jo24_banner
jo24_banner

"التوجيهي" يدق باب التغيير

محمد خير الرواشدة
جو 24 : لا تكاد تمر مناسبة بدون توجيه النقد، لاستمرار عقد امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة، بصيغته الحالية، التي تعود إلى ما قبل نحو 50 عاما.
ففيما جرت محاولات لتعديل شكل ومضمون الامتحان، الأكثر شهرة في المملكة، فإنها محاولات لم تتعد إدخال تعديلات، لم تنجح بالتخفيف من وطأة التوتر الاجتماعي والنفسي، المرافقة لأجواء امتحاناته.
التعديلات، التي دخلت على خط "التوجيهي"، لم تخرج كثيرا عن فكرة تقسيم الامتحان إلى فصلين، وذلك منذ بدء عقد دورات امتحان "التوجيهي" مطلع ستينيات القرن الماضي، بعد أن كان تقرر جمعه في فصل واحد، نهاية التسعينيات الماضية، قبل أن تعود الامتحانات إلى سابق عهدها، مقسمة على فصلين مطلع الألفية الجديدة.
وزارة التربية والتعليم حاولت إجراء تعديلات على تعليمات امتحانات شهادة الثانوية العامة، كانت الحصة الأوفر منها لصالح غير مستكملي متطلبات النجاح، فجرى تقديم بعض التسهيلات على امتحان "الإكمال"، بغية ضمان لحاق الطالب بالجامعة في الفصل، الذي ينهي فيه متطلبات النجاح، تلافيا لضياع المدد الدراسية من عمر الطالب.
كما جرى تعديل على حسبة بعض مساقات الثانوية العامة المشتركة بين الفروع الأكاديمية، لصالح جمع علاماتها في الفصلين، وبذلك فإن العلامة الأعلى "تجبُر" الأدنى وتكون المحصلة النهائية مجموع علامات الطالب في الفصلين، نجاحا أو رسوبا.
في غمرة الحديث عن تاريخية امتحانات التوجيهي، فإن حديث الوزارة عن تطوير شكل ومضمون الامتحان، فتح الباب لتوحيد مطالب تعديل تعليمات الامتحان؛ ذلك أن طلبة وأولياء أمور، وحتى متخصصين ومعنيين، قالوا بضرورة تغيير شكل ومضمون الامتحان، الأكثر تحكما بمستقبل ومصير الطلبة، خاصة وأنه يمثل حلقة وصل بين مرحلتين فاصلتين.
فالانطباع السائد يرى أن شكل الامتحان وطريقة تحديد مواقيته، والصعوبات التي تنطوي عليه، هي ما يتسبب بالضغط الاجتماعي والنفسي، الذي يرافق انطلاق سنة "التوجيهي" للطالب، مرورا بأيام الامتحان، وصولا إلى لحظات انتظار النتائج.
برأي متابعين، فإن "مصيرية" الامتحان، هي التي تبرر تهور طلبة في تعبيرهم عن الفرح بالنجاح، بشكل يدفع كثيرين للتندر تجاه أشكال هذا الفرح عند إعلان النتائج، في مقابل، أن ذات "المصيرية" للامتحان تدفع أيضا بعض الطلبة لمحاولات انتحار، يصيب بعضها أحيانا.
ويرى خبراء أن الأجواء المرافقة للتوجيهي تنطوي على معوقات، تحول دون تقدم الطالب للامتحانات بعفوية وتلقائية؛ أو تسمح له بمساعدة نفسه في كسر قيود رقابة المجتمع، والضغط النفسي القادم من حسابات الإخفاق.
وزارة التربية أخذت على عاتقها تطوير شكل الامتحان، لصالح كسر الحدة الاجتماعية النفسية، لكن بدون المس بجودة الامتحان، مع المحافظة على ضبط معاييره، على هدي من الدقة والعدالة والمساواة والموثوقية.
السيناريو البديل عند الوزارة، يقضي بتقسيم امتحان الثانوية العامة على أربعة فصول دراسية، وهي مرحلة الثانوية العامة، بصفيها الحادي والثاني عشر.
وتسمح هذه الصيغة بأن يكون حاصل معدلات الطالب في أربعة فصول دراسية، هي معدله في مرحلة الثانوية، الذي سيمنحه فرص التنافس على المقعد الجامعي، وفق نظام الحزم الدراسية، المرتبطة بنوايا الطالب في تخصصه الجامعي.
أما الشكل الجديد لامتحان "التوجيهي" فيسمح بتقسيم عبء الامتحان الواحد إلى أربعة فصول، علما أن الفكرة التي لم تختبر بعد، من شأنها، وفق خبراء تربويين، إلغاء الضغط الاجتماعي والرقابة المجتمعية على طالب الثانوية العامة.
في حين أن اعتماد الطالب على حصيلة معدلاته الدراسية في الفصول الأربعة، تساهم إلى حد كبير، في تدارك الطالب لأي انتكاسة في أي مادة دراسية عند أي فصل دراسي، عن طريق المعالجة عبر الدراسة المكثفة، والاستفادة من مجاميع العلامات وتقسيمها على عدد الفصول.
من هنا، لن يتمكن هذا السيناريو من بلوغ أهدافه بأقصى درجات المنفعة التعليمية، إذا لم تعززه سياسات قبول جامعي، تنظر إلى تفوق الطالب في المساقات، التي أحرز فيها تحصيلا مميزا، بوصفه ممرا إلى مقعده الجامعي، في نهاية المطاف.
هذه الفكرة كان اقترحها وزير والتربية والتعليم الأسبق الدكتور وليد المعاني، عندما قدم مشروع تطوير امتحانات الثانوية العامة، بفكرة تخدم الطالب، من خلال الربط بين تفوقه بالمساقات ذات الارتباط الوثيق باختياراته الجامعية.
وكان المعاني يتوخى إحداث ثورة تعليمية، لخصها بمكونات خمسة، نشرها على موقع إلكتروني تفاعلي متخصص، وضمنها أفكارا تطويرية تتعلق بالحقيبة المدرسية، والكتب والمناهج، والتغذية المدرسية، والزي المدرسي.
وكان مقدرا لهذا القرار، في زمن المعاني، أن يكون من أكثر القرارات جرأة، حيث كان متوقعا أن يترك صدى إيجابيا واسعا في الأوساط التربوية والتعليمية.
وكان مشروع المعاني لتطوير تعليمات امتحانات الثانوية العامة نافذا، بعد أن هيأ أرضية صلبة لتغيير "التوجيهي" نهاية العام 2009، وكان سيرى النور لو أن التغييرات الحكومية أمهلته، لكن سرعان ما غادر موقعه ليُطوى الملف في سراديب الوزارة.
فكرة المعاني هي محور كل مشاريع التطوير، الذي تتحدث عنها الوزارة هذه الأيام، وهي سيناريوهات تداولتها الوزارة منذ زمن الدكتور خالد الكركي، مرورا بتيسير النعيمي، وبعده عيد الدحيات، وصولا إلى عهد الدكتور السعودي، في أقل من عامين ونصف العام.
وأمام جملة الأعمال التي تعكف عليها وزارة التربية في تطوير امتحانات الثانوية العامة، فإن موقف نقابة المعلمين جاء مغلفا بالضبابية؛ ليترك وراءه جدلا واسعا.
فالنقابة أعلنت رفضها المشروع، وقالت في بيان لها "نرفض وبكل وضوح تام الصيغة الحالية المقترحة بعقد الامتحان على سنتين، نظرا لانعكاساتها السلبية، اجتماعيا واقتصاديا ونفسيا على الطلبة وأولياء الأمور".
وعقبت النقابة على رفضها، في البيان، بأن مشروع الوزارة في تطوير "التوجيهي" سيرفع كلف إجراء الامتحان عند عقده على مدار عامين، كما أن توزيع سنة "التوجيهي" على عامين أو أربعة فصول دراسية، من شأنه زيادة الضغط الاجتماعي والنفسي على الطلبة وأولياء الأمور، بدل التقليل من هذه الآثار الضارة.
موقف النقابة جوبه برفض كثيرين، غير أن موقف وزير التربية كان الأكثر وضوحا، عندما غمز من قناة النقابة بقوله إن "على نقابة المعلمين أن تعمل ضمن القوانين المعمول بها، ولا تتدخل بقرارات وصلاحيات الوزارة".
وفي غمرة الحديث عن الإصلاحات الشاملة، يجب أن يدرك الهاتفون باسم الربيع الأردني، أن الإصلاح التعليمي هو جزء من الإصلاحات العامة، إن لم يكن من أهم منطلقاتها ومقاصدها.

الغد
تابعو الأردن 24 على google news