jo24_banner
jo24_banner

السعودية وإعادة تدوير المشهد

د. رحيّل الغرايبة
جو 24 : المشهد العربي خلال السنوات القليلة الماضية، كان حزيناً وبائساً، باتفاق كثير من المراقبين على اختلاف توجهاتهم السياسية وميولهم الفكرية، فما يجري في معظم الأقطار العربية لا يسر صديقاً، ابتداءً من سوريا ولبنان، ومروراً بالعراق واليمن ومصر وانتهاءً بليبيا، فما زالت الفوضى وعدم الاستقرار هي الوجه الأبرز للمشهد العربي برمته.
التغييرات الأخيرة التي طالت قمة الهرم السعودي، استطاعت أن تحدث أثراً يستحق التوقف، بالرغم من الانتقال السلس للسلطة إلّا أن الأيام القليلة التي أعقبت تسلم الملك سلمان للعرش السعودي شهدت مجموعة تغييرات كبيرة ربما تجاوزت (36) موقعاً رفيعاً وعالي المستوى، لا بد أن يكون لهذا الحجم الكبير في التغيير في مواقع المسؤولية أثر كبير ملحوظ سواء على المستوى المحلي أو المستوى الإقليمي والعالمي.
التقارير السياسية والإعلامية التي رصدت توجهات الملك الجديد تنبأت بأن هناك عزم واضح على إحداث تغيير كبير في السياسة السعودية ربما تظهر ملامحها خلال الفترة المستقبلية القادمة، التي ليست بعيدة، اعتماداً على صيغة القرارات الحازمة التي دلّت بوضوح على أن الملك الجديد يملك رؤية واضحة وخبرة شاملة بالوضع السعودي من خلال اتصاله الوثيق بمطبخ القرار السعودي لمدة طويلة، ومن خلال موقعه رئيساً لمجلس العائلة، مما جعله قادراً على استيعاب المشهد بدقة وشمول ووعي، لمساعدة معاونيه والمقربين منه.
المظهر الأول للتغييرات يشير إلى دخول الجيل الشاب إلى سدة القرار من خلال تعيين محمد بن نايف ولياً للي العهد، ووزيراً للداخلية، ومحمد بن سلمان وزيراً للدفاع ورئيساً للديوان الملكي، مما يؤكد ضخ دماء جديدة في إدارة الدولة، وتجديداً للعقل السياسي السعودي، بطريقة متدرجة وانسيابية متصلة، دون الذهاب إلى التغيير الجذري الذي يقطع الصلة بين الماضي والحاضر، ودون إحداث فجورة كبيرة بين الأجيال.
هناك مجموعة أسئلة تنتظر الإجابة من خلال رصد هذه التغييرات تتعلق بالأثر المتوقع في سير الأحداث في كل من اليمن، وليبيا وربما مصر، والساحات العربية الأخرى بأشكال متفاوتة، ويعتقد بعض المراقبين أننا سوف نشهد إعادة النظر في تقييم المشهد والدور السعودي فيها، وهناك توقعات بأن التحالف العربي الذي تم تشكيله عقب اندلاع انتفاضة الربيع العربي سوف يشهد تفككاً وتراجعاً في اندفاعه الكبير في استعداء القوى السياسية الشعبية والحركات الإسلامية المعتدلة على وجه الخصوص، وهناك من يتوقع احداث تغير واضح في هذا المساق في عدة أقطار عربية.
المطلوب من السعودية وكل الزعماء العرب الذين يحظون بالاستقرار أن يسهموا في إعادة الاستقرار للإقليم العربي، وأن يبادروا إلى الشروع ببعض الحلول التي تخفف الاحتقان والتوتر، والدعوة إلى مصالحات عامة، تتوقف من خلالها الاعتقالات والمداهمات ومصادرة الحريات، ومساعدة الشعوب والقوى السياسية على انتاج صيغ توافقية تحقق مساحة واسعة من المشاركة الشعبية في العمل على إنقاذ المشهد، والابتعاد عن سياسة التفرقة والتوتير واستخدام العنف والقوة في حسم الخلافات سواء على صعيد الأنظمة الحاكمة أو على صعيد القوى السياسية والشعبية.
نأمل أن يكون الدور السعودي إيجابياً وريادياً في محاولة البحث عن صيغ التوافق في كل الساحات العربية، وهي مؤهلة للقيام بهذا الدور بالتعاون مع بعض الدول العربية المعتدلة والمستقرة سياسياً وأمنياً في ظل تراجع الدور القيادي المصري، وفي ظل الحالة التي تمر بها سوريا والعراق من الضعف والاقتتال الداخلي، بالإضافة إلى العمل الجاد في محاصرة ظواهر التطرف من خلال منظومة متكاملة من حزم المواجهة على الصعد السياسية والتربوية والاقتصادية والأمنية، بطريقة منهجية سليمة وموزونة.
بالإضافة إلى ضرورة العمل على بلورة مشروع سياسي عربي ينخرط العرب من خلاله في دور إيجابي مقدر، يحفظ الأوطان ويحمي الشعوب ويصون المقدرات العامة ويحمي مستقبل الأجيال القادمة.
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير