jo24_banner
jo24_banner

التغييرات السعودية والمشهد الإقليمي

د. رحيّل الغرايبة
جو 24 : التغييرات في الهرم السعودي تأتي في سياق طبيعي انسيابي، وليس في سياق ثوري، أو تغيير جذري، ولا يمنع ذلك من أن يكون هناك بعض الفوارق الواضحة في التعامل مع تفصيلات المشهد المحلي و العربي والإقليمي من خلال البصمة الشخصية للملك الجديد، خاصة أنه ليس بعيداً عن مطبخ القرار السعودي، بل إنه يعد أحد أهم صانعي القرارات المهمة على مستوى الدولة، حيث كان ولياً للعهد أي الرجل الثاني في عهد الملك الراحل، فضلاً عن اشغاله لمناصب رفيعة عديدة خلال حكم أشقائه السابقين.
يأتي توقيت اعتلاء الملك سلمان للعرش السعودي في مرحلة شديدة الحرج والحساسية، في ظل وضوح الدور السعودي وفاعليته بصناعة التغيرات الكبيرة والتحولات العميقة في مسيرة الربيع العربي، خاصة في مصر وسوريا على وجه الخصوص، أما التغير الأشد حساسية فيأتي من الجوار اليمني، حيث شهد تزامن إعلان نبأ وفاة الملك عبد الله مع نبأ إعلان اسقاط القصر الرئاسي اليمني بيد الحوثيين وإعلان الرئيس استقالته، وذهاب اليمن إلى احتمالات الفوضى ونذر الحرب الأهلية وانفصال الجنوب.
ظهور «داعش» وتعقد المشهد السوري، وعدم استقرار الوضع المصري، مع تدهور أوضاع الدولة اليمنية، كله يضع القيادة السعودية الجديدة أمام تحديات في غاية الخطورة بما يستوجب إعادة تقويم الموقف وإعادة المراجعة والحسابات وإعادة التحالفات وإعادة رسم المشهد بطريقة علمية وموضوعية أكثر دقة وأكثر تصويباً، وأكثر بعداً عن المواقف الإرتجالية التي قد يكون لها عواقب وخيمة على مستقبل الخليج العربي والجزيرة العربية والعالم العربي برمته.
لا أحد ينكر دور المملكة السعودية المؤثر والفاعل في صناعة المشهد العربي، و صناعة مستقبل المنطقة، ولذلك لا مصلحة إطلاقاً لأي طرف في إضعاف الموقف السعودي وإضعاف الدولة السعودية، لأن ذلك سينعكس علينا جميعاً أمام تغول الأطراف الخارجية المتربصة في المنطقة، والتي عبثت في استقرارها وأسهمت في تغول العصابات المسلحة التي تستمد سيطرتها من خلال الاعتماد على استخدام العنف والقوة وأعمال القرصنة خارج إطار الشرعية والإرادة الشعبية.
العرب جميعاً أنظمة وشعوباً وقوى سياسية مدعوون إلى تغليب لغة العقل والنظرة الاستراتيجية بعيدة المدى، التي تفرض المضي قدماً في طريق الإصلاح التدريجي الذي يهدف إلى تعظيم المشاركة الشعبية ورفع منسوب الديمقراطية للوصول إلى إطار الدولة المدنية الحديثة التي تستمد دستورها وأنظمتها من منظومتها القيمية السامية المنسجمة مع دينها وتراثها وتاريخها دون إهمال لتطور الخبرة البشرية في مجال إدارة الدولة وإدارة المجتمعات البشرية.
هذا يقتضي وقف كل اعمال الإقصاء والتهميش لقوى الأمَّة الحية ، وإيجاد الصيغة التوافقية الوحدوية التي تستوعب كل مكونات الأمَّة السياسية والاجتماعية والدينية والمذهبية، وفي هذا السياق لا بد للأنظمة من جانب والحركة الإسلامية والقوى السياسية المختلفة من جانب آخر، من التعاون على إعادة رسم المشهد العربي القادر على مواجهة التدخلات الخارجية، التي تستخدم الدِّين أو المذهب أو العرق وسيلة لتحقيق مصالحها السياسية على حساب العالم العربي واستقراره ومستقبله السياسي.


"الدستور"
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير