تقويم الإصلاح من خلال النتائج
يجري الحديث بشكل دائم حول عمليات الإصلاح التي تمت خلال السنوات السابقة، ويثور جدل محتدم بين مختلف الفرقاء السياسيين حول ما تم من خطوات إصلاحية بين الإنكار والجحود من جهة وبين المدح والإقرار والتعظيم من جهة مقابلة، لكن يبدو أن الفصل بين المتجادلين أمر سهل وميسور من خلال النظر في الواقع الذي يعيشه الأردنيون على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والتعليمية والتربوية والاجتماعية ...
لو تم البدء بالنظر في الواقع الاقتصادي أولاً؛ لأنه يمثل ثمرة الإصلاح الوطني الشامل وهو المؤشر على مقدار النجاح وحجم الإنجاز على مختلف المسارات الإصلاحية، وخاصة على الصعيد السياسي، لأن كل أقوال السياسيين يجب ترجمتها إلى تحسين أحوال المواطنين ورفع مستوى معيشتهم في واقع الحياة، وإلّا فإنها تصبح حبراً على ورق ومجرد ادعاء لا سند له من الواقع.
تشخيص الواقع الاقتصادي لا يحتاج إلى اختلاف كبير ولا إلى كثير جدل، فالدين العام وصل أرقاماً قياسية لم يصلها في أي وقت سابق وهو يكاد يصل إلى ما يزيد عن (28) مليار دينار وبما يزيد عن (96 %) من الإنتاج الإجمالي الكلي، وهناك صعوبة بالغة في امتلاك القدرة على دفع الأقساط والفوائد المستحقة في كل عام، والمشكلة أن الدين يتزايد ولا ينقص، وحجم الاستثمار يتضاءل، والبعض يتحدثون عن هروب الاستثمارات إلى تركيا ومصر ودبي وغيرها، وحجم البطالة بين الشباب والقادرين على العمل في تزايد، وتم إضافة أعداد كبيرة من الأسر إلى صندوق المعونة الوطنية خلال السنة الحالية، وهناك كساد ملحوظ في السوق وارتفاع للأسعار يفوق قدرة المواطن الشرائية.
الوضع التربوي والتعليمي ووضع الجامعات ليس على ما يرام بل إن رئيس الوزراء الحالي يقول: إن وضع التعليم العالي كارثي ولقد سمعته يقول ذلك بأذني في لقاءٍ له في الجامعة الأردنية، ولا يخفى على كل ذي بصيرة وضع المدارس الحكومية المزري ووضع المعلم البائس الذي ينبىء عن كارثة حقيقية في قطاع التعليم العام، ولم يتم التقدم درجة واحدة في هذا المضمار.
أما وضع النقل والمواصلات العامة فهو معضلة حقيقية ومعقدة بإقرار أصحاب المسؤولية من رأس الهرم إلى أدناه، ولم يتم حل المشكلة حتى هذه اللحظة، وما طرح من حلول فهو لا يمثل حلاً جذرياً للمعضلة التي باتت مؤرقة لكل المواطنين: الفقراء والأغنياء على حد سواء، ومعضلة النقل العام ليست منفصلة عن بقية معضلات مجتمعنا الأخرى، لأنها تتشابك لتشكل منظومة الحياة المتكاملة.
وبناءً على ما سبق فإننا ما زلنا نراوح في مربع الأزمة المتفاقمة، لكن أسوأ ما في الأزمة هو عدم اعتراف بعض المسؤولين بها، وعدم تقدير خطورة الموقف بدقة، وعدم الإقدام على إعادة النظر وإجراء المراجعة فيما تم من خطوات في هذا السياق حيث إنها لم تحقق الثمرة المرجوة بكل يقين.
وأخيراً فإن فرصة الحل موجودة ومتوافرة، وليس هناك مشكلة بلا حل، والشعب والمجتمع والدولة قادرون على التقاط الفرص من رحم التحديات القاسية، واجتراح الحلول المناسبة، ولكن ذلك يحتاج إلى إقرار بالأزمة أولاً واتفاق على تشخيص المرض ثانياً، ومن ثم إعادة النظر في كل الإجراءات والخطوات السابقة ومراجعتها، وإصلاح الخلل الموجود فيها، واستكمال النقص، واستبدال ما لا يصلح وما ثبت عدم جدواه، وبغير ذلك فإن الأزمة مرشحة للتصاعد، وتضاؤل الفرص مع فوات الوقت ومرور الزمن، دون الإقدام على خطوات استثنائية صحيحة وشجاعة وجريئة.