2024-11-27 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

القوى السياسية العربية وثقافة الاحتجاج

د. رحيّل الغرايبة
جو 24 : تنخرط القوى السياسية العربية في فاعليات الاحتجاج حتى الثمالة، حيث أصبحت فناً وثقافة، وسمة بارزة ساطعة الوضوح للعمل السياسي الشعبي منذ فترة طويلة، واستمرأت هذا اللون من الفعل وطال عليها الأمد، ولا تكاد تستطيع تجاوز هذه الحالة، وينطبق هذا الوصف على الأغلبية الساحقة من أحزاب المعارضة العربية من كل الألوان والأصناف والاتجاهات؛ إسلامية وقومية ويساريّة.
هذا الاستغراق أدى إلى قولبة العقل الحزبي تحت سقف الاحتجاج، وأصبح التنافس الحزبي محصوراً في مجال الهجاء والنقد اللاذع لأصحاب السلطة، حيث أصبح ذلك مقياساً ومعياراً للنشاط السياسي الحزبي ومحلاً للاستعراض في الشارع واكتساب الشعبوية، في أغلب المناسبات والأحداث، وأصبحت المظاهرة والاعتصام هي الوسيلة الأكثر استعمالاً، والأكثر تعبيراً عن اعلى مستويات الاحتجاج،ازاء ما تتعرض له الأقطار والشعوب من اعتداءات مختلفة ومتباينة خارجيا وداخلياً، وأصبحت الأحزاب والجماهير تندفع بشكل لا إرادي احيانا نحو التظاهر إذا حدث اعتداء على الأقصى، أو اغتيال شخصية وطنية، أو عند الإساءة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم أو المقدسات الدينية، أو عند احتلال بلد، أو غارة عدوانية على مفاعل نووي، أو عند رفع أسعار الخبز أو البنزين أو الطاقة، أو الرسوم الجامعية.
لا جدال حول حق الشعوب والجماهير بالاحتجاج، ولا مساومة على حق الأحزاب والقوى السياسية بالتظاهر والاعتصامات، فهذا حق مكفول في الدستور والقانون، إذا كان بعيداً عن الفوضى والتخريب والحاق الأضرار بالممتلكات الخاصة والعامة، ولكن ما نود التركيز عليه في هذه العجالة يتمثل بالاقتصار على هذا اللون من الفعل السياسي، والاستغراق الكامل في حالة الاحتجاج، وعدم القدرة على مغادرة هذه المرحلة نحو مراحل جديدة وآفاق أكثر رحابة في العمل السياسي تلامس من خلالها أساليب وأدوات جديدة وإبداعية تقترب من حالة البناء وإيجاد البدائل، والبحث عن الحلول، والتقدم نحو مرحلة المشاركة الايجابية، التي تكسب القوى السياسية والكوادر الحزبية قدرات عملية وخبرات ميدانية، تمكنها من كسب ثقة الجماهير أولاً، وتمكنها من تقديم الخدمة والإسهام في حل مشاكل المجتمعات المحلية ثانيا.
نحن أمام حالة تستحق التوقف والحوار والمدارسة، لأن هناك فرقاً شاسعاً بين حركات الاحتجاج وحركات البناء، وهناك فرق كبير بين المعارضة المقتصرة على النقد والهجاء وبين المعارضة التي تمتلك التصورات المدروسة والبدائل المقنعة، وتملك الخبرة والقدرة على تنفيذ تصوراتها وبدائلها بشكل فعلي مقنع، وهذا هو مجال التنافس الحقيقي بين السلطة والمعارضة.
إذا سألت أحد أصحاب الصوت العالي بالنقد والمعارضة، عن بديل يجيبك بغضب هذه ليست وظيفتي ولا من واجبي، لأن هذا من واجب أصحاب المسؤولية ومن هم في سدة القيادة، وهذه الإجابة فعلت فعلها الساحر في استرخاء العقل المعارض ،وعجزه عن التفكير والإبداع في صياغة البديل، وبقائه في حيز النقد اللاذع وبيان قصور الخصم، إلى درجة تصبح فيها المعارضة تكره تحقيق النجاح من قبل الاخر، وتخفي الإيجابيات والحسنات ان وجدت في جانب السلطة، وتتمنى لها الفشل والسقوط، ولو كان ذلك على حساب الوطن ومستقبل الأجيال.
القوى السياسية مدعوة لمغادرة هذه المرحلة التي مكثت فيها طويلاً، وبحاجة ماسة إلى الانتقال إلى مرحلة أخرى أكثر نفعاً وتحضراً في ممارسة العمل السياسي، تتمثل بالقدرة على اكتساب الصفة الايجابية والقدرة على الاقتراح واتقان البحث عن الحلول، فهذه ثقافة لها اثرها الفاعل في توجيه العقل الجمعي، بدلاً من تنميط العمل السياسي في هذا المسار بطريقة أحادية.
ربما يكون لثقافة الاحتجاج بعض الفوائد، ولها أثرها في الضغط على صاحب القرار،فهذا شيء مؤكد ولكنها ليست قادرة على صناعة نهضة وبناء حضارة، وقد تبين ذلك عندما أعطى الشعب الزمام لحركات الاحتجاج في لحظة حاسمة، لم تستطع استثمارها في طرح البديل، ومما يجب أن نعلمه يقيناً أن الاحتجاج والنقد هو المسار الأكثر سهولة وأن العمل والبناء والانجاز هو الأكثر صعوبة وتعقيداً، لانه يحتاج إلى حسن تفكير وحسن أداء وتنفيذ وحسن تقويم لا يستطيعه إلّا من يمتلك العلم والخبرة وسعة الأفق وصاحب الخلق العظيم.
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير