على امتلاك رؤية وبرامج عمل مقنعة، ومن هذا المنطلق لا بدّ من إيجاد شبكات عمل شبابي واسعة بحيث تغطي كافة محافظات المملكة وأطرافها، وتنبت من البيئة الأردنية الحقيقية، ومشبعة بالروح الوطنية الوثابة، وفيها تنوع واسع وتعددية مقبولة من أجل خوض الانتخابات القادمة بكثافة، وفرز مجموعة نواب شبابية وازنة تملك رؤية وبرنامجاً مدروسا لصياغة مستقبل الدولة الأردنية، وفق مقتضيات ومعالم المرحلة القادمة.
هذا الطرح ليس ضرباً من الخيال، وليس خارج نطاق آفاق الطموح المفترض للشباب الظامىء للمجد والنهوض، والطامح نحو التغيير وصناعة الغد الأفضل الذي يليق بالأردنيين ويلبي أشواقهم نحو بناء الدولة الأردنية الحديثة التي تشكل نموذجاً ملهماً لشعوب المنطقة كلها.